جاء قرار الحكومة بإعادة هيكلة بنك التنمية والائتمان الزراعى متأخرا سنوات بعد أن طالت عملياته المصرفية موجة كبيرة من الفساد تناولتها «الوفد» فى حملة كانت الأولى من نوعها فى كشف عمليات البنك وممارساته الخاطئة ضد المزارعين والتى أحدثت دويا هائلا وسلطت الضوء على أعمال البنك والأعباء التى تحملها المتعاملون معه وتحول نشاطه من تقديم يد العون للفلاح المصرى والنهوض بالزراعة كأساس لإنشاء البنك ليصبح قيوداً وسلاسل تكبل المتعاملين معه فى القروض أو خدمات الائتمان التى منحها إياهم، فضلاً عن الخسائر التى منى بها نتيجة قيامه بعمليات ائتمانية شابهها الانحراف والفساد وتدخل أصحاب القرار بالبنك بأعمال بعيدة كل البعد عن دائرة نشاطه الأصلى، وتناولت «الوفد» هذه الأعمال والممارسات الفاسدة بالمستندات عبر سلسلة تحقيقات استمرت 4 شهور منها تحقيقاً فى 21/12/2005 بعنوان «الفساد المنظم فى بنك الائتمان الزراعى أغرب من الخيال»، واستغلال النفوذ بالحجز على العملاء والتلاعب فى شيكات الضمان على بياض لصالح الكبار، وبتاريخ 21/1/2006 «النهب على المكشوف فى بنك الائتمان الزراعى». و«المسئولون فوق القانون» وآخر بعنوان «مخالفات جسيمة فى ترميم مبنى البنك الرئيسى بالجيزة وصرف أموال لأعمال غير منفذة»، وفى 25/2/2006، موضوع بعنوان «المال السايب فى بنك الائتمان» بتاريخ 11/2/2006 شياطين الفساد فى بنك الائتمان الزراعى تصرف قروض وهمية لمشروع تسمين وتربية الجاموس بفروع القرى وغيرها. وكان الهدف إصلاح الأوضاع المتردية بالبنك ووضع هذا الخلل أمام الحكومة والرأى العالم وطالبنا بالإصلاح للنهوض بالزراعة المصرية وتخفيف معاناة الفلاحين. وجرت محاولات للإصلاح غير جادة إلى أن قررت الحكومة مؤخراً إعادة الهيكلة لبنك الفلاحين وأعلن مجلس الوزراء الأربعاء الماضى أنه فى إطار اهتمام الدولة بالتنمية الريفية والزراعة، وتوفير كافة الاحتياجات اللازمة لهذا المجال، والسعى للتطوير والنهوض بقطاعات المرتبطة بهذا المجال، فقد وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون البنك الزراعى المصرى، الذى ينص على إعادة هيكلة البنك الرئيسى للتنمية والائتمان الزراعى، وبما يسهم فى توفير التمويل اللازم لمختلف أنواع أنشطة التنمية الزراعية والريفية وفقاً للنظم المصرفية المعمول بها فى إطار السياسة العامة للدولة، وتوفير التمويل اللازم لمستلزمات الإنتاج سواء بالاستيراد أو من الإنتاج المحلى، بالإضافة إلى توفير التمويل اللازم والتسهيلات الائتمانية للمزارعين والجمعيات التعاونية الزراعية فى إطار القواعد والضوابط الصادرة من البنك المركزى. ويعد موافقة الحكومة سيتم إحالة القانون إلى مجلس النواب ليتم إقراره وإعادة الهيكلة قبل نهاية عام 2016 الجارى. وكان محافظ البنك المركزى طارق عامر قد أعلن أنه سيتم ضم بنك التنمية والائتمان الزراعى إلى رقابة البنك المركزى وأنه يجرى إعداد دراسة وافية لإصلاح أوضاعه تحت الرقابة الجديدة بالاتفاق مع الحكومة وكان البنك الزراعى يتبع وزارة الزراعة كبنك متخصص ولا يتم الإشراف عليه من المركزى رغم تحول نشاطه فى السنوات الأخيرة إلى الأنشطة التجارية. والآن يأتى نقل تبعية بنك الزراعى بعد 86 عاماً من تبعيته لوزارة الزراعة منذ إنشائه عام 1931 ليتم وضع قانون واحد له بدلاً من قانونين ينظمان عمله حيث يخضع البنك فى الفترة الحالية لقانونين، وهما القانون 117 الذى يعمل وفق البنك الرئيسى كهيئة اقتصادية والقانون 159 الذى يعمل وفق قطاعاً قبلياً وآخر بحرياً كشركات مساهمة. وقال طارق عامر إن المركزى سيعيد هيكلة بنك التنمية الزراعى ليعمل بأسلوب علمى يخدم الزراعة، ويستورد البذور والكيماويات ويقوم بتوصيلها للفلاح بشكل مناسب، مؤكداً حرصه على الزراعة المصرية والمزارع، مؤكداً أنه كان يعيش معاناة المزارعين، يجب دعم الزراعة خاصة فى ظل استيراد وكشف عن توجه الدولة نحو زراعة 50 ألف فدان ذرة صفراء جديدة ودعم الفلاحين فى زراعتهم. ويقدر حجم خسائر البنك بنحو 4 مليارات جنيه، وديون متعثرة بنحو 4 مليارات جنيه، بجانب مديونيات مستحقة على وزارة المالية 3٫2 مليار جنيه، ويوجد بالبنك 22 ألف موظف يتقاضون رواتب سنوياً 2 مليار جنيه. ومع إعادة الهيكلة الجارية يتطلب الأمر تعديل سياسة التعامل الفلاحين وعمليات إقراضهم والتعامل مع المتعثرين، وسياسة تدوير القروض المكلفة على الفلاحين، ويتطلب إصلاح وتطوير شبكة فروع البنك التى يصل عددها إلى 1210 فروع والعمل على إدماج بعضها. كما أن الأصول تم إهدار الكثير منها متمثلة فى أراض للشون والتخزين تجوب المحافظات بطولها وعرضها حيث تم اغتصاب بعضها وإهدار الآخر وهو مال عام من المفترض أن يتم البحث عن المتسببين فى إهداره وإحالتهم إلى المحاكمة حيث إن إهدار المال العام لا يسقط بالتقادم. فضلاً عن الأصول التى لم يقم البنك باستغلالها خلال السنوات الماضية، حيث يوجد أصول مملوكة للبنك عبارة عن أراض دخلت الحيزة العمرانى فى منطقتى قبلى وبحرى، وغير مستغلة بقيمة 1٫3 مليار جنيه، بما يمثل إهدار للمال العام. وقام البنك مؤخراً بالاتفاق مع مجلس النواب، لتأجير طابقين من المركز الرئيسى للبنك فى شارع قصر العينى، لأعضاء البرلمان مقابل ما يزيد على 5 ملايين جنيه فى السنة، قائلاً: «القيمة الاستثمارية للمقر الرئيسى للبنك لا تقل عن 700 مليون جنيه، وتركه دون استفادة يعد إهداراً للمال العام، الأمر نفسه مع باقى الأصول المملوكة للبنك. من جهة أخرى، طالب مصرفيون بضرورة إصلاح البنك بصورة عاجلة ليخدم الفلاح ويعود لدوره الأساسى كبنك التسليف لعمليات الزراعة ومعاوناً للفلاح لا أن يكون مكبلاً له يؤدى به فى النهاية إلى امتلاك أراضى الفلاح والزج به فى غياهب السجون. وقال أحمد آدم، الخبير المصرفى، إن نقل تبعية بنك التنمية والائتمان الزراعى من وزارة الزراعة إلى البنك المركزى المصرى، يعد خطوة جيدة، وكان يجب القيام بها منذ سنوات لافتاً إلى أن البنك لديه قدرة على تقديم خدمات التجزئة المصرفية بشكل يغطى كل المناطق على مستوى» الجمهورية. وإن البنك شابه العديد من المخالفات والممارسات السياسية التى لا تستند إلى العمل المصرفى السليم خلال الفترة الماضية، وأن إدارة عمليات الائتمان الزراعى شهدت تدخلات من وزارة الزراعة بحكم توجيه النشاط المصرفى للقطاع الزراعى وهو ما ترتب عليه زيادة مديونيات البنك، موضحاً أن نقل تبعية البنك ل«المركزى» يعنى إعادة هيكلته بما يتلاءم مع طبيعة المشروعات القومية والاستثمارية للدولة خلال الفترة الراهنة، سيقدم خدمات مصرفية تشبه البنوك الحكومية الأخرى، بدرجة عالية من التقنية وطالب بتطوير فروع البنك وتدريب العمالة لتيسير التعامل مع الفلاحين والخدمات المقدمة لهم. انتشار بنك التنمية والائتمان الزراعى بنك التسليف سابقاً فى كافة النجوع والكفور يمكن أن يكون إضافة حقيقية فى حال الاهتمام بتطوير معاملاته وتركيزها على الفلاحين وليس بالضرورة أن يكون بنكاً تجارياً فلدينا الكثير منها.