مأمور بندر أسيوط خلع بذلته وانضم لثورة 1919 ووزع السلاح على الأهالى مُصطفى حمدى يشارك فى الجهاز السرى و شاهين يسحل المتظاهرين الوطنيين ضابط ضال ضمن تنظيم "التكفير والهجرة" ومباحثيون ساعدوا حركة الفدائيين كتب- مصطفى عبيد: أبانا الذى فى المباحث بتعبير المُبدع اليقظ أمل دُنقل مِصرى حتى النُخاع. فيه طيبة ووطنية وخير وشرور. ليس رجال البوليس حفنة من الملائكة ولاهم ثُلة من القُساة والجلادين، هُم بشر كالبشر، بعضهم طيب ووطنى ومُقاتل ينبغى الانحناء أمام تضحياته والبعض الآخر سادى، مُتجبر يخدم السُلطة أيا كانت وفى سبيلها يفعل كثير من المُنكرات. تاريخهم رُمادى لا أبيض ولا أسود. بعضهم كانوا علامات بارزة فى الإخلاص وحُب الوطن والفدائية، والبعض الآخر كانوا قتلة ومُجرمين وساموا الناس ظُلما وقهرا. مُنذ عرفت مصر الشرطة الحديثة سنة 1879 ثُم تأسست نظارة «وزارة» الداخلية سنة 1900 وماكينة الأمن تُفرخ الأخيار والأشرار على السواء، والقراءة السريعة لتاريخ الشرطة المصرية اعتمادا على الصُحف والمجلات القديمة يرسم لنا ملامح كثير من الوطنيين، وكثير من القتلة. شهيد أسيوط فى ثورة 1919 كانت الشرطة ورجالها نموذجاً لعرض النموذجين على السواء، الوطنيين وخدم السُلطة. من الشخصيات البارزة التى كانت لها حضورها الطاغى الشهيد محمد كامل مأمور بندر أسيوط. عندما اندلعت الثورة صاخبة مُزلزلة فتك كثير من أهالى الصعيد بجنود الاحتلال البريطانى وكان أهالى أسيوط يُجبرون القطارات على التوقف ليتم القبض على كُل إنجليزى وإعدامه على الفور وهو ما أحدث هيستيرى لدى قوات الاحتلال وصلت بها إلى ضرب قُرى أسيوط بالطيران. وطبقا لما يورده مُصطفى أمين فى تناوله لثورة 1919 فى جريدة أخبار اليوم خلال الستينيات فإن أهالى أسيوط سمعوا بما فعله أهالى زفتى من إعلانهم الاستقلال فسارعوا إلى إعلان استقلال أسيوط، وعلموا أن كتائب إنجليزية حاشدة فى الطريق إلى أسيوط لوأد التمرد فسارعوا بالذهاب إلى قسم بندر أسيوط وطلبوا الحصول على السلاح، وفوجئوا بالبكباشى محمد كامل مأمور القسم يوزع عليهم ما لديه من السلاح مُعلنا الجهاد ضد الاحتلال. وبالفعل احتشد الجنود والضباط المصريون مع لفيف من المتطوعين الشباب ليحملوا البنادق الحكومية ويهاجموا مقر الحامية البريطانية فى اسيوط ويقتلوا عشرات الجنود الإنجليز، .وتثور ثائرة بريطانيا وجنودها وتُكثف الضربات ضد ثوار أسيوط ويسقط العشرات شُهداء وتنجح قوات الاحتلال فى القبض على الثوار وتُسارع إلى مُحاكمتهم. ويتم الحُكم على البكباشى محمد كامل بالإعدام رميا بالرصاص و يسعى عدد من الوطنيين المصريين الى التدخل ومنع تنفيذ الحكم واستبداله بالسجن مثلما جرى مع آخرين، لكن الحاكم العسكرى البريطانى يأبى ويصدق على حكم الإعدام ليصبح واجب النفاذ. وفى يوم 10 يونيو من نفس العام ينفذ فى البكباشى محمد كامل الحكم رميا بالرصاص وسط بندر أسيوط، ليرفرف فى سماوات الخلود. مصرع السفاح وعن أسيوط أيضا نقرأ بمجلة المصور فى عددها الصادر فى مارس 1969 بمناسبة مرور 50 عاما على الثورة كيف اشترك رجال البوليس فى كافة الأقسام فى الثورة المسلحة ضد الإنجليز. ومن الوقائع الطريفة أن الإنجليز أرسلوا عدد من الجنود الإضافيين إلى ديروط لمواجهة اعمال العنف وأرسلت مديرية أمن اسيوط إشارة تليفونية إلى مراكز ونقط البوليس تخبرها بأن القطار القادم فى الغد يقل ثلاثة من كبار ضباط الإنجليز على رأسهم القائمقام بوب والذى كانوا يطلقون عليه لقب السفاح لقسوته الشديدة، ويلتقط الإشارة اليوزباشى أبوالمجد الناظر نائب مأمور مركز ديروط ومصطفى حلمى ملاحظ شرطة نقطة دير مواس وبدلا من تشديد الحراسة على محطة القطار يذهبون إلى الثوار ويخبرونهم بأن الضابط الإنجليز فى طريقهم ومن العار أن يصلوا إلى القاهرة أحياء، وبالفعل يندفع أهالى ديروط داخل عربات القطار ويهوون بفئوسهم على الضباط الإنجليز ويخر السفاح صريعا. وفيما بعد حُكم على عدد كبير من ضباط شرطة أسيوط والمنيا بأحكام عديدة تراوحت بين الإعدام والسجن والطرد من الخدمة بسبب مشاركة المصريين أعمال العنف. شهيد القنابل الوطنية شهيد آخر يرد ذكره فى عدة مصادر تناولت العمل السرى خلال ثورة 1919 هو الضابط مصطفى حمدى، والذى قُبض عليه سنة 1916 لاشتراكه فى خلية سرية لمقاومة الاحتلال وأوصت السلطات بإبعاده عن البوليس وبالفعل ترك الخدمة ليؤسس واحدة من التنظيمات الخطيرة لقتل واستهداف جنود الاحتلال خلال ثورة 1919، ومما يُنسب للرجل ابتكاره وسائل تفجير حديثة وتصنيعه كُرات من الحديد مثقوبة من الناحيتين يتم استخدامها فى قتل الجنود البريطانيين بمجرد إلقائها على رؤوسهم. وقد تولى مصطفى حمدى تدريب أفراد الجهاز السرى لثورة 1919 وكان ممن تلقوا تدريبات مباشرة أحمد ماهر ومحمود فهمى النقراشى وقد كان الضابط يقوم بتسليمهما قنابل مُصنعة لتُستخدم فى إرهاب جنود الاحتلال والمستخدمين الإنجليز فى مصر خلال أحداث الثورة . ويشاء القدر أن يلتقى الضابط مُصطفى حمدى بأحمد ماهر فى الصحراء لتجربة قُنبلة وتنفجر القنبلة بالخطأ فى وجه الضابط ليلقى ربه، ويقوم أحمد ماهر بدفنه فى الصحراء ثُم يذهب إلى والدته ويخبرها أن ابنها سافر فجأة إلى تركيا بسبب تضييق السلطات البريطانية عليه، ويقوم كل شهر بإرسال مبلغ مالى ثابت إلى والدته، ويُكشف الأمر بعد سقوط قتلة السير لى ستالك واعتراف شفيق منصور المحامى على بعض الفدائيين حيث تكتشف سلطات الاحتلال موقع دفن مصطفى حمدى . تضليل إنجرام باشا ويروى الكاتب صبرى أبوالمجد فى حلقات بمناسبة مرور 50 عاما على ثورة 1919 فى مجلة المصور سنة 1969 شهادات لبعض ضباط البوليس الذين شاركوا فى أعمال الثورة ومن هؤلاء الضابط محمود عبد الرحمن الذى وصل إلى وظيفة مدير مديرية يحكى للكاتب كيف شارك كثير من رجال البوليس فى اعمال المقاومة السرية، وكان «عبدالرحمن» كثيرا ما يضلل انجرام باشا رائد البوليس الإنجليزى، ففى إحدى المرات هاجم القائد الإنجليزى منطقة كان يسكن فيها بعض الفدائيين ولجأ محمود عبد الرحمن إلى اخفاء المطلوبين فى الاستراحة التى يقيم فيها إنجرام باشا نفسه، ثم يروى قصة اتهامه بنسف كوبرى كفر الزيات لعرقلة تحركات القوات البريطانية، ونقله إلى سجن الحضرة بالإسكندرية حيث حكم عليه بالسجن سبع سنوات، وفى السجن فوجئ أن المأمور ونائبه من الفدائيين فكان وسيط اتصال بينه وبين فدائيى الخارج. والواقع أنه كما كان هناك أبطال وشهداء من رجال البوليس فقد كان هُناك خونة وقتلة فضلوا العمل فى خدمة المُحتل الأجنبى خلال ثورة الشعب المصرى. ففى ثورة 1919 يحكى شهود الثورة بمجلة «المصور» فى احتفالها بمرور 50 عاما على صورة 1919» عن البكباشى محمد شاهين والذى أطلق عليه اسم «سفاح المتظاهرين» لكثرة ما قتل بالرصاص من المتظاهرين المصريين. وكان هذا الضابط يُبدى فرحا شديدا حال سقوط شهداء مصريين برصاص البوليس والجنود البريطانيين وقد اعتبره الطلبة عدوهم الأول، لأنه كان إذا قبض على طالب من المتظاهرين يقوم بربطه من يديه بحبل فى سرج جواده ثُم يجره خلفه حتى يتهشم رأسه ويموت. منشور ضد سليم زكى والمثير أن الدكتور رفعت السعيد عثر على وثائق نادرة حول ثورة 1919 نشرها فى سبتمبر 2014 تضمنت بيانات لثورة 1919 كان من بينها بيانا عن الخونة جاء فيه اسم محمد شاهين حيث قال «من هؤلاء اسم ذلك النذل الجبان البكباشى محمد شاهين بالمنيا الذى قتل بيده ثلاثة وعشرين من الأنفس المصرية للقضاء على الحركة المصرية هنالك ولخدمة الإنجليز فى استعادة النظام، وتضم أيضاً ذلك اللص الملازم أول سليم زكى بقسم الموسكى، الذى أهان مواطنيه إهانات كبرى فى تفتيش المطرية وعذبهم تسع ساعات متوالية وحشر الرجال والنساء فى صعيد واحد وأفسح الطريق لارتكاب الجند كل قبيح ومحرم». والمثير فى الأمر أن سليم زكى سيستمر معنا عدوا للوطنيين وخادما للاحتلال البريطانى ومشاركا فى تأسيس البوليس السياسى قبل أن يصبح حكمدارا للعاصمة، والغريب أيضا أن سليم زكى كان على علاقة صداقة قوية بالشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين. وتنقل لنا الصحف صورة للشيخ البنا يطوف مع سليم زكى سنة 1946 يطوف على مظاهرات الطلبة لتهدئتهم، ومن عجائب القدر أن نهاية سليم زكى تأتى على يد طالب من أعضاء جماعة الإخوان فى ديسمبر سنة 1948 حيث ألقى قُنبلة على سيارة سليم زكى لقى مصرعه على إثرها. ولا شك أن البوليس السياسى ضم أسماء عديدة من المُجرمين الذين تلطخت أيديهم بالدماء وثبت اقترافهم لعنف شديد تجاه خصوم السُلطة، كان من أشهرهم محمود عبد المجيد ومحمد الجزار ومحمد وصفى وإبراهيم إمام والذين حوكموا فيما بعد بتهمة اغتيال الشيخ حسن البنا فى فبراير 1949 أمام مقر جمعية الشبان المسلمين. ويرى بعض الباحثين أن تأسيس البوليس السياسى كان على يد الإنجليز أنفسهم زمن الاحتلال لذا فإنهم كانوا دائما خصوما للوطنيين والفدائيين، وهو ما يشير إليه رُسل باشا حكمدار القاهرة الإنجليزى فى مذكراته حول خدمته فى مصر. نماذج فدائية وفى لحظات أخرى من التاريخ قدمت الشرطة نماذج مُشرفة ساهمت فى التضحية من أجل الوطن كان أبرزها فى معركة الإسماعيلية سنة 1952 عندما وقف ضباط شرطة الإسماعيلية موقفا بطوليا من إنذار قوات الاحتلال للمحافظة بضرورة تسليم الأسلحة بسبب اتهامات وجهت لبعض أفراد الشرطة بتسليم الأسلحة إلى الفدائيين. من الحكايات الجديرة بالسرد فى تلك المعركة حكاية الضابط فؤاد الدالى والذى كان ملازما. إننا نعرف جميعا قصة المعركة التى جرت يوم 25 يناير سنة 1952 ثم اتخذ اليوم بعد ذلك عيدا للشرطة ففى ذلك الوقت كانت مصر قد أعلنت إلغاء معاهدة الصداقة مع بريطانيا لعدم التزامها بوعد الاستقلال وأعلنت حكومة الوفد الكفاح المسلح ضد الانجليز فى مدن القناة، وقامت وزارة الداخلية بدور عظيم فى تهريب الاسلحة للفدائيين. فى اليوم المذكور قدم الجنرال اكسهام قائد القوات البريطانية فى الاسماعيلية انذارا إلى ضابط الاتصال المصرى شريف العبد طلب فيه أن تسلم الشرطة المصرية بالمحافظة كامل اسلحتها وترحل. واتصل مصطفى رفعت مساعد وزير الداخلية بفؤاد سراج الدين وزير الداخلية فى ذلك الوقت ليخبره بالانذار، وأنه رفضه واعتبره إهدارا لكرامة مصر فيرد مصطفى رفعت بأن رجال الشرطة سيقاومون الى آخر رصاصة. وقامت المعركة غير المتكافئة بين رجال شرطة مصريين بأسلحة خفيفة، وكتائب من الجيش البريطانى ليتساقط الشهداء فداء للوطن وكرامته. وكان فؤاد الدالى برتبة ملازم ثانى يخدم فى الاسماعيلية عندما قامت المعركة فقاتل ببسالة الى جوار مصطفى رفعت وعندما حوصرت مجموعة من الفدائيين داخل مستوصف الاسماعيلية اندفع «الدالى» ليحاول تحريرهم فأصابتهم شظية قنبلة فى رأسه وظن زملاؤه أنه مات. وخرج «الدالى» الى الأطباء يبحث عمن يستخرج من رأسه الشظية وسافر الى أوروبا وتعجب كبار الجراحين كيف اخترقت تلك الشظية أعماق دماغه ولم يفقد أيا من حواسه وانتهوا الى استحالة استخراج الشظية. وعاش «الدالى» سنوات طويلة يخدم فى قطاعات مختلفة داخل الشرطة وهو يحمل شهادة بطولته فى رأسه، والطريف أنه اختير فى السبعينات مديرا لأمن الاسماعيلية ثم الفيوم قبل أن يخرج الى المعاش. ويرحل «الدالى» آمنا مطمئنا بعد أن استضاف الشظايا ثلاثة عقود فى رأسه. ضابط إرهابى على الجانب الآخر نجد أن هناك بعض ضباط الشرطة الذين انحرف بهم المسار فصاروا مُجرمين وقتلة فى أزمان تالية، فمنهم مثلا ضابط يُدعى طارق عبد العليم وهو ممن ضلوا وتركوا البوليس واعتنقوا فكر التكفير وانضموا إلى جماعة «المسلمون» التى أنشاها شكرى مصطفى وعرفت أمنيا بالتكفير والهجرة، وقد خطط ذلك الضابط لاختطاف الشيخ الذهبى وزير الأوقاف لمطالبة الحكومة بالإفراج عن أعضائها مقابل الإفراج عنه، لكن يبدو أن اقتراب الشرطة من الوصول إلى الخاطفين دفع الضابط الضال إلى إطلاق الرصاص على رأس الشيخ البرىء وقتله، وفيما بعد حوكم الضابط بين باقى المتهمين وحكم عليه بالإعدام مع شكرى مُصطفى. وقد كان هناك بعض الفلتات فى انضمام عدد من رجال البوليس إلى جماعات متطرفة أو عصابات إجرامية لكنها بكل تأكيد لم تكن سوى حالات شاذة تكسر القاعدة. وهكذا رأينا فى البوليس المصرى عجائب البشر.