«نجيب محفوظ» شجعنى.. و «محمد فاضل» ظلمنى .. و«محمد عبد الوهاب» علمني أرفض احتراف أبنائى التمثيل.. والمرأة هى السكن الحقيقي قليل من العاملين فى الوسط الفنى ينظرون إلى الفن كرافد من روافد الإبداع، وحالة شديدة الخصوصية.. أغلبهم يعتبرونه وسيلة «أكل عيش».. ويمثل الفنان الكبير عبدالعزيز مخيون الحالة الخاصة فى عالم الفن، يؤمن الرجل بأن مهمة الممثل لا تقل عن دور الجندى فى الحرب، كل منهما يؤدى واجبه فى أرضه ومجاله. لم يقدم «مخيون» طوال مشواره الفنى أى تنازلات تخرجه من حسابات الجمهور، ولديه رؤية ومنهج فى كل اختياراته الفنية.. وإذا سألته عن السبب الرئيسى وراء قلة أعماله يقول «لا أحب الاستسهال، وأبحث عن أعمال تعيش فى وجدان الجمهور، فعندما يرحل الإنسان يتذكره الجمهور بأعماله المحترمة». حول البدايات وأهم القرارات فى حياته، التقينا الفنان الكبير عبدالعزيز مخيون، ودار معه هذا الحوار. كثير من نجوم الفن بحثوا عن لقب يلازمهم طوال حياتهم، ويضمن لهم البقاء فى ذاكرة الجمهور.. ما هو لقب «مخيون»؟ - من الصعب أن أمنح نفسى لقباً، فقد اجتهدت، وأخلصت فى عملى، والجمهور هو صاحب الحكم، ولكنى عاشق لوصف الناس لى، فكثير منهم يقولون عنى «حبيب الناس» وهذا يكفى. هل كانت البدايات صعبة وتحمل عناءً أم سهلة بلا انكسارات؟ - بالعكس البداية كانت صعبة جداً، فقد التحقت بمعهد السينما ومعهد الفنون المسرحية فى وقت واحد، فى معهد السينما اختبرتنى لجنة مكونة من أساتذة كبار فى الإخراج، مثل يوسف شاهين، وعبدالفتاح الفيشاوى، وأحمد بدرخان، وفى معهد الفنون المسرحية كانت لجنة الامتحان مكونة من سعد أردش، ونبيل الألفى، وكمال ياسين، وحمدى غيث، ونجحت فى الاختبارات، ولكنى فضلت الدراسة فى معهد الفنون المسرحية، وكنت طالباً متفوقاً، ونجحت فى العمل فى فرقة التليفزيون المسرحية، كانت لدينا سبعة فرق فى ذلك الوقت، ولها نشاط كبير، وبمرور الأيام بدأت الأدوار تأتى وتعرض علىَّ. إلى هنا الطريق سهل فأين الصعوبة؟ - تعرضت لمواقف مؤلمة، ولكنى كنت أتلقى الصدمات بقلب جامد، ولا ألتفت للوراء. أذكر أن المخرج محمد فاضل رشحنى لدور مهم فى مسلسل «القاهرة والناس»، وبعدما تسلمت الحلقات استبدلنى ومنح دورى للراحل نور الشريف، وقد تكرر هذا الأمر عندما رشحنى المخرج نور الدمرداش لبطولة فيلم «موسيقى وحب وجاسوسية»، وكانت البطلة أمامى الفنانة شمس البارودى، وبعد تصوير استغرق ثلاثة أيام أخبرنى مساعد المخرج، أنهم استغنوا عنى، فحزنت ولكنى قررت الصمود وعدم الاستسلام، وكل المواقف التى تعرضت لها كانت تزيدنى قوة وصلابة. ومتى جاءت الفرصة وابتسم الحظ؟ - جاءتنى الفرصة عندما تم ترشيحى لتجسيد شخصية «منصور باهى» فى مسلسل «ميرامار» للكاتب العالمى نجيب محفوظ، هذه الرواية تم تقديمها فى التليفزيون فى مسلسل طويل، وحقق نجاحاً كبيراً، سمح لى هذا العمل أيضاً بالاقتراب من نجيب محفوظ الذى شجعنى كثيراً، وأشاد بقدراتى الفنية، بعد ذلك أصبحت صديقاً مقرباً لنجيب محفوظ، وأنتظر دائماً آراءه، وأستمع لنصائحه، بعد ذلك دخلت الجيش، وابتعدت عن الساحة فترة استمرت عامين، وعندما أنهيت الخدمة العسكرية التحقت بالمسرح، وعملت مع المسرحى الكبير نبيل الألفى، ومسرح الطليعة، وبدأت الأعمال تتوالى فى التليفزيون مع أسامة أنور عكاشة، وإسماعيل عبدالحافظ، ووحيد حامد، ومن هنا انطلقت، وبدأ الجمهور يثق بفنان اسمه «عبدالعزيز مخيون». حدثنى عن نقطة تحول فى حياتك؟ - لا تندهش إذا قلت، إنه لا توجد نقطة تحول فى حياتى على الإطلاق، ولكنَّ هناك أناساً أثروا فى سلوكى، على رأسهم الأديب الكبير نجيب محفوظ، فلم يؤثر فى تكوينى بأدبه، ولكن بسلوكه، كان رجلاً متواضعاً ومجاملاً، ولا يخطئ فى حق أحد، كما تأثرت، أيضاً، بشخصية الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب الذى تعلمت منه الدقة والانضباط. بعد الانطلاق والنجومية فى القاهرة، قررت العودة إلى مسقط رأسك محافظة البحيرة.. ما السبب؟ - عدت إلى البحيرة مرتين، الأولى فى عام 1974، قررت وقتها أن أرد الجميل إلى محافظتى، ونجحت فى إقامة تجربة ثقافية ومسرحية ثرية، اشتغلت مع الفلاحين هناك، وقدمنا تجربةً مسرحيةً ممتازةً تحدثتُ عنها فى كتاب يحمل اسم «يوميات مخرج مسرحى فى قرية مصرية»، وقد حققت هذه التجربة نجاحاً لافتاً للنظر، ومنذ عشر سنوات تركت القاهرة، وأخذت أسرتى المكونة من 3 بنات وولدين، وعدت إلى البحيرة، كانت المرة الأولى محاولة لرد الجميل، أما المرة الثانية فكانت هروباً من ضجيج وصخب القاهرة، بصراحة شديدة أحب بلدى، وأشعر بالراحة والاطمئنان بين أهلى. لو فشلت فى التمثيل ما هو الاختيار البديل أمامك؟ - بصراحة شديدة، كنت أتمنى أن أصبح «مايسترو»، فقد تعلمت العزف على آلة «الكمان»، وكنت متميزاً جداً، وتعلمت فى المدرسة وخارجها، ولكن الانشغال بالتمثيل عطلنى كثيراً عن عزف الكمان، وشيئاً فشيئاً ابتعدت عن الموسيقى، ولكنى مستمع جيد ومتذوق للموسيقى المحترمة. أشعر فى حديثك بنبرة حزن شديدة.. ما سبب ذلك؟ - لأن مناخ الإبداع سيئ جداً، فلا توجد نصوص جيدة، وتحمل أفكاراً مبهرة، ولا يوجد إنتاج متميز، يجب أن تعرف أن الإنتاج متعثر جداً، فأنا أعمل فى مسلسل اسمه «الكبريت الأحمر» ومتعثر إنتاجياً منذ عامين، الإبداع الجيد يحتاج إلى سخاء فى الإنتاج، وهذا غير مسموح فى الوقت الحالى. فى أى مرحلة من عُمر الوطن وجد عبدالعزيز مخيون نفسه؟ - بصراحة شديدة، أنا معجب بعصر عبدالناصر كانت لديه إرهاصة هدفها تكوين وطن كبير وعظيم جداً، ولكن مشروع عبدالناصر لم يكتمل، ولست معجباً بعصر السادات، ولا أبالغ إذا قلت إن الانحدار بدأ من عصر السادات، وأرى مصر الآن فى مرحلة اضمحلال ورجوع للخلف. أعرف جيداً حبك للكتابة، فلماذا لم تقدم رواية تحمل اسمك؟ - أعشق الكتابة فعلاً، ولكنها تحتاج إلى وقت كبير وصبر، وعملى كممثل لم يساعدنى فى ذلك، ويجب أن تعرف أننى قمت بكتابة مقالات كثيرة منذ عام 1976 فى «الأهرام» و«روزاليوسف»، وأفكر جدياً فى جمع مقالات عمرها 40 عاماً فى كتاب كبير، وأتمنى أن ينال رضا الجمهور والنقاد. من وجهة نظرك كممثل من الفنان الذى أنجبته السينما المصرية، وترى أن أداءه مختلف وساطع؟ - دون شك محمود المليجى، هذا الفنان الكبير والعظيم كان يستحق الخروج إلى نطاق العالمية، ولكن حاجز اللغة حرمه من ذلك، فقد عملت معه فى المسرح والسينما والتليفزيون، وأعرف أنه فنان قوى جداً، وأنا معجب أيضاً بالراحل محمود مرسى، كان فناناً مثقفاً، ودرس فى الخارج، ويقوم بالتمثيل على أسس علمية، وأتصور أنه ظُلِم جداً. وكيف ترى أحمد زكى؟ - كان فناناً مختلفاً وإنساناً كريماً، عملت معه، واقتربت منه كثيراً، وكنت معجباً بحبه لفنه وإخلاصه فى عمله. ولماذا اختلفت معه فى أواخر أيامه؟ - لم أختلف مع الراحل أحمد زكى، فقد كانت علاقتى به طيبة جداً، ولكن عندما قدم فيلم «حسن اللول» انتقدت حال السينما، وقلت إن كل شىء يتم تسخيره فقط لصالح النجم، ويتم إهمال باقى فريق العمل، واستغلت الصحافة حديثى وانتقادى وأحدثت وقيعة بيننا، لكن بعد عام تقريباً اتصل بى أحمد زكى، وتصالحنا وقمت بزيارته وهو على فراش المرض، كان أحمد زكى إنساناً رائعاً وفناناً محترماً وشديد الكرم، ولا أبالغ إذا قلت إن رحيله أصابنى بألم شديد، ليس سهلاً أن تفارق إنساناً مخلصاً عاشرته عن قرب. هل بين أولادك من يشبهك ويعشق التمثيل؟ - رزقنى الله سبحانه وتعالى ب 3 بنات وولدين، وأرى أن «علىِّ الدين» يحب التمثيل، ولا تندهش إذا قلت لك إننى مش عاوزه يمثل؛ بسبب هبوط مستوى الفن فى مصر، ماذا سيقدم فى ظل هذا المناخ؟! كثير من الناس ينظرون إليك كرجل جامد وصلب.. هل للنشأة دور فى ذلك؟ - أنا من قبيلة عربية اسمها «الجميعات»، وموجودة فى البحيرة والفيوم ومرسى مطروح، وأصولها البعيدة فى المغرب، وأنا أتحدث بلهجتهم، وأحب عاداتهم وأحفظها ويشرفنى ذلك. وما رأيك فى الحب والمرأة؟ - لا يستطيع إنسان أن يعيش على ظهر الدنيا دون حب، وتحديداً الفنان دون الحب تكون الحياة جافة ومؤلمة.. والمرأة بالنسبة لى هى السكن. كيف يرى عبدالعزيز مخيون المشهد السياسى الآن؟ - المشهد السياسى محزن، ومن الواضح أن الأمن يعمل على إجهاض أى بادرة ديمقراطية داخل النقابات والحركات والتنظيمات، حتى هذه اللحظة المجتمع غير قادر على إفراز قوى مدنية تعبر عن أحلام وهموم الناس. وما تقييمك لأداء البرلمان؟ - هذا البرلمان لا يمثل الشعب، وهو برلمان سيئ، ويمثل مجموعة من أصحاب المصالح فقط. كفنان مغرم بالزراعة ما الزراعات التى تزين أرضك؟ - الجرجير والزهور، أنا عاشق للزراعة، وأحب الموالح التى تملأ البحيرة، وتفوح منها روائح جميلة.