كثيراً ما كان دور الأم حائط الأمان فى كثير من الأعمال الفنية، فسينما الستينات والسبعينات والثمانينات أظهرت دور الأم أساسياً ضمن الأحداث، وكانت نموذجاً للتربية السليمة، وكفة الميزان التراجيدى الذى يلعب على كفته المؤلف لكى يحقق التوازن ما بين الواقع الأليم الملىء بتجارة المخدرات والبلطجة وبين صوت الضمير الذى يرفض دائماً كل خطأ وينادى بالصواب، ولكن جاء سينما القرن العشرين لتفتقد دور الأم نهائياً، وتعتمد فقط على نجم الشباك، وتم استعاضته بالدراما التليفزيونية والتى بدورها هى الأخرى تحولت بمدار السنوات، فكانت فى البداية تعبيراً دقيقاً عن التضحية وأساساً يبنى عليه العمل، مثل «ليالى الحلمية» و«الشهد والدموع» و«المال والبنون» و«الوسية» و«ليلة القبض على فاطمة» و«الشارع الجديد»، ولكن بتطور الأحداث تحول دور الأم ل«ديكور» مجرد شكل على الشاشة، اللهم إلا فى القليل مثل «ماما نونة»، والبعض تعامل معها كخط رفيع بين الأم والابن، وفيه تبقى للأم شخصية منفردة بعيدة عن كينونتها كأم لشخصية درامية عادية، وهنا دخل جيل جديد من الفنانات صغار السن، جسدتا دوراً إضافياً، افتقد للنصائح والتربية وتحول للرغبة فى إظهار الشخصية كعنصر من عناصر المجتمع يبحث عن مصالحه الشخصية، فأظهرت أم راقصة مثل «هالة صدقى» فى «حارة اليهود» وهبة عبدالغنى فتاة الليل التى رآها ابنها فى أحضان ضابط إنجليزى، وإنجى شرف التى تراها ابنتها وهى تخون والدها، وصفوة «سكينة العالمة» التى يراها ابنها أيضاً فتاة ليل، وشخصيات أخرى كثيرة مثل هيفاء وهبى التى جسدت دور أم لفتاة مصابة بالسرطان، وغيرها من الشخصيات المتغيرة، والتى فتحت طريقاً لهذا التحقيق، لماذا افتقدت الدراما والسينما دور الأم المعطاءة النصوح وتحول لدور فتاة ليل وراقصة وسيدة أعمال الفنانة فردوس عبدالحميد أشهر من قدمت دور الأم فى الدراما والسينما وكانت أدواراً مميزة والعام المقبل تقدم شخصية «أم الأسطورة» محمد رمضان فى مسلسل يحمل نفس الاسم، الفنانة الكبيرة أشارت إلى أن المؤلفين لم يعد لديهم أدنى اهتمام بدور الأم وعلاقتها بابنها وهذا ما كان سبباً فى ابتعاد فنانات كثيرات عن الشاشة أساساً، وكان سبباً أساسياً أيضاً فى قبولها مسلسل الأسطورة، لأن شخصية الأم فى هذا العمل لا تتوقف فقط عند «الديكور»، لكنه يظهر شخصية الأم صاحبة الشخصية القوية، التى تظهر تربيتها لأبنائها، ورغم قوتهم إلا أنها تجبرهم أن يسمعوا كلامها وتقف بجوار ابنها الذى يتعرض لموقف فى حياته يقلبها رأساً على عقب، وأضافت أن الأعمال التى تناولت حرق الابن لأبيه، وشتم الأم وضربها، كلها تحمل مخزوناً ثقافياً يضر بمستوى النشء وفى نفس الوقت أمر لا يمكن قبوله فى ظل مجتمع شرقى يتعلم كثيراً من الدراما، نحتاج إلى أعمال تحترم دور الأم والأب والأسرة بالكامل وليس الاعتماد على شخص واحد «النجم» ليعيد العائلة بالكامل لمشاهدة عمل فنى. الفنانة سوسن بدر قدمت دور الأم كثيراً فى الدراما والسينما، وقالت إن تغيير دور الأم فى الدراما والسينما يخضع لتغيير المجتمع وتناول هذه المواضيع فى الدراما، المؤلفين كتبوا أدواراً للأم واضحة لكنها قليلة للغاية لاعتمادهم على تناول الشخصيات بشكل غير مكتمل، قدمت دور الأم فى فيلم «الشوق» بشكل مخيف رشحنى لأفضل ممثلة بالقاهرة السينمائى، وأيضاً قدمت دور أم كثيراً فى الأعمال التليفزيونية منها الحارة وغيرها وكل دور للأم كان يختلف عن غيره، ولكن يلفت نظرى دائماً أن الحب والحنان الذى يكتبه المؤلفون للشخصية لم يعد موجوداً بكثرة لكنه يعتمد فقط على شخصية الأم ذاتها لذا كتاب السيناريو يجب أن يعتمدوا فى دور الأم على الحب والحنان وأن تجمع أبناءها حولها وتعطى رسالة بالطمأنينة داخل المنزل لأننا نفتقد الأمان الداخلى. الفنانة الكبيرة كريمة مختار قالت: للأسف دور الأم أصبح محسوماً فى الشخصية المطحونة اجتماعياً، أعمال الدراما التليفزيونية أصبحت تعتمد على شخصيات انعكاس الواقع المؤلم من المجتمع إلى العمل التليفزيونى، ونحن فى أشد الحاجة إلى تركيز المؤلفين والمخرجين على تقديم كتابة شخصيات توضح أهمية دور الأم فى الأسرة وتربية الأبناء، وأن يكون الدور إضافة وليس مجرد دور عابر لا يتم الاهتمام به. الفنانة سلوى خطاب نفت عدم اهتمام الدراما بدور الأم، وأكدت أن دور الأم لا يقل أهمية عن الشخصية الرئيسية داخل الأحداث فأنا قدمت دور الأم لشخصيات كبيرة مثل منة شلبى وهند صبرى وغيرها، والأم هنا لها علاقة بالواقع العصيب الذى نعيشه لم تعد الأم أساساً تلك السيدة التى تجلس فى المنزل لا تعرف سوى زوجها وأولادها لكنها المرأة العاملة التى تخرج للواقع وتتعايش معه وتمر بنفس مراحل «القرف» التى تعيشها المرأة عندما تخرج للشارع، الأم فى الدراما القديمة تم تصويرها على علاقة الأم بأبنائها لكنها الآن تتعامل مع الأم كامرأة لها احتياجات ومشاعر وظروف اجتماعية عصيبة تمر بها أيضاً. الفنانة «لبلبة» قالت إن الأم فى الحقيقة حتى لم تعد تتعامل مع أبنائها بالشكل الذى كانت تتعامل معه زمان، الصورة التى تم تصوير الأم بها فى الأعمال القديمة كانت تعبيراً عن الواقع غير المنفتح أمام الآن أصبحت الأم تتعامل مع أبنائها من خلال مواقع التواصل الاجتماعى، أصبحت علاقتها بابنها من خلال الموبايل مع الانفتاح الثقافى الكبير الذى نعيش فيه لذلك فتصوير الأم كما كانت حياتها محصورة فقط على أبنائها لم يعد أمراً واقعياً ولذا فهى جزء من كتيبة كبيرة تعانى فى المجتمع لتخرج جيلاً مختلفاً. الفنانة سميرة عبدالعزيز قالت أجسد دور الأم كثيراً لكن يلفت نظرى أن عدد المشاهد نفسها صغير للغاية مقارنة بالأدوار المشاركين فى العمل حتى لو كانت الأدوار بطولات جماعى لكن دائماً دور الأم صغير ومكثف فلم يعد الكتاب يهتمون بالنموذج الجيد للأمومة لأن ما يقدم فى الدراما هو انعكاس للواقع وللأسف أصبح كل المؤلفين يختزلون الواقع فى البلطجة والعشوائيات، ليصبح دور الأم سنيدة فقط، حتى الأدوار التى كانت تتناول الواقع المجتمعى بالتفصيل مثل «ليالى الحلمية» و«المال والبنون» وغيرهما قدمت الأم بالشكل الذى يؤكد دورها فى المجتمع لكن الآن الدور المكثف الصغير أصبح الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الأم.