المصريون يحلمون بالمشاركة في انتخابات حرة نزيهة، وعندما جاء اليوم المنتظر وفتحت أبواب الترشح، أغلقت معها أبواب الأمل لدى الكثيرين بعدما رأوا طوابير المتقدمين للترشح تغص بمن يطلق عليهم "الفلول"، في إشارة إلى قيادات وأعضاء الحزب الحاكم سابقا الذي أصبح منحلا بحكم القضاء. وبعدما كان دخول الانتخابات البرلمانية تحت لواء الحزب الوطني الديمقراطي خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، يعني النجاح المؤكد بصرف النظر عن تصويت الناخبين أو حتى ذهابهم إلى صناديق الاقتراع من الأساس، عقد المصريون بعد ثورة 25 يناير الماضي الأمل في برلمان مختلف يشهد كفاءات حقيقية تأتي بها انتخابات نزيهة. ومنذ نجاح الثورة في إزاحة مبارك، تأكد للمصريين أن عهده لم يرحل بكامله بعد، وأن رءوس الفساد كثيرة ومتعددة سواء كانت في السياسة أو الاقتصاد أو الإدارة، ولذلك طالب الكثير من القوى السياسية بضرورة حرمان قيادات الحزب المنحل من العمل السياسي لفترة ما، خاصة بعدما حملهم البعض مسئولية قيادة ما وصفوه بالثورة المضادة. وقال أيمن نور الذي سبق له منافسة مبارك على مقعد الرئاسة، إن من قبلوا تزوير الانتخابات وأقروا قوانين أكملت منظومة الفساد، كما وافقوا باستمرار على تمديد قانون الطوارئ، لا ينبغي السماح لهم بتمثيل الشعب مرة أخرى، خاصة أن بعضهم يمتلك سطوة المال والعصبيات القبلية التي يمكن أن تساعده على النجاح في الانتخابات. عزل أو غدر وفي هذا السياق، شهدت الأسابيع الماضية تصاعد المطالبة بإصدار قانون يمنع ترشح هؤلاء، فجرى الحديث عن مسارين أحدهما مشروع قانون للعزل السياسي يمنع قيادات الحزب الحاكم سابقا من المشاركة في الحياة السياسية لفترة من الزمن، والثاني تفعيل لقانون قديم هو قانون الغدر الذي يؤدي الغرض نفسه ولكن بعد صدور أحكام قضائية ضد من يثبت تورطه في إفساد الحياة السياسية. لكن الأسابيع مرت دون أن يصدر المجلس العسكري الحاكم هذا القانون أو ذاك، في حين بدأت تتعالى أصوات ترفض الإقصاء الجماعي لأعضاء الحزب الحاكم سابقا وترى أن بينهم من لم يرتكب خطأ، في مقابل تزايد الحماس بين مؤيدي العزل الذين يشيرون إلى أن القضاء عندما أصدر حكمه بحل الحزب الوطني وصفه بأنه لم يكن حزبا وإنما كان "تشكيلا عصابيا". ومع فتح باب الترشح للانتخابات أمس الأربعاء، اصطف المئات من الأعضاء والنواب السابقين للحزب الوطني أمام مراكز تقديم الطلبات، حيث حمل بعضهم صفة "مستقل" في حين تقدم آخرون تحت لواء أحزاب مختلفة بعضها أحزاب قديمة ومعظمها أحزاب تأسست مؤخرا ولا يعرف معظم المصريين حتى اسمها. أحد قيادات هذه الأحزاب وهو المتحدث الرسمي باسم حزب الحرية محمد والي، أكد رفضه لمبدأ العزل السياسي بشكل عام، وقال إن العقاب يجب أن يكون لمن يثبت تورطه في جريمة أو فساد، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الباب لو فتح لتطبيق عزل عام فيجب ألا يشمل الحزب الوطني فقط وإنما يمتد إلى كل الأحزاب التي شاركت في الحياة السياسية خلال عهد مبارك. ونفى والي وصف حزبه بأنه من "أحزاب الفلول"، مؤكدا أن واحدا فقط من الأعضاء الخمسة بالهيئة العليا للحزب كان ينتمي للحزب الوطني، ومعتبرا أن هذه الاتهامات لن تضر بحزبه الذي توقع أن يحصد عددا كبيرا من المقاعد، خاصة أنه نجح في ضم عدد من رجال العائلات الكبرى في صعيد مصر حيث يعتمد التصويت إلى حد كبير على العصبيات والانتماء القبلي. هل فات الوقت؟ وبينما يستمر الجدل حول العزل أو الغدر عبر وسائل الإعلام وفي الفعاليات السياسية المختلفة دون صدور هذا القانون أو ذاك، فإن بدء إجراءات الانتخابات عبر فتح باب الترشح أمس يعني أن الوقت ربما فات لقطع الطريق على فلول الوطني الراغبين في احتلال أماكن ببرلمان يفترض أن يمثل الثورة التي أطاحت بحزبهم ورئيسهم. ولهذا فإن الباحث السياسي عمار علي حسن يقترح عدم الانتظار مجددا أو التعويل على صدور قانوني الغدر أو العزل لمعاقبة من أفسدوا الحياة السياسية سابقا، مؤكدا أن على الشعب أن يقوم بالمهمة بنفسه. وشرح حسن مقصده مؤكدا أن على القوى السياسية أن تعمل على فضح هؤلاء ومنعهم من التغرير بعامة الشعب، وذلك عبر إعداد قوائم تشمل الوقائع التي تأكد تورطهم فيها بأعمال فساد أو استغلال للنفوذ، وتوزيعها على الناخبين في دوائرهم. كما أكد أن هذا سيكون له دور كبير في عرقلة محاولاتهم للاستمرار في خداع الشعب والالتفاف على ثورته.