تفاقمت أزمة إلقاء الزبالة ومخلفات البناء في شوارع العاصمة المصرية القاهرة بصورة خطيرة، فلا يكاد يخلو شارع أو حي من وجود أرتال ضخمة من هذه المخلفات التي لا يتوقف تأثيرها السلبي على تشويه المظهر الحضاري، بل يمتد لتتحول تلك الأماكن إلى بؤرة لنقل الأمراض والأوبئة بسبب وجود الفئران والبعوض والذباب وكذا تخمر بقايا الأطعمة لتصبح قنبلة ميكروبية موقوتة. فمن يتجول في شوارع العاصمة سيلاحظ على الفور أن هناك شيئا ما خطأ قد طرأ على روح الشعب المصري الذي قاد ثورة 25 يناير وانتفض ضد الظلم والفساد، وكان من أروع مظاهر تلك الروح خروج مئات الآلاف من الشباب والرجال بل والأطفال للمشاركة في تنظيف الشوارع وطلاء الأرصفة وتزيين الجدران بعلم مصر الخالد وتسطير ذكريات التحرير، فلا يملك حينئذ إلا أن يسأل نفسه أين ذهب كل هذا ؟ وهل كانت المسألة مجرد إحساس طارئ بالمسئولية سرعان ما تلاشى ضمن أشياء كثيرة تلاشت أيضا. المحليات بتتفرج وتتوزع بؤر القمامة تلك في عدة أحياء لعل من أخطرها شارع أحمد حلمي بدءا من محطة مصر وانتهاءً بمنطقة عبود، حيث تقوم عربات الكارو وسيارات النقل بتفريغ عبواتها في وضح النهار أمام عيون المسئولين الذين لا يجرؤ أحدهم على سؤال هؤلاء المخالفين "ثلث الثلاثة كام"..! وتنتشر تلال القمامة هذه أيضا في عدة مناطق بمحافظة الجيزة لعل أشهرها حي الوراق وإمبابة ومدينة الملك فيصل 587 التي باتت أشبه بالمناطق المنكوبة لكثرة ما يتواجد بشوارعها من مخلفات هدم المباني، تلك الظاهرة التي استفحلت في ظل سعي الملاك لهدم عقاراتهم لإنشاء أبراج سكنية في غفلة من أجهزة الأحياء والمحافظة . وتلتهم تلك الكميات الضخمة من القمامة أكثر من ثلثي الطريق العام ولا تترك للسيارات سوى شريط ضيق يسمح بالكاد بمرور سيارة واحدة مما يضاعف من آثار الأزمة لتتحول إلى منطقة شلل مروري جديدة. ورغم قيام السلطات الحاكمة بسن قانون بتغليظ العقوبات على كل من ينتهك حرمة الطريق العام وأوصلتها إلى حد الغرامة المالية والحبس وسحب تراخيص السيارات وذلك لمكافحة انتشار هذه الجريمة، إلا أنه ومن كل أسف لم يكن كافيا لردع المنتهكين وذلك لعدة أسباب لعل أولها عدم تطبيقه ولو لمرة واحدة ضد أي مخالف مما يشجع ذوي النزعات التخريبية للتمادي في جريمتهم. ومما يضاعف من آثار تلك الكارثة اختفاء صناديق القمامة بصورة شبه تامة فلا نكاد نرى سوى آثار رمزية لها في الطرق الرئيسية فقط ، إضافة إلى تقاعس مسئولي جمع القمامة عن المرور على المنازل لرفع مخلفات الطعام وخلافه فيصبح المواطن العادي ما بين نارين أولهما القضاء على انتشار "الزبالين" الأهليين وثانيهما إهمال مسئولي هيئة النظافة والمحليات. حيث تكتفي سيارات المحافظة بالمرور مرة أسبوعيا أو كل 10 أيام من أمام المنازل وغالبا تكون والناس نيام فيضرب سائقها "السرينة" مرة واحدة وعلى المواطنين أن يمارسوا رياضة الجري خلفه للحاق بالعربة لإلقاء كيس الزبالة، وطبعا حين يفشل في اللحاق به فإنه سيفعل أي شيء إلا أن يعود لمنزله بالزبالة، الطريف أيضا أن تلك السيارات تقوم غالبا بتفريغ أكثر حمولتها خلال السير وقبل أن تنقل القمامة للمقالب المخصصة تكون أعادت نصفها على الأقل للشوارع.