أعادت واقعة طرد البرلماني سمير غطاس، مدير منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، من مجلس النواب، معركة الإعلام مع الدولة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية إلى الأضواء مجدداً. وبعض النظر عما حدث تحت القبة، لا يختلف اثنان على أن منظومة الإعلام تعانى الآن فوضى لا مثيل لها، خاصة فى الإعلام الفضائى والإلكترونى، وأصبح من الصعب الآن الحكم أو تحديد من الجانى ومن المجنى عليه فى أى قضية تشغل بال ملايين المصريين الحائرين بين الحرية المسئولة والفوضى الإعلامية التى تقود البلاد إلى منحنى كارثى، ونتائج لا يحمد عقباها داخلياً وخارجياً، بعد أن تحولت بعض برامج التوك شو بالفضائيات إلى وصلات ردح ودخل الساحة الإعلامية بعض المرتزقة وأصحاب المصالح الذين أفسدوا المنظومة لخدمة بعض رجال الأعمال. لا أحد يرضى بتكميم أفواه الإعلاميين بمختلف فئاتهم ووسائلهم، وفى الوقت نفسه لا أحد يقبل بأن تتحول بعض القنوات الفضائية وإعلام التوك شو إلى سبوبة لكسب الملايين على حساب ترويج شائعات وأكاذيب، لا تضر بأمن مصر فقط بل بصورتها الخارجية، وصار الكل يعمل الآن دون أى التزام بأى ميثاق للشرف. وهو ما دفع الكثيرين من الخبراء وأبناء الساحة أنفسهم مطالبين بعودة «مؤقتة» لوزارة الإعلام، وسرعة تأسيس مجلس أعلى للمنظومة الإعلامية، وإنشاء هيئة وطنية للصحافة تقى المصريين شر هذه الفوضى وتعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. الخطير فى القضية التى تطرحها «الوفد» أن الإطار التشريعى الذى يحكم مهنة الإعلام غائب، ما تبين لنا من محاولات سرية من بعض المنتفعين لتعطيل التشريعات القانونية اللازمة لإصلاح منظومة الإعلام، وهو ما اكده الكاتب الصحفى خالد البلشى، رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، قائلاً: الموافقة على هذه التشريعات ستخلق مساحة من ضبط العمل الصحفى خاصة والإعلامى عامة، مشيراً إلى أن هناك غيابا فى قوانين حرية تداول المعلومات، يسبب جزءا من الفوضى الإعلامية خاصة فى مجال الصحافة، فالمصادر الرسمية لا تقدم المعلومة، ويحاول الصحفى أن يستقيها من بعض التسريبات أو من مصدر مجهول، وقد يعود المصدر نفسه إلى تكذيب المعلومة والطعن فيها، وهو ما يضع مصداقية هذه المعلومات محل شك أو رفض. قصور رقابى ويلفت «البلشى» إلى أن السبب الرئيسى لمشاكل الإعلام فى مصر يكمن فى عدم وجود قوانين حديثة لتنظيم عمل الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائية، مشيراً إلى أن دور نقابة الصحفيين يقتصر فقط على الصحف الورقية، ولا يمتد إلى الصحف الإلكترونية، بالتالى النقابة غير قادرة على تنظيم العمل بهذه الجهات الإعلامية الأخرى، والنقابة دورها الأول محصور فى مجالس تنظيم الصحافة، ودورها الثانى فى لجنة التأديب، والأخير لا يمكن إحالة أى صحفى إليها ارتكب أى مخالفات أو تجاوزات لآداب وأخلاقيات المهنة دون وجود شكوى ضده تقدم بها آخر، أى أن النقابة لا يمكنها التحرك ضد أى تجاوز أو مخالفة مهنية دون أن يرفع أحد المتضررين شكوى بشأن هذه التجاوزات أو المخالفات المهنية، وحال تقديم هذه الشكوى يمكن تصعيد الأمر إلى القضاء، وهكذا فإن دور النقابة محدود ومحصور فى هذا الإطار، يضاف إلى ذلك أن هناك جهات وقطاعات إعلامية ليس لها أى لوائح كما أن هناك جهات رقابية لا توجد لها آليات العقاب والمحاسبة على أى تجاوزات. ويتابع «البلشى»: من هنا كان قرار الحكومة الأخير بإنشاء نقابة للإعلاميين بصفة عامة، ونأمل أن تقوم النقابة برقابة حقيقية لضبط المنظومة والأداء الإعلامى بصورة نزيهة وشريفة ومحايدة، وأطالب أيضاً بإنشاء مجلس أعلى للإعلام لمراقبة المنظومة الإعلامية ككل، وهيئة وطنية للصحافة لمراقبة الصحف وضمان عدم الخروج عن الأخلاقيات والالتزام بالموضوعية والأمانة فى نقل المعلومة للقارئ. وزارة الإعلام ولا يرى المستشار ممدوح حسين، رئيس محكمة الاستئناف العالى ببورسعيد، أى وجود لجهة رقابية حقيقية على الإعلام، مشيراً إلى أن المجلس الأعلى للصحافة منقسم وتسوده اختلافات الرأى والتوجهات، ويقوم بدور الاستشارى التنظيمى، وليس له سلطة، كما أن اختلاف التوجهات داخله يؤدى إلى عدم ضبط الإيقاع، ويتابع: بصفة عامة لا توجد مظلة رقابية للإعلام، وعلينا أن نلقى نظرة على برامج التوك شو التى تحول معظمها إلى وصلات «للردح» أو عمليات قذف وسب، ويتم من خلالها إهانة الضيف أو المشاهد أو المصريين ككل ولا يمكن محاسبة مقدم البرنامج أو حتى وقف البرنامج نفسه إلا إذا تحرك أحد بالشكوى وإقامة دعوى أمام القضاء. ويواصل المستشار ممدوح: أرى أننا بحاجة إلى وزارة إعلام رغم أن كثيرين يرفضون فكرة عودة هذه الوزارة، ولكن فى تصورى عودتها فى الوقت الحالى ولمدة محدودة سنتين مثلاً، سيعمل على ضبط إيقاع المنظومة الإعلامية، وينظم الأمور ليعود الاحترام والقيم والأخلاق إلى الإعلام، على أن يرأس هذه الوزارة شخص ذو خبرة إعلامية يتسم بالحكمة والصرامة والعمل الجاد، لكنه لا يكون فى نفس الوقت شخصا سلطويا، وأن تعمل الوزارة بالتوازى مع المجلس الأعلى للصحافة لإعادة التوازن إلى الإعلام ووضع قانون جديد ينص فى بنوده على إجراءات عقابية رادعة ضد الإعلاميين والبرامج التى تخالف الآداب والأخلاقيات وتخرج عن المألوف وتسيء إلى المواطنين والشعب، لأن القوانين الحالية تنص على العقاب فى حالات محدودة وتتمثل فى ازدراء الأديان والقذف والسب والحض على الفتن ويضيف: ومن المهم أن يتضمن القانون الجديد بنوداً للإغلاق المباشر لأى برنامج يسيء للضيوف أو المشاهدين، وأن يكون الوقف بقرار إدارى ويتم عرضه أو رفعه للقضاء الإدارى، ومن الضرورى أن ينص القانون على مصادرة الصحف المسيئة أما بقاء الإعلام هكذا دون وجود جهة رقابية حقيقية أو آليات للجهة الرقابية على غرار المجلس الأعلى للصحافة، فهذا يسير بمصر إلى كارثة إعلامية وإلى مزيد من الفوضى والتخبط، خاصة مع الفوضى التى تعم بسبب رؤوس الأموال المتحكمة فى وسائل الإعلام، وسير هذه الوسائل وراء مصالح مموليها دون ضابط أو رابط أخلاقى أو التزام مهنى. ترهل فى الأداء ضعف نقابة الصحفيين والكيانات الرقابية على الإعلام والموجودة على الساحة الآن أدى إلى ترهل الأداء الإعلامى، هذا ما يؤكده الدكتور يسرى العزباوي، خبير مركز الدراسات الاستراتيجية بالأهرام، والذى يؤكد أن المشكلة تتمثل فى المقام الأول فى إعمال الجهات الرقابية للقانون وتفعيل دورها، لافتاً إلى أن مصر تحدثت دوماً وكثيراً عن ضرورة وجود ميثاق شرف أخلاقى إعلامى، ولكن دون جدوى، كما أن غياب الضابط الرقابى فى عمليات انتقال الإعلاميين إلى صفوف النشطاء السياسيين أدى إلى تشويه وإفساد المنظومة الإعلامية، ويضيف «العزباوي»: يجب إعادة النظر فى دور نقابة الصحفيين، وإنشاء النقابة الجديدة، الواعدة للإعلاميين على أسس قوية ليكون لها الدور الرقابى الفعلى على الأداء الإعلامى، وكذلك تقنين مواثيق الشرف الإعلامى، وأن يكون لكل هيئة ومؤسسة إعلامية أو صحيفة لائحة ووثيقة تنظم العمل وتطبق على الجميع، كما يلفت الدكتور «العزباوي» النظر إلى ضرورة تدريب الإعلاميين على الإطار القانونى، ليتعرفوا على هذا الإطار حتى يلتزموا به عملياً وعن وعى، وأن تقوم نقابة الصحفيين بدورها بفاعلية حقيقية، ويكون لها دور رقابى واضح، وأن تتحرك حال حدوث تجاوز و خطأ من صحفى لإحالة الصحفى إلى لجنة التأديب دون انتظار أحد ليحرك الشكوى ضد هذا الشخص المتجاوز، أى يتم تطوير دور نقابة الصحفيين، وتعمل على إعادة تدريب وتأهيل الصحفيين وتعريفهم بميثاق الشرف، وتفعيل دور لجنة التأديب بصورة أوسع بالنقابة، كما يجب الانتهاء من الاختلافات داخل المجلس الأعلى للصحافة، وأن يكون له قانون متطور للوفاء باحتياجات الوقت الحالى الحساس الذى تمر به مصر على كافة المستويات. قوانين بالية وهكذا اتفقت الآراء على أن أجهزة الرقابة الحالية القليلة المتاحة للرقابة على الإعلام لا تقوم بدورها كما يجب، وأدوارها محصورة ومحدودة ولا يتم تطوير هذه الأدوار أو تفعيلها، كما أن القوانين المنظمة للصحافة والنشر اهترأت ومضى عليها أكثر من خمسين عاماً ولم تعد صالحة لتتلاءم مع المتغيرات والتطورات التى طرأت فى مجال الإعلام من تجاوز الصحف لملكية الدولة إلى صحف مستقلة وخاصة وصحف إلكترونية، لقد أصبحت الحاجة ملحة الآن إلى علاج شامل لحالة الإعلام، لرقابة صارمة على أدبيات وأخلاقيات المهنة، ولا يعنى هذا أبداً مصادرة حرية الرأى والفكر، بل يعنى تهذيب وتشذيب هذا الرأى والفكر بصورة موضوعية وحيادية لخدمة الأهداف الوطنية والالتزام بأهداف ووظائف مهنة الإعلام المحترمة. وإذا كانت الحكومة قد وافقت أخيراً بعد سنوات طويلة على إنشاء نقابة للإعلاميين، فهل سيعنى هذا بالفعل بداية لإنهاء الفوضى الإعلامية أو وقف المهازل ووصلات الردح فى برامج التليفزيون، ووقف التشويه وترويج الشائعات والأكاذيب فى الصحف ووقف الهبوط بالذوق العام وتضليل المواطنين فى الكثير من القضايا المختلفة؟ ومتى سيكون لنقابة الصحفيين دور مؤثر وفعال، لتكون هذه النقابة علامة بارزة وجسرا يتم من خلالها إنقاذ المجتمع المصرى من وحل الفساد الإعلامى. برواز دعاوى قضائية ضد الإعلاميين أقيمت منذ ثورة يناير وحتى الآن عدة دعاوى قضائية ضد إعلاميين بتهم مختلفة تجاوزوا خلالها آداب وأخلاقيات المهنة، من قذف وسب وإهانة وسخرية وازدراء للأديان، وتوجيه اتهامات كاذبة لمشاهير، وهناك من خرج عن المألوف وعن الأداء والنسق الإعلامى، ومن هؤلاء أحمد موسى بتهمة سب وقذف الدكتور أسامة الغزالى حرب ومنهم أيضاً وائل الإبراشى الذى اتهم فيما يقرب من 66 قضية خلال عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكان آخر القضايا التى واجهها الإبراشى قضية التحريض على عدم تنفيذ قانون الضرائب العقارية من خلال حملة صحفية، ثم عبدالرحيم على بتهمة سب وقذف رجال أعمال معروف، فلميس الحديدى بتهمة السب والقذف وأقيمت الدعوى ضدها من إسلام لطفى شلبى، الممثل القانونى لشبكة تليفزيون العرب، وهناك أيضاً عادل حمودة بتهمة سب وقذف طارق عامر، رئيس البنك الأهلى المصرى، قبل أن يصبح رئيساً للبنك المركزى التى اتهمه فيها بسبه وقذفه بصورة شخصية، بالإضافة إلى عمرو أديب حيث أقام زوجان دعوى سب وقذف ضده لنشره صور لهما فى برنامجه وكذا مصطفى بكرى وإسلام البحيرى الذى وجهت له تهمة ازدراء الأديان من خلال برنامجه.