نقيب المحامين يشارك الطائفة الإنجيلية الاحتفال بعيد القيامة    أسقف نجع حمادي يترأس قداس عيد القيامة بكنيسة ماريوحنا    غدا وبعد غد.. تفاصيل حصول الموظفين على أجر مضاعف وفقا للقانون    بث مباشر| البابا تواضروس يترأس قداس عيد القيامة بالكاتدرائية المرقسية    81 مليار جنيه زيادة في مخصصات الأجور بالموازنة الجديدة 2024-2025    اتحاد الغرف التجارية يكشف مفاجأة بشأن انخفاض أسعار الأسماك (فيديو)    نائب رئيس هيئة المجتمعات يتفقد أحياء الشروق ومنطقة الرابية    «القومى للأجور» يحدد ضمانات تطبيق الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص    رئيس النواب الأمريكي يقترح سحب تأشيرات الطلاب الأجانب المشاركين بالتظاهرات    حريات الصحفيين تثمّن تكريم «اليونسكو» للإعلاميين الفلسطينيين وتدين جرائم الاحتلال    سفير فلسطين في تونس: مصر تقوم بدبلوماسية فاعلة تجاه القضية الفلسطينية    سوبر هاتريك ل هالاند، مانشستر سيتي يكتسح وولفرهامبتون بخماسية في الدوري الإنجليزي    «ريناد ورهف» ابنتا المنوفية تحققان نجاحات في الجمباز.. صداقة وبطولات (فيديو)    التصريح بدفن جثة سيدة التف حولها سير ماكينة حصاد القمح بالغربية    مصرع شاب صعقاً بالكهرباء في كفر بركات بالعياط    تعرف علي موعد عيد الأضحي ووقفة عرفات 2024.. وعدد أيام الإجازة    تامر حسني يعلن إنضمام "ميكا" لفريق فيلمه الجديد ري ستارت    الكاتبة الصحفية علا الشافعي: نجيب محفوظ فتح لي مكتبه في بداية حياتي المهنية    دعاء يغفر الذنوب والكبائر.. الجأ إلى ربك بهذه الكلمات    أحمد كريمة يعلن مفاجأة بشأن وثيقة التأمين على مخاطر الطلاق    مستشار الرئيس عن مضاعفات استرازينيكا: الوضع في مصر مستقر    4 نصائح لشراء الفسيخ والرنجة الصالحة «لونها يميل للذهبي» ..قبل عيد شم النسيم    «صحة الفيوم»: قافلة طبية مجانية لمدة يومين بمركز طامية.. صرف الأدوية مجانا    خبير تغذية: السلطة بالثوم تقي من الجلطات والالتهابات    خبير اقتصادي: الدولة تستهدف التحول إلى اللامركزية بضخ استثمارات في مختلف المحافظات    خاص| زاهي حواس يكشف تفاصيل جديدة عن مشروع تبليط هرم منكاورع    السعودية تصدر بيان هام بشأن تصاريح موسم الحج للمقيمين    بالصور.. محافظ الشرقية من مطرانية فاقوس: مصر منارة للإخاء والمحبة    وكيل صحة الشرقية يتفقد طب الأسرة بالروضة في الصالحية الجديدة    أمريكا والسفاح !    وزير الشباب يفتتح الملعب القانوني بنادي الرياضات البحرية في شرم الشيخ ..صور    رسميا .. مصر تشارك بأكبر بعثة في تاريخها بأولمبياد باريس 2024    قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة عامل دليفري المطرية |تفاصيل    السجن 10 سنوات ل 3 متهمين بالخطف والسرقة بالإكراه    5 خطوات لاستخراج شهادة الميلاد إلكترونيا    التعادل السلبي يحسم السوط الأول بين الخليج والطائي بالدوري السعودي    قرار جديد من التعليم بشأن " زي طلاب المدارس " على مستوى الجمهورية    مفاجأة- علي جمعة: عبارة "لا حياء في الدين" خاطئة.. وهذا هو الصواب    ميرال أشرف: الفوز ببطولة كأس مصر يعبر عن شخصية الأهلي    موعد ومكان عزاء الإذاعي أحمد أبو السعود    محمد يوسف ل«المصري اليوم» عن تقصير خالد بيبو: انظروا إلى كلوب    «الصحة» تعلن أماكن تواجد القوافل الطبية بالكنائس خلال احتفالات عيد القيامة بالمحافظات    بعد رحيله عن دورتموند، الوجهة المقبلة ل ماركو رويس    استعدادًا لفصل الصيف.. محافظ أسوان يوجه بالقضاء على ضعف وانقطاع المياه    ما حكم تلوين البيض في عيد شم النسيم؟.. "الإفتاء" تُجيب    رويترز: قطر قد تغلق مكتب حماس كجزء من مراجعة وساطتها بالحرب    الخارجية الروسية: تدريبات حلف الناتو تشير إلى استعداده ل "صراع محتمل" مع روسيا    أوكرانيا: ارتفاع قتلى الجيش الروسي إلى 473 ألفا و400 جندي منذ بدء العملية العسكرية    السكة الحديد تستعد لعيد الأضحى ب30 رحلة إضافية تعمل بداية من 10 يونيو    ماريان جرجس تكتب: بين العيد والحدود    القوات المسلحة تهنئ الإخوة المسيحيين بمناسبة عيد القيامة المجيد    التموين: توريد 1.5 مليون طن قمح محلي حتى الآن بنسبة 40% من المستهدف    رئيس الوزراء يتفقد عددًا من المشروعات بمدينة شرم الشيخ.. اليوم    مي سليم تروج لفيلمها الجديد «بنقدر ظروفك» مع أحمد الفيشاوي    هل بها شبهة ربا؟.. الإفتاء توضح حكم شراء سيارة بالتقسيط من البنك    برج «الحوت» تتضاعف حظوظه.. بشارات ل 5 أبراج فلكية اليوم السبت 4 مايو 2024    المطرب هيثم نبيل يكشف كواليس فيلم عيسى    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمن يسيطرعلى النقابات العمالية

منذ لحظة ميلاده والموت يطارده.. خطف أرواح إخوته ال13 وتركه وحيدًا.. ولما وصل الخامسة من عمره، وبسبب 5 مليمات، كاد يسقط فى شباك «عزرائيل»، عندما سقط تحت عجلات «التروماى» ولكنه نجا بأعجوبة.
فى طفولته زامل «سميرة موسى» أول عالمة ذرة فى مصر.. وفى شبابه قضى عدة سنوات مع الإخوان والشيوعيين ومحترفى الدعارة!
عاش الفقر أيام الملك «فؤاد»، وواجه ما هو ألعن من الفقر فى زمن الملك «فاروق».. وفى سجون «عبدالناصر» سلخوا جلده وضربوه 500 شومة.. ولكن «عبدالناصر» رحل، وعاش «السيد عبدالوهاب ندا»..
بعد أيام قليلة سيتخطى «ندا»- الذى عاصر ملكين و6 رؤساء جمهورية- عتبة عامه ال91، مسجلاً بذلك رقمًا قياسيًا كأقدم عامل فى مصر.
فى شقته البسيطة بمنطقة حدائق القبة، أحد أحياء القاهرة العتيقة التقيناه.. عيناه المسكونتان بالأمل، وروحه المملؤة بالتحدى.. وجلبابه الأزرق، وعصاه الأبنوس التى يتكأ عليها، وطوله الفارع.. كلها مفردات صغيرة ترسم جانبًا من الصورة الرجل التسعينى الذى كشف لى خفايا مثيرة عن العمال والنقابات العمالية، وعلاقة كل حكام مصر بالعمال منذ 1926 حتى الآن.
وسط شقته، ذات الجدران المائلة للاصفرار، كان جالسًا محاطًا بصحف الصباح وأدوية من كل نوع، وبالقرب منه مكتبة صغيرة تضم عشرات الكتب، وعددًا من النياشين التى حصل عليها.
وعلى الجدران شهادات تقدير وصورة كبيرة للمحامى الراحل نبيل الهلالى، وفى مقابلها الآيات الأولى من سورة ياسين، وعدة صور لسيد ندا فى مراحل مختلفة من حياته تتصدرها صورة كبيرة له يوم زفافه وهو يمسك بيد عروسة.
و«ندا» بكل المقاييس تاريخ يمشى على الأرض.. تاريخ ممتد من عام 1926 حتى الآن.. حياته مزيج من المصادفات الغريبة، والنضال الدائم..
أول عمل قام به كان عمره 5 سنوات، وكان يحصل على 5 مليمات فى اليوم.. ولما بلغ 13 عامًا كان راتبه 75 قرشًا.. وأعلى راتب حصل عليه كان 22 جنيهًا.. والمثير أنه يقول إن ال75 قرشًا تعادل حاليًا 3 آلاف جنيه!
فى 3/6/1926 كان الميلاد بحارة الخواص بالحسنية التابعة لقسم الجمالية.. والدته أنجبت 14 طفلاً.. مات 13 منهم فى طفولتهم بسبب سوء التغذية وانعدام الرعاية الصحية، وعدم الاستقرار.
توفى والده وهو صغير فانتقلت والدته من القاهرة إلى بلدتها قرية أم الغريان بالمنوفية، وحيث قضى عامًا واحدًا، وعاد إلى سنبو الكبرى بزفتى بالغربية ليقيم مع جده لأبيه..
يتذكر «سيد ندا» طفولته المبكرة فى سنبو الكبرى فيقول «كان ملاك الأراضى يأمرون موردى العمال بجمع الأطفال بالقوة من كل بيوت القرية للعمل فى جمع «اللطع» من حقول قطن أرض الوسية المملوكة لسمير ذوالفقار، أحد الأعيان وقتها.. وكان كل طفل يحصل على 5 مليمات فى اليوم، وكنت آخذ المبلغ وأعطيه لجدى المصاب بشلل نصفى».
وبعد أن انتهى موسم جمع «اللطع» أرسلنى جدى إلى كتاب القرية لأتعلم القراءة والكتابة، وفى كتاب «حماد أبوبدرة» زاملتنى سميرة موسى، ابنة قريتى، ولما انقضى الشهر الأول كان يجب سداد 5 مليمات، ولكن جدى عجز عن سداد المبلغ، وطلب من الشيخ بدرة أن ينتظر لحين وصول 25 قرشًا طلبها جدى من أعمامى الذين كانوا يعملون فى القاهرة- آنذاك- ولكن الشيخ رفض، وألقى بى من الشباك، وهو يصرخ «لما تجيب الفلوس تبقى تيجى الكتاب».
سألته: وماذا عن المدرسة؟
- فقال: لما وصلت 6 سنوات دخلت المدرسة الإلزامية بالقرية.. كانت مجانية.. ولكن أحدًا، لم يكن يتعلم لأنهم عاوزين الأطفال يشتغلوا فى الأرض، وكان على كل تلميذ أن يحضر للمدرسة، ومعه لوح خشبى ودواية حبر، ولم يستطع جدى شراءهم، فلم أذهب للمدرسة.. وإنما ذهبت إلى أحد أعمامى بالدرب الأحمر بالقاهرة.
وما أول انطباعاتك عن القاهرة عندما دخلتها طفلاً؟
- وجدت الإنجليز يبيعون المواد المخدرة للمصريين.. ففى سنوات الحرب العالمية الأولى كان الإنجليز يعطون مواد مخدرة للبغال، ليكونوا أكثر قدرة على تحمل العمل لساعات طويلة، ولما انتهت الحرب باعوا المخدرات للمصريين، فاستولوا على مبالغ كبيرة من الثروة التى كونوها خلال سنوات الحرب تم تكوينها.
وماذا فعلت بعدما انتقلت للقاهرة؟
- أقمت فى شقة عمى بالدرب الأحمر.. تتكون من 5 حجرات كل حجرة تسكنها أسرة كاملة من أقاربى.
وعشت وسط هؤلاء جميعًا.. وذهبت لكتاب القاضى يحيى مقابل 5 قروش شهريًا.. والتحقت بمدرسة فى العباسية، ولأن ثمن التذكرة 6 مليمات كنت «اتشعبط» فى التروماى للهرب من ثمن التذكرة، وفى أحد الأيام سقطت تحت عجلات المترو، فصرخ الناس وتوقف المترو وأخرجونى من تحته ورشوا على مياه، وظنوا أننى مت، وظللت فى غيبوبة 3 أيام.. ورحمة بى حاولوا إلحاقى بالأزهر لأقرأ على الميتين.. ولكن زوجة عمى قالت حرام، ونصحت عمى بأن يرسلنى لملجأ جمعية المواساة الإسلامية.. وبالفعل بتزكية لواء بالداخلية ألحقونى بالملجأ، وظللت فيه خلال الفترة من 1934 حتى 1939.. تعلمت الكتابة والقراءة، وتعلم صناعة الغزل والنسيج.. كان فى الملجأ 500 طفل وطفلة يقيمون فى عنابر.. لكل طفل سرير وصندوق يضع فيه ملابسه.. وكله مجانًا.
ولماذا تعلمت صناعة النسيج تحديدًا؟
- السبب أن طلعت حرب فى تلك الفترة كان قد أقام بنك مصر، وأدخل الماكينات فى صناعة النسيج، ولهذا تعلمت صناعة النسيج.
وكان نظام الملجأ هو تعليم 5 سنوات، وفى السنة السادسة يتم إلحاق التلميذ بالعمل فى الحرفة التى تعلمتها مقابل أجر.. وفى هذه السنة كنت أحصل على 75 قرشًا فى الشهر.
وهل كان هذا المبلغ يكفيك؟
- كان اللى بيقبض 90 قرشًا فى الشهر آنذاك يقدر يفتح بيت، ولكنى كنت أعطى الراتب كله لعمى، وكان يعطينى فى اليوم 5 مليمات، ووقتها كان رطل اللحمة الجملى (الرطل نحو 450 جرامًا) ب11 مليمًا، ومقارنة هذا المبلغ بالأسعار الحالية تعنى أن المليم وقتها يعادل حاليا 2,3 جنيه، وهو ما يعنى أن أول راتب يعادل بأسعار اليوم 1750 جنيهًا!
وماذا كنت تفعل بالمليمات الخمسة يوميًا؟
- فى الصباح كنت آخذ 3 أرغفة فينو من البيت، وكنت أشترى 3 أقراص طعمية وأملأ الأرغفة الثلاثة بكبدة وسلطة وجبنة.. وكل هذا بمليم واحد.. وأشترى بمليم يوسفى.. وبمليم لب تكفينى اليوم كله.. وأدخر مع جارتى 2 مليم يوميًا.. وهكذا عشت السنة النهائية فى الملجأ.
وماذا بعد أن انقضت هذه السنة؟
- التحقت بالعمل فى مصنع نسيج عبدالعال الحمصانى.. ساعدنى فى الالتحاق به أحد أقاربى.. وكان المصنع يعمل فى الحرير.. وكان راتبى الشهرى 104 قروش، ولكنى لم أستمر فيه طويلاً.
لماذا؟
- المصنع كان فى منطقة بيجام بالقليوبية، وكانت السيارات تنقلنا من القاهرة حتى كلية الزراعة فى شبرا الخيمة، وكنا نمشى من كلية الزراعة لمدة نصف ساعة للوصول إلى المصنع فى بيجام، وكنا نخرج من المصنع الساعة الخامسة مساء، واكتشفنا أن قطارًا يقف فى محطة بيجام فى ذات الوقت، وطلبنا من صاحب المصنع نخرج بدرى نصف ساعة تخصم من فترة الغداء فى الظهيرة، وبدأنا نجمع توقيعات بهذا المطلب، فكان الرد غير طبيعى.
وماذا كان الرد؟
- صاحب المصنع استدعى الخيالة لمواجهتنا وربطونا بالحبال وجرجرونا فى ذيول الخيل حتى بهتيم وحبسونا فى إسطبل الخيول 4 أيام.. بعدها مرضيتش اشتغل وسبتهم ومشيت.. واشتغلت فى مصنع بالخلفاوى صاحبه سورى.. واشتغلت فى الحرير، كان الشغل موجودًا.. للمدربين فقط لأنهم كانوا قليلين.. والتطور التكنولوجى جعل العامل ينتج أكثر.. ففى عام 1950 كنت أعمل على ماكينة واحدة وأنتج 25 مترًا فى 8 ساعات أحصل على قرشين عن كل متر، ولما طلبوا منى أشتغل على ماكينتين بالأجر نفسه رفضت.. وانتقلت لشركة مصر حلوان التابعة لبنك مصر، وعملت على 8 ماكينات، وكانت كل ماكينة تنتج 40 مترًا فى الوردية، كنت أصنع 320 مترًا فى الوردية، وكنت أحصل على 60 قرشًا فى الوردية.
وهل العامل الآن أفضل حالاً من عمال زمان؟
- العامل الآن تسوقه الماكينة.. والشغل ذهنى أكثر منه عضلى، وعمومًا العامل الآن لا يملك تطوير نفسه.. فالتطوير يعنى الاختراع والإضافة.. ولكنه لا يستطيع ذلك.
لماذا؟
- لأنه مطحون.. كل العاملين فى مصانع النسيج- مثلاً- بيشتغلوا 12 ساعة، وينتقلون لمسافات طويلة من مساكنهم للوصول للمصانع، لأنه مفيش مساكن قرب المصانع.. ولهذا يضطرون لقضاء 4 أو 6 ساعات فى المواصلات للذهاب للمصنع والعودة للمنزل، وهذا يهد حيلهم.
وهل مناخ العمل الآن أفضل أم زمان؟
- مناخ العمل الآن أسوأ من زمان.. رغم أن 90% من المصريين مكانوش لاقيين ياكلوا زمان.
رغم التطور التكنولوجى تقول إن مناخ العمل زمان كان أفضل؟!
- نعم.. والسبب أن هناك محاولة مستمرة من السلطة الحاكمة لاحتواء أى كيان عمالى.. من الأربعينات.. كان الكل يريد أن يكسب العمال ويسيطر عليهم.. السرايا كان لها رجالها وسط العمال، وكذلك كان حزب العمال، على ماهر، وعبدالحميد عبدالحق، والإخوان وجماعة مصر الفتاة، والشيوعيون.. كلهم عاوزين يستقطبوا العمال.. ولكن الحزب الوحيد الذى قدم عملاً إيجابيًا للعمال كان حزب الوفد.
وماذا قدم؟
- أصدر قانون النقابات عام 1942، فمنح العمال حق عقد جمعية عمومية دون تصريح من الحكومة، لإقرار اللائحة العمالية، وتنتخب مجلس الإدارة، وتودع الملف بتاعها فى مكتب العمل، وهذا القانون سبب تحسنًا كبيرًا، وحرر العمال نسبيًا من رجال السياسة.. ولكن بعد حزب الوفد جاء السعديون فألغوا كل اللى عمله الوفد.
لماذا؟
- السعديون عملوا كده.. وأغلقوا كل النقابات التى تم تكوينها فى عهد حكومة الوفد.. وسمحوا للإخوان فقط يعملوا نقابة عمالية.. عملوا لهم نقابة.. وكان عضوية النقابة من شعبة الإخوان، ولما العمال عملوا إضرابهم الكبير عام 1946، قالوا صحيفتهم «وأطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم»، يعنى أصحاب المصانع، والغريب أن أصحاب المصانع وقتها كانوا يهودًا!
قلت إن السلطة الحاكمة حاولت من الأربعينات السيطرة على النقابات العمالية.. فهل هذا الأمر ما زال مستمرًا؟
- نعم.. والأمن يسيطر على كل النقابات العمالية حاليًا.
وكيف يسيطر؟
- بألف وسيلة ووسيلة.. مثلاً لما يكون فيه خبر كويس يجعلوا عملاء الأمن هم الذين يعلنون البشرى للعمال.
وماذا عن النقابات العمالية المستقلة؟
- النقابات المستقلة مهمة وضرورية.. رغم وجود الاتحاد العام للعمال، فهذا الاتحاد تابع لاتحاد الصناعات مش مع العمال.
ولكن يقال إن النقابات المستقلة تتلقى أموالاً من جهات خارجية؟
- يقولوا اللى يقولوه.. ده كلام فارغ.
وكيف ترى قانون العمال حاليًا؟
- قانون ظالم.. ويجيز لصاحب المؤسسة فصل العمال دون أسباب.. بدعوى أن المؤسسة تحقق خسائر.. وتحت هذا الزعم تتم تصفية العمال رغم أن القانون لا يجيز فصل العمال بأكثر من 25% مهما كانت خسائر الشركة.
عاصرت ملكين و6 رؤساء جمهورية.. فمن منهم كان أقرب للعمال؟
- ولا واحد.. كلهم منحازون لأصحاب رأس المال.. حتى عبدالناصر الذى أقر بعض المزايا للعمال فى منتصف الستينات.
تقول حتى عبدالناصر كان منحازًا لأصحاب رأس المال؟
- نعم.. أنا أعرف عن عبدالناصر اللى مكنش عبدالناصر يعرفه عن نفسه.. عبدالناصر سلخ جلدى.. جلدونى فى عهده أكتر من مرة، وفى سجونه ضربونى أكثر من 500 شومة عام 1959
لماذا؟
- اتهمونى بتقليب الطبقات.. أحالونى لمحكمة عسكرية وحاكمونى فى الإسكندرية، وليس فى القاهرة.. وفى المحكمة قلت للى بيحاكمونى انتو بتحاكمونى انا واللى بينهب مصر بره.. وصدر الحكم بحبسى 9 سنوات ومصادرة أملاكى.. ووقتها كنت باشتغل ب9 جنيهات فى الشهر.
ماذا كنت تقصد بعبارة «اللى بينهبوا مصر بره»؟
- كنت أقصد إن عبدالناصر لم يكن يحمى الوطن بشكل كامل، والدليل أن السادات استطاع أن يلغى الحقبة الناصرية كلها بجرة قلم.. ورغم ذلك أقول إن البرنامج الوطنى اللى كان يروج له عبدالناصر محتاجينه الآن بشدة.
أليس هذا تضاربًا فى كلامك؟
- لا مفيش تضارب.. أنا عارضت عبدالناصر، ولكنى أقول إن برنامجه فى التصنيع وفى حماية الطبقة الفقيرة نحتاجه اليوم بشدة.
نعود إلى سنوات أقدم من عبدالناصر بكثير.. وأسألك عن حال العمال أيام الملك فؤاد؟
- فى أيام الملك فؤاد.. الأزمة الاقتصادية جوعت الناس، وصدقى باشا رئيس الوزراء قال كل 4 أشخاص هيقسموا الرغيف.. وكانت الأيام صعبة.
وماذا عن أيام الملك فاروق؟
- أيام فاروق كانت أصعب من فؤاد.. والإنجليز طلعوا الإخوان علشان يضربوا التنظيم العمالى، ومنذ 15 مايو 48 حتى 21 فبراير 50.. فرضت الحكومة الأحكام العرفية وجمعوا كل القيادات العمالية أرسلوهم جبل الطور.. وهناك كنا 15 ألف إخوانى و100 يهودى و250 شيوعيًا، والمشتغلين بالدعارة 200 واحد.. قعدنا سنتين فى السجن فى الطور.. وبعد انتخابات 1950 نجح حزب الوفد فشكل الحكومة وألغى الأحكام العرفية فعدنا للقاهرة.
على ذكر الخمسينات.. عاصرت حريق القاهرة.. فمن حرقها فى يناير 1952؟
- الإنجليز والملك والإخوان والحزب الاشتراكى.
لماذا؟
- الإنجليز طلبوا منهم ذلك علشان ينتقموا للعمليات الفدائية التى يقوم بها المصريون ضد الإنجليز هناك.
وكيف رأى العمال ثورة 23 يوليو؟
- يوم الثورة كنت فى المعتقل لأننا حملنا السلاح ضد اليهود فى عامى 1950 و1951.. وظللنا حتى 28 يوليو فى المعتقل،.. ولما تولى محمد نجيب لم نشعر بأنه يقدر يعمل حاجة لأن فكره مكنش متطور وليست له رؤية مستقبلية.. وعبدالناصر لما تولى حاول يكسب العمال فى صفه راح جاب الصاوى أحمد الصاوى ورشاه ب5 آلاف جنيه علشان يخرج العمال للشوارع تهتف يقولوا تسقط الحرية والديمقراطية.
والسادات.. كيف رأيته؟
- اللى يعرف السادات لازم يكرهه.. سعد زغلول فؤاد كان شريكًا للسادات فى قنابل سينما مترو، وقتل أمين عثمان، ولما مسك مصر كان بيكذب.
ومبارك؟
مبارك مشى على الطريق الخرسانى اللى وضعه السادات..
- ومحمد مرسى؟
محمد مرسى سقطة تاريخية..
- وعدلى منصور؟
عدلى منصور.. مرحلة انتقالية.. وعدت
وعبدالفتاح السيسى؟
- السيسى.. أؤيده بشدة فى ربط مصر من جديد مع العالم الخارجى، وأعارضه فى انحيازه للاقتصاد الحر.
وكيف ترى مستقبل العمال؟
- أنا متفائل جدًا بالمستقبل.. أنا كنت أحصل على أجر 3 مليمات الآن معاشى 3 آلاف جنيه، وناس كتير زيى علشان كده أنا متفائل لأن الأجور تتحسن يومًا بعد آخر..
وما الذى تحتاجه الطبقة العاملة لتحسين أحوالها؟
- مراكز التدريب المهنى.. لازم ترجع.
وما الانتصار الأكبر الذى حققه العمال فى مسيرتهم الطويلة؟
- الانتصار الكبير للعمال.. لم يتحقق حتى الآن.. وسيتحقق عندما يتحقق التوازن بين العمل ورأس المال.. الآن الميزان مايل كتير لصالح أصحاب رأس المال.
ما الذى يمنع تحقيق هذا التوازن؟
- السلطة.. والمستوردون.. والمستوردون هم جزء كبير من خراب التصنيع المحلى.
وما أعلى راتب حصلت عليه فى تاريخك الطويل؟
- أعلى مرتب 22 جنيهًا، وحصلت عليه فى نهاية السبعينات.. الآن عيار الرواتب فلت بسبب قوة الضغط العمالى.
وكم معاشك؟
- معاشى 3 آلاف جنيه.. وعندى وديعة فى البنك أحصل منها على 1500 جنيه شهريًا ويمكن متصدقنيش لما أقول لك إن التسعة جنيهات اللى كنت أحصل عليها فى الخمسينات كنت عايش بيهم بنفس المستوى اللى عايشه ب4500 جنيه حاليًا.
وما أعلى مكافأة حصلت عليها؟
- لم أحصل على مكافآت طوال حياتى.
وهل أنت راض عن مسيرتك الطويلة التى عشتها؟
- راضٍ جدًا.. وسعيد جدًا حاليًا لأن العمال يحققون انتصارات كل شهر، فمع كل إضراب عمالى أشعر بالسعادة.. لأنه يعنى أن الوعى يتزايد بين العمال.. ولو العمال نظموا أنفسهم فسيفرضون التوازن بين أصحاب رأس المال.. العمل ورأس المال فى سفينة إذا اختلفا غرقت، وإذا اتفقا وصلا لبر الأمان.
وأطول إجازة أخذتها فى حياتك؟
- أسبوع مصيف كنت أقضية سنويًا فى الإسكندرية.
نعانى حاليًا أزمة صناعية.. فما الحل من وجهة نظرك؟
- لا بد من مدخل واضح للتنمية.. يجب أن نحدد نبدأ منين.. نبدأ منين.. ومن الأفضل أن نتوسع فى العمل التعاونى.. والقطاع العام لازم يقف على رجليه.
وما الذى يمنع وقوف القطاع العام على رجليه؟
- القطاع العام يخسر بفعل فاعل.. وتخريبه بدأ على يد البنك الدولى فى عام 1977 حتى الآن شغالة.
لسه بتحلم بيوم؟
- طبعًا.. لسه بحلم بيوم يتحقق فيه للعمال ساعات عمل أقل وزيادة الرواتب.
تابع ملف عمال مصر وأحلام العيد
«الأرزقية».. مأساة 14 مليون أسرة
يخرج كل صباح من بيته، أملاً فى الحصول على قوت يومه وأبنائه وفى أحيان كثيرة يعود فى المساء بخفى حنين، ينظر إلى أطفاله يغالب دموعه التى تحاول السقوط من عينيه، ويمد يده فى جيبه تخرج خاوية إلا من جنيهات قليلة لا تكفى حتى لشراء العيش الحاف، يتكرر المشهد بصورة شبه يومية، تختلف التفاصيل أحياناً ولكنه مشهد مألوف فى منزل ياسر مشهور الذى يعمل باليومية فى مغسلة للسيارات، ولكن عزاءه الوحيد أن هذا المشهد يتكرر فى «14 مليون» منزل آخر يعوله عمال اليومية أو ما يطلق عليهم «الأرزقية» الذين يعتمدون على سواعدهم لكسب قوت يومهم، ليس لهم أى حقوق لدى الدولة أو صاحب العمل، يعتمدون على اليومية أو ما يجود به عليهم من يخدمونهم، وإذا مرض أحدهم أو عجز عن العمل يكون مصيره ومصير أسرته فى علم الغيب.
لغة الأرقام تشير إلى أن عمال اليومية يبلغ عددهم حوالى 14.7 مليون عامل وجميعهم فى الهم سواء يحصلون على جنيهات قليلة كل يوم، ومن منهم يتوقف عن العمل فى أحد الأيام لا يجد قوت يومه، كل منهم وراءه أسرة غالباً ما تكون كبيرة الحجم، فالجهل والفقر متلازمة واحدة يعانى منها عدد كبير من الأسر فى مصر، أحوالهم المعيشية لا تحتمل ومع ذلك لا يملكون من أمرهم شيئا سوى التضرع الى الله ليخفف عنهم ما يعانون.
«الوفد» التقت مجموعة منهم وكشفت تفاصيل رحلتهم اليومية بحثاً عن لقمة العيش، ورصدت تفاصيل المعاناة اليومية لهم، ياسر مشهور «عامل بمغسلة سيارات» يصف حاله وأمثاله بأنهم يعيشون تحت الأرض، أما معاناته فتكمن فى أسرة مكونة من «9» أبناء وأمهم ووالدته المريضة بالقلب، ألحق ثلاثة منهم بالتعليم حتى وصل أحدهم الى الصف الثالث الإعدادى والخامس والثالث الابتدائى، ولكنه صدم فى منتصف الطريق عندما فوجئ بأن ال50 جنيهاً التى يحصل عليها يومية من المغسلة تذهب كمصاريف لدروس الأبناء الثلاثة ويصبح الطعام مشكلة كل يوم، ويقول ياسر: اكتشفت أن التعليم رفاهية لا يستطيع أمثالى وأولادى إكماله، فقررت ألا ألحق بقية أبنائى الصغار بالمدارس حتى لا يتمسكوا به مثل أخوالهم الكبار، فأنا أعمل فى المغسلة من الصباح حتى المساء لأحصل على «50 جنيهاً» يومياً، وأدفع «400» جنيه إيجارًا للشقة كل شهر، ووالدتى مريضة بالقلب وفوجئت بالطبيب يطلب «13» ألف جنيه لإجراء عملية جراحية لها، ولا أمتلك هذا المبلغ، توجهت بها إلى معهد القلب فأعطونى دورًا بعد «3 أشهر»، ولا أعرف ماذا أفعل، فما باليد حيلة، وأضاف نحن لا نشعر بعيد العمال ولا بغيره، كل همنا توفير لقمة العيش فقط لأبنائنا ولا نقدر عليها.
ياسر ليس وحده فى الهم، ولكن زميله أشرف حسن البالغ من العمر «40 سنة» يعانى من نفس المأساة «50 جنيهاً» يومياً هى كل ما يحصله بواقع «1300» جنيهاً شهرياً بعد خصم أيام الراحات، وبما أنه لديه «4» أطفال منهم «2» فى الصف السادس والرابع الابتدائى فقد زادت معاناته بسبب الدروس الخصوصية التى أكد أنه يدفع لها «600» جنيه شهرياً، فى حين يدفع «500» جنيه إيجار الشقة كل شهر، هذان البندان يأخذان «1100» جنيه شهرياً من إجمالى الدخل، فكيف تعيش الأسرة؟ أجاب ربنا وحده يعلم كيف نعيش، نخصص «5» جنيهات للإفطار "فول وطعمية وعيش"، و«20» جنيهاً للغذاء، أيًا كان أما اللحمة والفراخ «فنأكلها كل ما تفرج»، وأضاف أحوال العمال طين ولكننا لا نملك سوى الرضا بالمقسوم، ولكن المشكلة التى لا أجد لها حلاً، هى عدم وجود تأمين ولا معاش ولا أى حقوق، لذلك أنا خائف على أولادى إذا حدث لى مكروه.
نفس الأزمة يعانى منها محمد سيد أحمد عامل باليومية يبلغ من العمر «58» عاماً بدأ حديثه قائلاً: حسبنا الله ونعم الوكيل فى الحكومة هى التى أوصلتنا الى ما نحن فيه، رجل فى سنى ليس له معاش ولا تأمين صحى ولا أى شيء ، لذلك أعمل رغم ظروفى الصحية ولكن ماذا أفعل بعد أن تزيد علىَّ الأمراض ولا أستطيع العمل، أعيش عالة على أبنائى الستة وهم متزوجون، وكل منهم لديه بيت وأطفال، أم أشحت فى الشوارع؟
محمد خميس عامل آخر لديه «5» أبناء جميعهم فى مراحل التعليم المختلفة، ويوميته «50» جنيهاً يدفع منها «900» جنيه دروسًا كل شهر لتعليم أبنائه فهو لا يريدهم أن يصبحوا مثله، يقول «نفسى أشوف أولادى أحسن منى، مش عاوزهم يشوفوا البهدلة دى، لكن حال البلد لا يبشر بالخير، لكنى أعمل ما علىَّ من أجل مستقبلهم، أفضل التعليم على الأكل والشرب نأكل أى شيء مش مهم، لكن التعليم أهم، وأضاف: «ربنا يخلى والدتى تساعدنى بمعاشها على تربية الأبناء».
هذا هو حال هؤلاء العمال، لا تأمينات ولا معاشات ولا علاج ولا أى حقوق من أى نوع، يكسبون قوتهم يومًا بيوم، ومن يقع منهم لا يجد من يعينه، المشكلة ليست فيهم فقط ولكن فيمن يعولون، فكل منهم لديه أسرة تصبح فى مهب الريح إذا فقدت عائلها الوحيد.
عمال الصرف الصحى: صرخة من تحت الأرض!!
الفشل الكلوى يفترسهم.. وغاز الميثان عدوهم الأول
وكأنه كتب عليهم أن يعيشوا تحت الأرض، عملهم تحتها وحياتهم أيضًا كذلك، يعملون فى مهنة يرفض الكثيرون العمل بها، تفتك بهم الأمراض المستعصية، وتقتلهم نظرة الناس لهم بسبب هذه المهنة.
هؤلاء هم عمال الصرف الصحى الذين يعملون فى ظروف قاسية، يتعاملون مع مخلفات البشر والمصانع ومع ذلك راضون بما قسمه الله لهم، ورغم تحسين أجور العاملين فى شركات الصرف الصحى بالقاهرة عن ذى قبل، إلا أن أمثالهم التابعين للمحليات فى بعض المحافظات ما زالوا يعانون، يخرجون كل يوم فى مظاهرات واحتجاجات مطالبين بتحسين أحوالهم إلا أن الحكومة ترفض المساواة بينهم، إلا أن الشىء الوحيد الذى يتساوى فيه كل عمال الصرف الصحى فى مصر هو تلك النظرة الدونية التى حرمت أبناءهم من دخول كليات الشرطة والحربية، وشغل المناصب القيادية وكأن الحياة تحت الأرض مصير محتوم عليهم، وعلى أبنائهم، وإذا كان الروائى الفرنسى فيكتور هوجو قال فى روايته الشهيرة «البؤساء» إن «تاريخ الإنسانية ينعكس فى تاريخ مجاريها»، فإن ما يعانيه عمال الصرف الصحى فى بر مصر عار على الإنسانية.
101 عام بالتمام والكمال مرت على إنشاء شبكة الصرف الصحة فى مصر، والتى أنشأها للمهندس الإنجليزى تشارلز كاركيت جيمس، وتم افتتاحها فى 22 مارس 1915 للحد من تأثير وباء الكوليرا الذى كان يفتك بالمصريين وكان الإنجليز يخشون على أنفسهم الإصابة به، وفى العام الماضى احتفلت هيئة الصرف الصحى بمئوية إنشاء الشبكة الرئيسية، ومنذ أن عرفت مصر الصرف الصحى، وعمال هذه المهنة يعانون بسبب تدنى الأجور، وسوء الأحوال المعيشية، ورغم تحسين أجورهم بعد أن تحول مرفق الصرف الصحى إلى شركة تابعة للشركة القابضة للمياه والصرف الصحى بموجب القرار رقم 135 لسنة 2004، إلا أن هذا لم ينعكس على أحوالهم بصفة عامة، فما زالت الأمراض تفتك بهم، وما زال العمال يعملون بطرق بدائية فى كثير من المناطق العشوائية يتعاملون مع مخلفات الصرف الصحى بأيديهم دون وسائل وقاية، ورغم تصريحات المسئولين بالشركة أن الميكنة دخلت فى عملهم، وأنه تم توفير بدل غطس لمن يضطرون إلى الغطس فى البيارات، إلا أن من يسير فى شوارع العاصمة والمحافظات سيلتقى والعمال الذين ما زالوا يستخدمون «الأسياخ» لتسليك البلاعات دون أى وسائل وقاية، بل إن الغازات المنبعثة من البيارات ما زالت تقتل العديد من العمال، وهو ما حدث بإحدى قرى الصف بمحافظة الجيزة منذ عدة أشهر حينما لقى 4 عمال حتفهم أثناء شفط المياه من إحدى بالوعات الصرف، قبلها بأشهر قليلة تكرر نفس الأمر مع 5 عمال أثناء أعمال إصلاح أحد الأعطال بشارع فيصل، حيث تسببت الغازات المنبعثة فى سقوط أحدهم فى بيارة الصرف وحينما حاول زملاؤه إنقاذه سقطوا واحداً تلو الآخر، وهو ما تكرر من قبل مع 3 عمال بمدينة أبوقرقاص فى محافظة المنيا، وأوضح حسن فرجانى، أمين عام اللجنة النقابية للعاملين بالصرف الصحى أنه رغم وسائل الوقاية من قفازات، وبدل خاصة يرتديها العمال أثناء تعاملهم مع البيارات إلا أن الأمر لا يسلم من تعرض العمال للغازات الميثان وكبريتيد الهيدروجين، والتى تؤدى إلى الإصابة بالاختناق، وإصابتهم بأمراض الرئة والجهاز التنفسى، ولذلك يحصل العامل على بدل مخاطر يقدر ب120 % بالنسبة للعمال المخالطين لمياه الصرف الصحى، و110% للعمال الذين يديرون الماكينات، و100% للإداريين، ومع زيادة الرواتب التى أصبحت تصل إلى 2300 جنيه لحديثى التعيين تحسنت أحوال العمال، ولكن تعاملهم مع مياه الصرف الصحى على مدار أعوام طويلة أدى إلى إصابة العديد منهم بأمراض مزمنة، منها فيروس سى، وهؤلاء يتم علاجهم فى التأمين الصحى، بينما تصرف لهم الشركة 100 جنيه شهرياً كإعانة علاج، ولكن ماذا تفعل فى ظل ارتفاع أسعار العلاج والخدمة السيئة للتأمين الصحى؟
ولذلك يطالب رضا الدغيدى، رئيس النقابة، بمساواة عمال الصرف الصحى بعمال شركتى المياه والكهرباء، والذين لهم مستشفى خاص لعلاجهم، خاصة أن معظم الأمراض التى يعانى منها العاملون بالصرف الصحى، هى أمراض تنتج عن التعامل مع مخلفات الصرف الصحى، مثل الفشل الكلوى وفيروس سى، ورغم أن الشركة تعاقدت مع معهد المصل واللقاح للكشف الدورى على العمال وعلاجهم من أمراض الاتهاب الكبدى وحمى التيفود، إلا أن هذا لا يكفى لمواجهة مخاطر التعامل مع مياه الصرف الصحى، خاصة أن المخاطر تنتشر فى محطات المعالجة وجمع ونشر الحمأة، ومناطق الخدمات الفنية التى تتعامل مع الكباشات وسيارات الكسح والتسليك الميكانيكى والغطاسين، بالإضافة إلى عمال التسليك اليدوى الذين يتوجهون للمناطق العشوائية التى يصعب دخول السيارات إليها، وأوضح أن التعامل مع مخلفات الصرف الصحى الآن أصبح أخطر من ذى قبل، حيث إن الصرف قديماً كان مقصوراً على مخلفات المنازل، أما الآن، فالعمال يتعاملون مع مخلفات مصانع الكيماويات والمجازر ومحطات البنزين بكل ما تحتويه مخلفاتها على مواد خطرة، حتى إننى شاهدت أحد العمال فى المستشفى يعانى من تآكل جدران البطن بسبب الفيروسات التى كانت تفتك به.
عمال المحافظات
وإذا كان هذا هو وضع العمال بالشركة الأم التى تمنح موظفيها أجوراً وإعانات مجزية، فما بالنا بالمحافظات البعيدة عن عين الحكومة وقلبها؟
الوضع هناك أسوأ بكثير وهو ما دفع العمال إلى التظاهر مراراً خلال الفترة الماضية، حيث استغاث عمال الصرف الصحى بالإسماعيلية بالرئيس السيسى عبر صفحتهم على موقع التواصل الاجتماعى بسبب عدم صرف رواتبهم لمدة 4 أشهر، وأكدوا فى بيانهم أن العمال أصابتهم الأمراض بسبب نزولهم لمياه المجارى ولم يحصلوا على مقابل عملهم ولا يجدون ما يطعمون به أبناءهم، كذلك نظم عشرات العاملين بشركة الصرف بأسيوط اعتصاماً داخل مقر الشركة بمنطقة نزلة عبداللاه احتجاجاً على تردى أوضاعهم وانتشار الفساد بالشركة، وطالبوا بإقالة أعضاء ورئيس مجلس الإدارة واللجنة النقابية متهمين إياهم باستغلال مناصبهم لصرف مكافآت دون وجه حق، كما طالبوا بلائحة أجور موحدة وتثبيت العمالة المؤقتة الذين يعملون بأجر يومى 5 جنيهات منذ أكثر من 10 سنوات، وتزويد موظفى المحطات بوسائل الحماية والوقاية اللازمة.
حرمان
وإذا كانت معاناة الفقر والمرض يمكن التغلب عليها، فهناك معاناة أخرى يشعر بها عمال الصرف، ألا وهى نظرة المجتمع لهم ولأبنائهم، حيث يرفض البعض السلام على عامل الصرف الصحى، خشية انتقال الأمراض إليه، وأبناؤهم محرومون من دخول كليات الشرطة والحربية وتقلد الوظائف المهمة، وهو ما حدث مع ابن أحد عمال الصرف الصحى بمحافظة أسيوط رغم حصوله على 98% فى الثانوية العامة، لذلك يطالب وليد عابدين، المستشار الإعلامى لرئيس الشركة بكادر خاص لعمال الصرف الصحى، لأنهم يملكون قدرات خاصة للتعامل مع مخلفات الصرف لا يملكها الكثيرون، لذلك يجب تكريمهم بدلاً من حرمانهم مع أبنائهم من كل شىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.