لا يهم المكان .. ولا الزمان .. المهم المصرى .. الإنسان وما يدور بذهنه أيًا كان .. أمل .. ألم .... أفراح .. أحزان، على كل طريق التقيته .. من كل الفئات والأعمار حاورته وبالكلمة والصورة إليكم نقلته .. رغم شمس النهار والضجيج والزحام فى كل بقعة بالقاهرة ، فإن هذا المكان موحش، صامت .. كئيب، ولِمَ لا؟.. فهو صمت القبور ، بين جنباته انبثق ككائن متحرك فريد، يرتدى نظارة طبية يتدلى منها رباط دقيق من القطن ليبقيها معلقة فى رقبته ساعات الاستغناء عنها، مؤكدًا أنه من سكان أحد هذه القبور، وقد صدق حدسى مع محمد ثابت إبراهيم، 70 سنة، حين قال: « أنا اتولدت أبًا عن جد فى الترب، وعمرى ما عشت فى شقة، ولا أعرف يعنى إيه شقق من جوه، أهو أنا لقيت نفسى هنا وعشت وهاموت هنا، بس نفسى فى حاجة، لما أموت يدفنونى فى تربة ملكى، آه والله إذا كانت الحكومة نسيتنى كمواطن وماخدتش شقة فى أى إسكان زى بقية الخلق، يبقى من حقى على الأقل يكون لى تربة ملكى اتدفن فيها ، ولا دى كمان مش من حقى، مش عايز اتدفن فى ترب صدقة، الحرامية والبلطجية بيهجموا عليها ويسرقوا الكفن وياخدوا الميت يبيعوا جتته حتت. أنا عندى خمس ولاد كلهم متجوزين الحمد لله وحفيدين، بس البت الأخيرة ضربتنى فى قلبى، جالها عريس كان هربان من الجيش فمارضيتش بيه اللى يهرب من واجب بلده يهرب من أى واجب .. آه، أنا ولادى كلهم خدموا بالجيش، ولما رفضته، راح خاطف البت هو وأخوه أمين الشرطة المفصول، بلغت قسم البساتين، أمناء الشرطة هناك جاملوا زميلهم أخو العريس، ولفقولى أنا وابنى اللى راح معايا القسم تهمة سلاح من غير ترخيص، وجه ضابط اتدخل بعد ما حطونا 10 ساعات فى حاجة اسمها التلاجة كده عشان نموت من البرد، الضابط طلعنى وقالى روح انت ما تستحملش السجن ابنك يستحمل ، قلتله يا بيه إحنا مظلومين الحكاية اننا بلغنا عن خطف البنت، راح قالى توافق على كتب كتابها فى القسم هنا وأنا أطلعلك ابنك، أنا رفضت كبرت فى دماغى، يعنى ايه يلووا دراعى ويعملوا كتب كتابها فى قسم، ولما رفضت خلوا ابنى فى الحجز بعد ما بهدلوه ضرب وطلعونى وهو دلوقتى عليه قضية، وعمال أجرى والمحامى عايز 5 آلاف جنيه أجيبهم منين يعنى، البت الله يسامحها اتجوزت الواد، بس مش قادر أسامحها هى زودتها وأخوه الأمين، ونفسى حقى يجيلى من وزير الداخلية، أنا عارف شكل الأمينين اللى لفقولنا التهمة واجيبهم من وسط ألف . عايش على فلوس الرحمة اللى الناس بتطلعها على الميتين، بس اللى كاسرنى مراتى المسكينة، جالها بعيد عنك المرض الوحش من كام سنة، وكل يوم والتانى أشيلها للمعهد وعشان ما تقدرش تمشى لغاية أى مواصلة، بنركب تاكسى بخمسين جنيه فى المرة الواحدة، طيب أجيب منين وأنا زى مانتى شايفة على باب الله . أنا ياما شفت، وياما شفت من البلطجية، كانوا يهجموا على الترب عشان يسرقوا الميتين والكفن، والعياذ بالله ناس ما تعرفش حرمة الموت ولا تعرف دين. أنا نفسى حد يساعدنى عشان مراتى المسكينة العيانة، وعنوانى ترب الامام الليثى قرافة بدوى المنوات.. ويا بخت اللى يعمل فينا خير.