إنها الحالة التى يمكن أن تُوَصّف بها مصر فى وقتنا الراهن، وهى تُسَمى الأضلاع الثلاثة لمثلث جهنمى، تكاد مصر أن تنحبس فيه حاليا، والاعتراف به، والسعى إلى تغييره، هو الملاذ الأهم لإنقاذ الثورة، وبالتالى إنقاذ مصر من مستقبل أصبح الضباب يحيط به، على الرغم من بدء خطوات أساسية نحو تكوين برلمان شعبى، يكون هو الخطوة الأولى نحو الاستقرار السياسى، والفاعلية المجتمعية. فأما الضلع الأول، الخاص بالثورة، فقد كان واضحا منذ بدايتها، أنها بغير قيادة، لكن هذا لم يقلقنا، كما لم يزعجنا فى البداية، بل العكس هو الصحيح، حتى لا تُنسب الثورة لفريق معين، يفرض رؤيته، وينفرد بالمسيرة إلى حيث يرى، وأصبحنا نلمس بأعيننا، كيف أن وصف «الثورة الشعبية» ينطبق تمام الانطباق على مجريات وقائع الأيام الثمانية عشر التى بدأت فى الخامس والعشرين من يناير، إلى الحادى عشر من فبراير 2011. لكن هنا يبرز مغزى قول شاعر: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ولا سراة لقوم إذا جهالهم سادوا! و«السراة»: هم الفئة المتميزة التى تشكل الرأس للجماعة أو الأمة.. أى أنه كان من المفروض، عقب سقوط رأس النظام، أن ينتخب الثوار من بينهم «قيادة»، يتوافق أعضاؤها على جملة من الخطوط العامة العريضة التى تمثل أبرز مطالب الثورة، ولتتحدث هذه القيادة باسمهم، وتحاور، وتطالب، وتراقب، إلى أن يظهر البرلمان إلى الوجود. لكن المشكلة التى حدثت، أن تسلم المجلس الأعلى للقوات المسلحة مقاليد السلطة فى البلاد، أوهم الثوار، وكأن المجلس هو الذى سوف يقود الثورة، بينما الحقيقة أنه هو الذى تولى «السلطة» الكلية للدولة. بل ووقر فى ذهن المجلس أنه المسئول عن «الثورة»، وأن دوره لم يقف عند حد «حماية» الثورة، بل شارك فى القيام بها، وهو ما لم نخمنه، بل صرح به علانية اثنان من أعضاء المجلس فى حوار مع إبراهيم عيسى، ومنى الشاذلى فى برنامج العاشرة مساء، أواسط أكتوبر الحالى. وأدى عدم مسارعة الثوار لتكوين قيادة لهم، إلى عملية انشطار متتال لقواهم، انتهت إلى تشرذم، واضح ومشهور» كل حزب بما لديهم فرحون» ، وسعدوا بظهورهم من وقت لأخر على شاشات التليفزيون، وتهافت الصحف على نشر أخبارهم. والأخطر من ذلك، أن برز كثيرون يزعمون لأنفسهم التحدث باسم الثورة، بل وعمت سلوكيات مفزعة من الانقلاب على أبسط القواعد والأصول الاجتماعية والأخلاقية، بزعم أن هذا «ثورة»، وكأن الثورة قد تحولت على يد كثيرين، مع الأسف الشديد إلى عنوان للفوضى، والإضرار الحقيقى بالمصالح القومية، ومجرد الاستهزاء بكل الكبار، فى كثير من المجالات. وفضلا عن ذلك، اختلفت الرؤى، وتباينت وجهات النظر، وأصبح ذلك مدعاة للمجلس العسكرى، لأن يقول إنه لا يعرف يحاور من؟ ويترك من؟ فإذا جلس إلى بعض الفرق، وأخذ ينفذ ما طلبوا، برزت لنا فرق أخرى يشكون أصحابها من أنهم لم يُدعَوا، وأن لهم مطالب مغايرة لما تم الاتفاق عليه من الأولين.. وهكذا. والأخطر من ذلك، وهو اجتهادنا فى تفسير ما حدث فيما عرف بموقعة ماسبيرو: تظاهر فريق من الأقباط يعلنون مطالب لهم، وهذا حقهم الذى لا جدال فيه، ولأن هذا يكون معلوما مسبقا، تتحرك القوى المضادة فورا، وفى غمرة التظاهر والازدحام تقوم هذه القوى باعتداء على أفراد القوات المسلحة المكلفين بحراسة مبنى الإذاعة والتليفزيون، ولأن هؤلاء يعرفون سلفا أن المسيرة المتظاهرة هى لأقباط، تصوروا أن الأقباط هم الذين اعتدوا عليهم، فيقومون بالدفاع عن أنفسهم ضدهم، وينتهزها المندسون فرصة للاعتداء على القوات المسلحة، فيفزع الأقباط أن يبدو أفراد القوات المسلحة معتدين عليهم، وهكذا تبدو الصورة وكأنها عراك بين الأقباط والقوات المسلحة! سيناريو أصبح متكررا : فى أحداث مسرح البالون..وفى ِأحداث امبابة..وفى العباسية.. وأمام سفارة العدو الإسرائيلى، وأحيانا فى تظاهرات ميدان التحرير «المليونية»! ولأن المجلس العسكرى الذى تولى القيادة لم يكن له سابق خبرة « سياسية»، أوقع نفسه وأوقعنا فى عدد من المواقف التى ساعدت فى تعطيل مسيرة الثورة، بل أخشى أن أقول فيما يشبه أن يكون بعض الانتكاسات.