لماذا تأخر صدور قانون العزل السياسي رغم الوعود الكثيرة التي قطعتها الحكومة والمجلس العسكري بصدوره قبل البدء في العملية الانتخابية التي باتت علي الأبواب.. تأخر إصدار هذا القانون أعطي الفرصة لمرشحين ونواب سابقين عن الحزب الوطني المنحل لترشيح أنفسهم في الانتخابات البرلمانية القادمة.. وأدي في الوقت نفسه إلي الطعن في ترشيحهم في 19 محافظة صدرت فيها أحكام قضائية بعضها بالاستبعاد من الترشح وصدرت أحكام أخري بالاستمرار في الترشح.. وصدرت أحكام عن المحكمة الإدارية العليا باستمرار ترشحهم.. مما يؤكد أن هناك حالة من التوهان لدي الحكومة والمجلس العسكري في عدم حسم الأمور، فلو كان القانون قد صدر لما وصل بنا الحال إلي هذا الخلاف القضائي في محاكم القضاء الإداري علي مستوي الجمهورية.. فهل هذه الحكومة المغيبة تريد أن تصل مصر إلي حالة من الاستقرار وبر الأمان؟.. أم أن الهدف الخفي وغير المعلن هو تأجيل الانتخابات، وبالتالي استمرار حكم العسكر إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولا. لم يتوقف الأمر عند عدم صدور قانون العزل السياسي للتخلص من فلول الحزب الوطني المنحل وأذناب النظام السابق.. ولكن أدلت الحكومة بدلوها في توقيت غير موفق علي الإطلاق حين طرح الدكتور علي السلمي نائب رئيس الوزراء لشئون الحوار ما يسمي بوثيقة المبادئ فوق الدستورية.. تلك الوثيقة التي توافقت عليها بعض الأحزاب والقوي السياسية ورفضتها البعض الآخر وكل له أسبابه.. ولكن لأن حكومة تسيير الأعمال تعمل كسكرتارية للمجلس العسكري بالريموت كنترول.. فما كان منها أن أخرجت تلك الوثيقة قبل الانتخابات بأسابيع قليلة من أجل تشتيت الأذهان في الأحزاب وفي القوي السياسية والشارع المصري، وبينما الأحزاب تستعد للمرحلة الأولي من الانتخابات 28 نوفمبر الحالي، خرجت الوثيقة في توقيت خاطئ أقامت الدنيا ولم تقعدها، مما جعل بعض القوي السياسية تهدد بالخروج بمليونية اليوم للاحتجاج وربما للتصعيد ضد تلك الوثيقة، وضد الحكومة الغبية التي لا تعرف متي تتحرك ومتي تتوقف.. متي تتقدم ومتي تتأخر.. الدكتور علي السلمي دعا لاجتماع مفاجئ مع الأحزاب والقوي السياسية لمناقشة وثيقته وفي الحقيقة هذه ليست وثيقته وليست وثيقة الحكومة فهما مأموران بذلك من المجلس العسكري صاحب الوثيقة.. الذي أراد أن يضع بالونة اختبار ليري مدي تقبل الأحزاب والقوي السياسية والشعبية لإمكانية أن يكون العسكر فوق الدستور وفوق القانون وفوق رئيس الدولة القادم وفوق البرلمان وفوق الحكومة.. العسكر بتلك الوثيقة لديهم حق الفيتو علي أية قرارات تصدر من مجلس الشعب أو رئيس الدولة القادمين.. الوثيقة تحصن المجلس العسكري ليكون أعلي سلطة في البلاد، ميزانية الجيش سرية ولا يعلمها ولا يناقشها أحد كما ذكر بالمادتين التاسعة والعاشرة من الوثيقة التي تدخلت أيضاً في كيفية اختيار اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور الجديد عقب انتهاء الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشوري في مارس القادم في حالة اكتمالها. نعلم من صاحب الوثيقة وأن الحكومة ما هي إلا أداة لإعلانها وكبش فداء لتلقي الصدمة التي تلت الإعلان مما جعلهم يتراجعون ويعلنون عن تعديلات في المادتين التاسعة والعاشرة منها التي جعلت للقوات المسلحة الحصانة وميزانياتها فوق المساءلة والمحاسبة وعدم خضوعها لأية أجهزة رقابية.. وكان رد الفعل القوي ممن عارض إصدار الوثيقة أصلاً لأنهم يرونها التفافاً علي استفتاء 19 مارس الماضي والإعلان الدستوري الذي صدر بعده، خاصة أن هناك توافقاً مجتمعياً علي المادة الثانية من الدستور التي تجعل من الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع.. فلماذا فرض مبادئ فوق دستورية ولا يترك الأمر للجنة إعداد الدستور لتصيغ الدستور بالتوافق مع كل القوي السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية في المجتمع.. لأن الأصل في الدستور هو أن يتم التوافق عليه دون غلبة قوي علي أخري.. أما من شارك في اجتماع الدكتور علي السلمي فقد اعترض علي المادتين 9 و10 من الوثيقة والمادة 13 التي تسحب البساط من تحت أقدام حرية الإعلام والصحافة وتجعلهما تحت رحمة ورقابة الحكومة، مما يتيح من خلال صياغة مطاطية للمادة لصدور أحكام قضائية قد توقف العمل بالصحف والمحطات الفضائية لفترة محدودة أو إلا ما لا نهاية.. فهل الثورة قامت من أجل الحريات والعدالة الاجتماعية؟.. أم من أجل مزيد من الكبت وتكميم الأفواه وكله بالقانون يا معلم. هل أرادت الحكومة من خلال وثيقة الدكتور علي السلمي أن تشعل الوطن؟.. وهل هي من أجل إلهاء القوي السياسية والأحزاب والمواطنين عن أشياء تتم في الكواليس قد تؤدي في مجملها إلي تأجيل الانتخابات.. وبالتالي خروج المسار الوطني السياسي والاقتصادي عن مساره الطبيعي مما يحدث فتنة الوطن.. الحكومة اختارت توقيتاً غبياً لأنها تعمل بالريموت كنترول، مما أعطي الفرصة لبعض القوي لاستخدام سياسة «لي الذراع» وقامت بإصدار تهديدات بخروج مليونيات.. مما يمثل ابتزازاً لا يمت بأي صلة بالممارسة السياسية.. فحين يختلفون علي قرارات أو سياسات لا تتفق مع ميولهم يلجأون للتهديد بدلاً من المشاركة في الحوار واستخدام أساليب الإقناع، وممارسة حرية الرأي والرأي الآخر، ولأنهم يعملون بطريقة من ليس معي فهو ضدي فهم لجأوا إلي التهديد بخروج مليونيات في حالة سحب الحكومة لوثيقة السلمي.. فهل ينجحون في لي ذراع الحكومة والمجلس العسكري، وقد مل الشعب وضاق ذرعاً بالمليونيات التي أدت إلي وقف الحال وتدهور الحالة الاقتصادية والمادية لجموع المواطنين مما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير.. بعض القوي الإسلامية دعت لمليونية اليوم كنوع من استعراض القوة وإرهاب المجتمع قبل الانتخابات التي قد تأتي بنتائج سلبية علي الجميع، وقد تمنع المواطنين من الخروج يوم الانتخابات وبالتالي الخاسر الأول والأخير هي مصر حاضرها ومستقبلها واقتصادها الذي يتراجع بشكل يومي. مصر الآن أصبحت مطرقة المجلس العسكري الذي ضل خارطة الطريق والأحزاب الدينية التي تستغل المساجد من أجل الدعاية الانتخابية، فهل هذا ما نتمناه لمصر، لا أظن أن أحداً يريد أن تصبح مصر دولة دينية وأيضاً نرفض أن يستمر حكم العسكر إلي ما لا نهاية، فلا للدولة الدينية ولا الدولة العسكرية، وآن الأوان أن تصبح دولة مدنية تنعم بالدستور وسيادة القانون والحرية والعدالة الاجتماعية، من خلال سفينة الانتخابات التي ستعبر بها مصر من غيبات الجب إلي أنوار الفجر فمن يريد تعطيل هذه المسيرة ومن يريد أن تستمر مصر في عنق الزجاجة؟.. وثيقة السلمي سواء عدلت أم ألغيت هي نوع من العبث في هذا التوقيت وتثير فتنة في الوطن.. والقضاء حر في إصدار ما يراه من أحكام فهذا حق أصيل له.. ولكن علي المجلس العسكري سرعة إصدار قانون العزل السياسي حتي لا يعود فلول الحزب الوطني المنحل لاحتلال مقاعد البرلمان، ونحن نراهن أيضاً علي الوعي الشعبي في عدم انتخابهم مرة أخري.. فهم سيعودون بمصر إلي الوراء وكفاهم ثلاثون عاماً من الفساد.. أما من يرتدون عباءة الدين فعليهم أن يتقوا الله في مصر وكفاهم مليونيات من أجل ابتزاز الوطن وعلي «العسكري» ألا يستسلم لسياسة لي الذراع، فهو مازال حامي حمي البلاد والعباد.. اتركوا مصر تصل إلي بداية الاستقرار وبلوغ الأمل، اتركوا الانتخابات تتم يا عقلاء الوطن.