بعد صلح الحديبية دخلت «خزاعة» فى حلف الرسول، ودخلت «بنوبكر» فى حلف قريش، وقد كان بين القبيلتين حروبٌ قديمة، فأراد بنوبكر أن يصيبوا من خزاعة الثأر القديم، فأغاروا عليها ليلاً، وأعانت قريش «بنى بكر» بالسلاح والرجال، ولما علم النبى بغدر قريش أمر بالاستعداد للزحف إلى مكة، وفى العشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة غادر المسلمون المدينة إلى مكة فى عشرة آلاف من الصحابة بقيادة رسول الله، بعد أن استخلف على المدينة أبا ذر الغفارى، ودخلها المسلمون سلماً دون قتال، إلا ما كان من جهة القائد المسلم خالد بن الوليد، إذ حاول بعضُ رجال قريش بقيادة عكرمة بن أبى جهل التصديَ للمسلمين، فقاتلهم «خالد» وقَتَلَ منهم اثنى عشر رجلاً وفرَّ الباقون، وقُتل من المسلمين رجلان اثنان. ولمَّا نزل الرسولُ بمكة، جاء الكعبة فطاف بها، وأقبل إلى الحجر الأسود فاستلمه، وكان حول البيت ثلاثمائة وستون صنماً، فجعل يطعنها بقوس فى يده ويكسرها ويقول: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا. ثم خرج وقريش ينتظرون ما يصنع، فقال: «يا معشر قريش، ما ترون أنى فاعل بكم؟» قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «فإنى أقول لكم كما قال يوسف لإخوانه: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}، اذهبوا فأنتم الطلقاء». ثم أمر «بلال» أن يصعد الكعبة فيؤذن، وقد أهدر الرسول يومئذٍ دماء تسعة من أكابر المجرمين، وإن وُجدوا تحت أستار الكعبة. وكان من نتائج فتح مكة اعتناقُ كثيرٍ من أهلها دينَ الإسلام، ومنهم سيد قريش أبوسفيان بن حرب، وزوجتُه هند بنت عتبة، وكذلك عكرمة بن أبى جهل، وسهيل بن عمرو، وصفوان بن أمية، وأبو قحافة والد أبى بكر الصديق، وغيرُهم.