"حقي ضايع جوا الدولة".. مثلما عبرت هذه الكلمات عن السبب الذي دعا "عبده عبد المنعم" إلى إشعال النار في جسده صباح أمس على رصيف مجلس الوزراء المقابل للبوابة الرئيسية لمجلس الشعب المصري.. فقد كانت سببا أيضا اليوم في أن يقوم محمد حسن فاروق المحامي بإحراق نفسه أمام ابنه وفي نفس المكان، بعد أن فشل في مقابلة أحد المسئولين لتقديم شكوى لمجلس الوزراء.. لينضم إليهما الشاب العاطل ،أحمد هاشم السيد، الذي أقدم على نفس الفعلة فوق سطح أحد العقارات بحي خورشيد بالإسكندرية احتجاجا على الأوضاع المعيشية المتدهورة وتعبيرا عن تذمره من وضعه الاجتماعي المزري. وسؤالنا الآن.. هل فتح بوعزيزي الباب على مصراعيه أمام الشباب المصري المحبط كي ينتحروا مفضلين الانسحاب من الحياة ليرفعوا عن كاهلهم كل السخط والإحباط والاكتئاب الذي سقاهم إياه حكامهم وحكوماتهم؟ وهل سيصبح الانتحار الوسيلة الفعلية للتغيير؟ وماهي سمات الشخص المؤهل نفسيا للإقدام على الانتحار؟ فقدان الأمل في تعليقها على الموضوع، تقول أميرة بدران ،الأخصائية النفسية، إن فقدان الأمل هو ما يجعل الناس تصل لمرحلة الانتحار أو التفكير فيه، وليس شرطا أن يكون المنتحر فقيرا، لأنه من الممكن أن يكون فقيرا ولكن لديه أمل في الغد ولديه حلم يريد أن يحققه. لذا من الضروري أن يكون هناك متنفسا أمام الناس حتى لا يقدموا على الخطوة الخاصة بالانتحار. وتستطرد قائلة: الشخص الذي ينهي حياته بعملية انتحار هو غالبا يعيش في دائرة مستمرة من الضغط والإحباط وفقدان الأمل في التغيير على جميع الأصعدة، كأن يكون شخص ما محبط على المستوى السياسي، أو على المستوى الاجتماعي، أو على مستوى عدم توفر إمكانية الزواج، أو على مستوى البطالة، أو على مستوى عدم توافر الأموال اللازمة للمعيشة. عندما يفقد الشخص كل هذا الأمل ويتملكه إحساس محض بالمشكلات فقط، فإنه يتراكم لديه الإحباط والذي يتحول لشحنة غضب كبيرة ،إن لم يتم التنفيس، عنها تتراكم هي الأخرى وتتحول مع الوقت إلى شعور بالعدوان والانفجار الشديد لدى هذا الشخص، والذي لا نعرف بالضبط متى سيقوم بهذا العدوان وأين؟ فقد يكون الموقف الناتج عنه الانتحار لا يستدعي التخلص من الحياة، ولكنها تكون القشة التي قسمت ظهر البعير. وتتابع أميرة : من الممكن أيضا أن يكون الشخص مريضا نفسيا أو لديه اضطراب نفسي ولا يتحمل الضغوط بشكل عام، لذا فإنه قد ينتحر متخلصا من كل ما لديه من ضغوط ومشاكل، وقد يكون الشخص متعرضا لدرجة كبيرة من الاكتئاب ثم استفزه شيئا ما كما حدث لبوعزيزي في تونس، فهو شخص يحمل قدرا من الاكتئاب لصعوبة الحصول على لقمة عيشه وعندما أتى أحدهم وصادر العربة مصدر رزقه وإخوته ووالدته لم يجد بدا من إشعال نفسه.. ثم أشعل الثورة. النقل غير وارد وتؤكد الأخصائية النفسية أن نقل التجربة التونسية لمصر غير وراد بالمرة ، لأن الملابسات ونوعية الشعب والعلاقة بين الشعب والحكومة مختلفة. وترى أننا في مصر نتمتع بطبيعة فردية ونشعر بالغضب على المستوى الفردي فقط لا ينتقل لمستوى الغضب العام، كما أن الشخصية المصرية في رأيها أصبحت لديها كثير من الصفات السلبية كالفهلوة والأنانية، مع انتشار ظواهر غير صحية عديدة كالتدين المغشوش وضعف الانتماء، وهذا كله لن يؤدي في كل الأحوال إلى غضبة عامة تحقق أحلام المجتمع مثلما حدث في تونس، وبالتالي فإن من يحلم بنقل التجربة التونسية كما هي إلى مصر هو شخص غير واقعي، مثله في ذلك مثل تعاملنا مع الأشياء التي نريد أن نقلد فيها الغرب ولا تكون النتيجة دائما واحدة . وتستطرد بدران قائلة: أننا تعرضنا لحوادث فريدة أكثر قسوة مما تعرضت لها تونس ولم يغضب الشعب ولم نر حتى تظاهرة واحدة في الشارع، فقد رأينا الأب الذي أغرق أولاده بيده لأنه فقد الأمل في أن يستطيع إطعامهم وكسوتهم، وهناك المهندس الثري الذي خسر أمواله كلها في البورصة فما كان منه إلا أن عاد وقتل زوجته وأولاده مبررا ذلك بتجنيبهم الحرمان الذي سيرونه نتيجة إفلاسه. وكان هذا كله كفيلا بهبة عامة ولكن لم يحدث شيء. وتختم كلامها قائلة: منذ زمن بعيد ونحن مأثورون للحكام.. ولن يتغير ذلك بين ليلة وضحاها، على عكس بعض الشعوب الأخرى، وبالتالي فإن هذا الشخص الذي أحرق نفسه أمام بوابة مجلس الشعب المصري كان يتصور خطأ أنه سيشعل الثورة في مصر مثلما فعل بوعزيزي في تونس ولكنه لم يفهم أن هناك متغيرات أخرى تحكم الموقف وتسيطر عليه. عدوى السلوك ومن جانبه يقول د.عمرو أبو خليل ،الطبيب النفسي،: الانتحار في الطب النفسي مرتبط بالإحباط واليأس، وفي الحالة المصرية فإن اليأس من إصلاح الأحوال والوصول إلى نتيجة ملموسة سيطر على الجميع، وكذلك طرق أبواب المسئولين والخروج منها بدون نتيجة دائما ملأ الشباب بالإحباط الذي عبر عنه بعضهم بالانتحار. ومن ناحية أخرى فإن الانتحار قد يكون تعبيرا عن حالة احتجاجية في ظل الأوضاع الحالية التي نراها في تونس، كما أن هناك عدوى السلوك في الطب النفسي والتي ينتج عنها انتشار سلوك معين بين موجات من الناس التي تأثرت بما حدث في تونس ويريدوا أن يقلدوه، وهذا ما بدأنا نلاحظه من انتحار عدد كبير في الجزائر ومصر. ويضيف أبو خليل قائلا: من الواضح أن بوعزيزي كسر حاجز الانتحار في العالم العربي والإسلامي، فالثقافة الدينية كانت دائما تقف حائلا وحاجزا أمام أي إنسان تساوره الرغبة في التخلص من حياته، ولكن بعد ما حدث من بوعزيزى وإشعاله للثورة في تونس بعدما أشعل نفسه، ودعوات الناس له بأن يشفع الله له تمنى كل شاب أن يقلد فعلته. وفي النهاية يدعو أبو خليل الشباب إلى الفعل الإيجابي العام والتغيير بطريقة الشعب التونسي لأنها الأفضل، مؤكدا أن الانتحار لم يكن أبدا هو الحل. وكان د.يوسف القرضاوي قد دعا في تصريحات تليفزيونية مساء الأحد السابق إلى الاستغفار لمحمد بوعزيزي الذي أشعل الثورة التونسية، غير أنه رفض ما يقدم عليه بعض الشباب من محاولة الانتحار تقليدا للبوعزيزي، مؤكدا على أن "الانتحار يظل حراما شرعا وكبيرة في الإسلام". امام مقر مجلس الوزراء، بعد أن أتى بصحبة ابنه لتقديم شكوى للمجلس لكنه لفشله قد نجح امن المقر في اطفاء النار بسرعة واصطحبه إلى مستشفى المنيرة. وعلمت "بوابة الوفد" ان الاصابات اقتصرت على أحدى ساقي المواطن. وتعددت الروايات حول شخصيته، فقالت احداها: انه محام من حي السيدة زينب، اسمه محمد حسن فاروق، ،. وقالت رواية اخرى ان سبعة مواطنين حضروا معا لإبلاغ شكاوي إلى المجلس.. وعندما فشلوا، أشعل أحدهم النار في جسده. . ووفقا لمراسل موقع (البديل) أصيب الجيران بحالة فزع بعد ان شاهدوا النار تلتهمه من شرفاتهم فأبلغوا الإسعاف على الفور، ليتم نقله إلى المستشفى الرئيسي الجامعي "في حالة خطيرة ولا يمكن إستجوابه"