«شد الحزام على وسطك غيره مايفيدك.. لابد عن يوم برضه ويعدلها سيدك، إن كان شيل الحمول على ظهرك يكيدك، أهون عليك ياحر من مدت ايدك».. كلمات للشاعر سيد درويش تعبر عن حال الشعب المصرى فى مختلف العصور، فهو دائما مطالب بالتقشف والتضحية للخروج من «عنق الزجاجة». ومن العصور التى شهدت إجراءات تقشفية على نطاق واسع عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، الذى ظل فى سدة الحكم 11 عاماً، بداية من 1970 وحتى اغتياله فى أكتوبر 1981. فى بداية حكم السادات فى السبعينيات، طالب الشعب المصرى بالتقشف، من خلال كلماته: «شدوا الحزام، فإن خزائن مصر خاوية بسبب النكسة، وعلينا إعادة بناء الجيش»، وقتها اتبع المصريون سياسة شد الحزام. وأقبل الشعب حينها على التقشف دون اعتراض أو رفض أو حتى تذمر، لرغبتهم فى رد الاعتبار وتحرير الأراضى والانتهاء من الاحتلال الصهيونى، فتحملوا الإجراءات التى فرضتها الحكومة وقتها، فى سبيل إعادة بناء الجيش والنصر. ويذكر أن حكومة عزيز صدقى، هى التى أشرفت على تلك الإجراءات الاستثنائية التى اتخذتها الدولة، وتجاوب الشعب معها فى ترشيد الاستهلاك والإنفاق، والعمل من منطلق مصطلح اقتصاد الحرب، والذى لا يعنى فقط خدمة المجهود والعمل الحربى فقط، وإنما سياسات تحتاجها الدولة أيضا فى أوقات الأزمات والتحديات الداخلية والخارجية وهى ما يمكن اعتبارها حروباً بأشكال مختلفة. ومع بداية سياسة الانفتاح التى اتجه إليها الرئيس الراحل أنور السادات مع عام 1974، طالب الشعب أيضًا أن يحتاطوا فى كل مواردهم المالية من أجل تحقيق الرخاء، وهو الأمر الذى لم يتحقق، بل على النقيض زاد الفقير فقرًا والغنى صار أكثر ثراء. وربما الانتصار فى حرب أكتوبر 1973م ساعد نظام السادات على التقدم فى سياساته التقشفية، بالإضافة إلى الرغبة فى توفير موارد للدولة، من خلال التحول من نظام رأسمالية الدولة إلى السوق المفتوح أكثر إلحاحًا. واستكمل السادات سياساته التقشفية، فى يناير 1977م خرج الدكتور عبد المنعم القيسونى، نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية، بخطاب أمام مجلس الشعب بمناسبة تقديم مشروع الميزانية، وأعلن خلاله عن إجراءات تقشفية لتخفيض العجز. وشملت الخطة التقشفية، تخفيض الدعم للحاجات الأساسية بصورة ترفع سعر الخبز بنسبة 50 % والسكر 25 % والشاى 35 % ، إضافة لبعض السلع الأخرى مثل الأرز وزيت الطهى والبنزين والسجائر. وبرر أيضًا فرضهم سياسة شد الحزام بفكرة ضرورة الاتفاق مع صندوق النقد الدولى والبنك الدولى لتدبير الموارد المالية الإضافية اللازمة، وبالفعل تم تنفيذ هذه الخطة فعليًا، بعد أن تم الإعلان عنها مباشرة. رفع بعض تجار المحلات أسعار المواد الغذائية، إضافة إلى عدد من المطاعم الصغيرة، الأمر الذى تبعه غضب الجماهير، لأنهم رأوا أن الدولة تخادعهم ولا يوجد هناك ما يبشر بخير ورخاء قادم، بل زارد ثمن رغيف الخبز للضعف، فأطلق عليها البعض «انتفاضة الخبز»، بينما اعتبرها السادات «انتفاضة الحرامية». ويذكر أنه لم يكن هناك أى مبرر سياسى أو اقتصادى لاتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ من جانب الحكومة فى عهد السادات برفع الدعم وزيادة الأسعار، إلا رغبتها فى إقناع مسؤولى صندوق النقد الدولى. وكرد فعل من الجماهير على حالة التقشف المفروضة عليهم، قامت تجمعات عمالية وشعبية فى بعض أحياء الإسكندرية والقاهرة ومنطقة حلوان الصناعية خاصة، وتبعها خروج مظاهرات واحتجاجات فى كافة شوارع ومحافظات الجمهورية، تندد بسياسات السادات، وعجز قوات الشرطة عن قمع الانتفاضة، كل هذا أجبر السادات على التراجع عن قرارات رفع الأسعار. وأجبر السادات وزيره القيسونى صاحب الزيادات على إلغائها، لينهى بعدها حياته السياسية فى نهاية حكومة ممدوح سالم الرابعة التى تشكلت فى اكتوبر 1977 ، الذى كان فيها القيسونى نائبا لرئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية ووزيراً للتخطيط. ولم تنتج سياسات السادات الاقتصادية جدواها، فلم يتخلص المصريون بعدها من ظروفه المعيشية الصعبة، بل ونظرًا لسياسة الانفتاح فى عهده، والتى تلاه الفساد فيما بعد، ساهم ذلك فى خدمة الأغنياء على حساب الفقراء ومتوسطى الدخل، ولم تقف تضحيات الشعب المصرى وسياسات التقشف وإجراءات شد الحزام عند عصر السادات، بل امتد لمن خلفوه فى الحكم، الذين اتبعوها لنفس الأسباب «الخروج من عنق الزجاجة».