ارتبط اسم الشيخ راغب مصطفى غلوش بقراءة السورة بمسجد سيدى إبراهيم الدسوقى بمحافظة كفر الشيخ لسنوات طوال قبل أن يصطدم بمحافظها الأسبق ليبتعد عن المسجد لمدة ثلاث سنوات (1992 – 1996) ثم يعود إليه مرة أخرى بفضل فضيلة الشيخ أبى العينين شعيشع نقيب القراء، رحمهما الله معًا. ولد فضيلة الشيخ راغب مصطفى غلوش فى الخامس من شهر يوليو عام 1938 م بقرية «برما» مركز طنطا محافظة الغربية، ومنذ نعومة أظافره أرسله والده إلى كتاب القرية وحفظ القرآن الكريم كاملًا فى التاسعة من عمره، على يد الشيخ عبدالغنى الشرقاوى بنفس القرية، وكان يصدح بآيات القرآن، فشجعه مشايخه والمقربون، وبدأ يشارك فى إحياء المناسبات الدينية والمآتم وهو فى سن الخامسة عشرة من عمره، وذاع صيت الصبى «غلوش» فى القرى المجاورة والمحافظات القريبة من حوله، قبل أن يلتحق بمعهد القراءات بالمسجد الأحمدى بطنطا، وكان حريصًا على تلاوة القرآن يوميًا ما بين أذان العصر والإقامة حتى حل عليه الدور فى أداء الخدمة العسكرية فى عام 1958، حتى تقدم للجيش، وكانت وحدته العسكرية قريبة من دار الإفتاء بالدراسة، وفى يوم من أيام شهر رمضان عام (1960) توجه المجند غلوش لمسجد الحسين وطلب من شيخ المسجد رفع الأذان، فوعده بذلك فى حالة عدم حضور الشيخ طه الفشنى رحمه الله مؤذن المسجد الحسينى آنذاك، وتحققت أمنية الشيخ «غلوش» وانطلق صوته عبر ميكروفونات المسجد، ليذهل جموع المصلين مما شجعه لقراءة ما تيسر من آيات الذكر الحكيم إلى جانب سورة الحاقة، ولم يكد يفرغ من تلاوته حتى فوجئ برئيس الوزراء زكريا محيى الدين يطلب استدعاءه فى استراحته، ودارت الدنيا بالمجند الموهوب، ومرت أوقات قلقة على الشيخ «غلوش» حتى وجد نفسه وجهاً لوجه أمام رئيس الوزراء، فأدى له التحية العسكرية وبعدها بدقائق أصدر «محيى الدين» قراره بإلحاق المجند «غلوش» بمعهد القراءات وعند عودته للوحدة استقبله قائدها بحفاوة وكلفه بتولى أمر مسجد الوحدة يؤم المصلين ويرفع الصلاة فقط، ولم تكد فترة تجنيده تنتهى عام 1961 حتى استقبله محمد أمين حماد مدير الإذاعة آنذاك بمسجد الحسين فأعطاه خطابًا يسمح له بدخول الإذاعة لتقديم طلب الالتحاق للجنة اختبار القراء الجدد بالإذاعة، وفى اليوم التالى ذهب إلى مسجد الإمام الحسين، فوجد الشيخ حلمى عرفة شيخ المسجد الحسينى وبصحبته اللواء صلاح الألفى واللواء محمد الشماع، ووافق الثلاثة على الذهاب مع الشيخ راغب لمبنى الإذاعة لمقابلة مدير الإذاعة الذى استقبلهم بحفاوة، وفى اليوم التالى تم تحديد موعد الاختبار، فوجد الشيخ راغب أن هناك مائة وستين قارئًا يرغبون فى الانضمام للجنة الاختبار، وكان الشيخ «راغب» يرتدى الزى العسكرى، فسألوه أنت ضمن حرس المبنى، فقال إنه تقدم بطلب للالتحاق كقارئ بالإذاعة ووقف الشيخ «غلوش» أمام كبار العلماء مثل الدكتور محمد أبوزهرة والشيخ السنوسى والدكتور عبدالله راضى ولجنة الصوت مكونة من الإذاعى الكبير محمد حسن الشجاعى والدكتور أبوزهرة، لكنه اجتاز الاختبار بكفاءة وحصل على الدرجات النهائية، وكان فاتحة خير للإذاعة المصرية، وذهب بعدها الشيخ إلى مقر الإذاعة بالشريفين، فوجد نفسه ضمن السبعة الأوائل الناجحين فى اختبار الإذاعة وكان الشيخ سعيدًا جدًا بنجاحه، وكانت النتيجة قبل أن يخلى طرفه من بلوكات الأمن بالجيش التى لم يتبق عليها إلا عشرون يوماً، وكانت المفارقة العجيبة أن كرمته قيادات الأمن المركزى ومنحوه رتبة «شاويش» وفى حفل إنهاء الخدمة الذى تم تكريمه فيه نادى مقدم الحفل «القارئ الشاويش راغب غلوش» والذى اعتمدته الإذاعة المصرية وكان ذلك فى إنهاء خدمته الوطنية 1962 م وعمره آنذاك (24) عاماً. وصافح صوته آذان المستمعين لأول مرة عبر الأثير فجر يوم وفاة الملك مخمد الخامس عام 1962م وكان أول أجر يتقاضاه من الإذاعة ستة جنيهات، وكانت أول زيارة له خارج مصر إلى ليبيا ثم سوريا ثم الكويت وبقية البلدان العربية، ثم فرنسا ولندن والأمريكتين، حيث قرأ للجاليات الإسلامية خلال شهر رمضان المعظم فى كندا والبرازيل وبعدهما إيران، وللشيخ راغب قطاع عريض من الجمهور فى منطقة الخليج يعشق تلاوته، ويحرص على سماع المصحف المرتل بصوته عبر إذاعات دول الخليج بانتظام. ومن المواقف الخالدة فى حياة الشيخ «راغب» أنه فى أثناء فترة تجنيده ببلوكات الأمن المركزى بالدراسة عام 1961م توفى أحد اللواءات بالداخلية، وأقيم عزاء كبير له بميدان العباسية، ففوجئ «غلوش» بأن قائد الكتيبة يرشحه للقراءة هناك، فما كان منه إلا أن لبى ذلك، ودخل السرادق ليرى أن معه عملاق التلاوة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فأخذته الرهبة، ولما علم الشيخ «عبدالباسط» بأن هذا الشاب سيشاركه التلاوة شد من أزره وشجعه ودعا له بالتوفيق، أيضًا هناك موقف حدث لغلوش مع الشيخ محمد صديق المنشاوى، فبعد التحاق الشيخ غلوش بالإذاعة بثلاث سنوات فى عام 1965، جاء خطاب بموعد التسجيل باستوديو الإذاعة بالشريفين وتم تحديد الموعد من (12) ظهرًا إلى الواحدة، وفى نفس اليوم ارتبط «غلوش» بمأتم فى محافظة المنوفية، فذهب للإذاعة قبل الموعد بساعة حتى ينتهى من التسجيل بسرعة ليلحق بالمأتم، ففوجئ بقدوم الشيخ «المنشاوى» يدخل الاستوديو قبل أن يجلس للتسجيل ولما علم الشيخ «المنشاوى» أن الشيخ «غلوش» مرتبط بموعد آخر قال: أعطوا وقتى كله للشيخ راغب حتى يلحق بموعده، وأنا سأسجل فى يوم آخر، فظل هذا الموقف عالقًا فى ذهن الشيخ «غلوش» طيلة حياته، ولم ينس جميل المنشاوى معه وفى يوم الخميس الموافق (4) من فبراير 2016 توفى الشيخ «غلوش» بعد صراع مع المرض وأقيم له عزاء ضخم حضره أكثر من مائتى قارئ وإذاعى وآلاف المحبين من عشاقه، تاركًا خلفًا صالحًا من أبنائه وهم الشيخ «ياسر» إمام وخطيب بالأوقاف، و«مصطفى» أعمال حرة، و«هبة» متزوجة و«راندا» بكالوريوس تجارة... رحم الله عملاق التلاوة القارئ الشاويش الشيخ راغب مصطفى غلوش.