لا شك أن الإهمال الحكومي وتقادم المعديات النهرية وغياب ضمائر معظم سائقي هذه المركبات النيلية، تعد مسببات أساسية في تزايد مشاكل وكوارث المعديات في مصر، فهي أسهل الطرق للوصول الي الآخرة خاصة أن هذه المعديات معظمها غير صالحة فنيا، وتغيب عنها الصيانة ووسائل الإنقاذ اللازمة لمواجهة الأخطار المحتملة،ولا علاقة لها بالسلامة النهرية. والأكثر دهشة أن معظم قائدي تلك المعديات النهرية، إما أن يكونوا عديمي المعرفة بأسس الملاحة النهرية أو «صبية» بلا مسئولية، فهم يراهنون بحياة ركابها سعيا وراء مضاعفة الأرباح, دون النظر الي مخاطر الحمولة الزائدة التي يدفع ثمنها أرواح الكثيرين يوميا، بسبب المعديات المتهالكة أو المخالفة أو كما يطلقون عليها«معديات الموت» لدرجة أنه لا توجد محافظة إلا وحدثت به حالة غرق سواء في المناطق العشوائية أو الراقية علي امتداد جميع محافظات مصر،بعدما شاء حظهم العثر اللجوء اليها باعتبارها الوسيلة الوحيدة للانتقال الي العالم الخارجي. وتلك ظواهر الإهمال والسلبية التي أصبحت الآن مبدأ سائدا في أداء الأجهزة التنفيذية المختصة في ظل غياب الصيانة والمتابعة الدورية علي المعديات النيلية،وتنتشر المخالفات علي نهر النيل في محافظاتالقاهرة والجيزة والقليوبية وأسوان والبحيرة وكفر الشيخ والمنوفية والغربية والدقهلية وبني سويف مما يهدد حياة آلاف المواطنين. إنها دعوة لتضافر جهود جميع الجهات التي لها صلة بالمنظومة النهرية سواء الأهلية أو الحكومية كلا في مجال اختصاصه للتوصل لآلية مناسبة تمكنهم من حماية النيل وتطهير المجري، وتطوير عمليات الرقابة علي الأداء والصيانة والتفتيش المفاجئ والاستثمار في مشاريع المعديات والنقل النهري. وتبقي الأسئلة معلقة بل إجابات: الي متي سيستمر مسلسل الإهمال والعشوائية؟ ومتي تتوقف حوادث غرق المصريين عبر المعديات في النيل؟ ولماذا تغمض الأجهزة الرقابية والمجالس المحلية أعينها عن حماية وتطهير مجري النهر من مصائد الموت؟ حوادث مفزعة وباستعراض حوادث المعديات المفجعة أشهرها حادثة غرق مركب رحلات بعد اصطدامه بسفينة لنقل البضائع «صندل» في نهر النيل مؤخرا الذي راح ضحيتها 21 شخصا بينهم نساء وأطفال، وكذلك حادثة غرق معدية مدينة سمالوط بالمنيا، والتي راح ضحيتها 30 مواطنا سقطت سياراتهم من علي المعدية. وأيضا وقعت حادثتا غرق معديتين في رشيد راح ضحيتها 9 أشخاص بخلاف المصابين، وما خفي كان أعظم. خطة وزارة النقل مؤخرا فاجأنا الدكتور سعد الجيوشي وزير النقل بقوله: إن الدولة لم تستفد من نهر النيل جيدا لكنها تتمتع بموارد كثيرة تؤهلها لتكون أغني دولة اقتصادية في العالم، وأضاف: إن معديات النيل غير آمنة وليس عليها رقابة حيث يوجد حوالي 200 ألف معدية منها 2000 فقط مرخصة وتحت رقابتنا،وهومايجعلنا نتوقع المزيد من الكوارث النيلية والخسائر البشرية. ضوابط ملزمة بداية قال اللواء حامد العقيلي مساعد وزير الداخلية، مدير الإدارة العامة لشرطة البيئة والمسطحات المائية: إن خطة الإدارة تقوم علي منع الجريمة قبل وقوعه، من خلال التنسيق مع الأجهزة المعنية في مواجهة فوضي المعديات المخالفة والحملات الأمنية والتفتيش بصفة دائمة، علي جميع المعديات النيلية للتأكد من مدي التزامها بمعايير السلامة والأمان، وعدم مخالفتها للقانون وحرصا علي أرواح الركاب. وأضاف مساعد وزير الداخلية: توجد 2000 معدية نيلية مرخصة من إجمالي 10 آلاف مركبة تعمل في نهر النيل، ويوضح: هناك نوعان من المعديات الأولي «معديات آلية»، خاضعة لهيئة الإنقاذ النهري ووزارة الري، تربط بين محافظة وأخري، والثاني معديات غير آلية، تتواجد علي الترع والمصارف الكبيرة وتكون خاضعة للوحدات المحلية داخل كل محافظة علي حدة. ثم عاد مساعد وزير الداخلية وقال: قانون 10 لسنة 1956، المعدل بقانون 57 لسنة 1962 في شأن الملاحة الداخلية عقوبته ليست رادعة، فحسب نص القانون يعاقب بغرامة 100 جنيه، على كل معدية مخالفة، وكذلك حدد عقوبة مخالفات انتهاء رخصة أصحاب المعديات النيلية بغرامة تقدر بمبلغ 10 جنيهات، طبقاً لأحكام القانون، مطالباً بضرورة وجود تعديل تشريعي، لتغليظ العقوبات المناسبة تجاه المخالفين، وذلك بفرض غرامات تصل إلى 50 ألف جنيه، إلى جانب تطبيق عقوبة الحبس المشدد. كما ناشد «مساعد وزير الداخلية» ضرورة تطوير منظومة النقل النهرى، الذي يساعد على تحقيق عوائد مباشرة علي الاقتصاد القومي، من خلال سرعة نقل البضائع، وإتاحة وسائل نهرية من أرخص وأفضل وسائل نقل البضائع، كما ينصح بأهمية توجه الدولة نحو إنشاء «كبارى» علي الطرق، بدلاً من معديات الأفراد، لتفادى المخاطر المفاجئة. مكافحة فوضي المعديات هذه التعديات الكبري تمثل خطراً داهماً على المواطنين، كما يؤكد مصطفي عبدالرؤوف، خبير النقل النهرى. وأوضح أن نهر نهر النيل يعاني من الفوضي والإهمال والعشوائية، ووضع منظومة النقل النهري في مصر «مأساوية».. فمعديات معظمها «غير مرخصة»، ولا علاقة لها باشتراطات السلامة والأمان المطلوبة، وأصحابها لا يفقهون شيئاً في أسس الملاحة النهرية، ولا تخضع لأى رقابة، أو متابعة من التنفيذيين علي المعديات بنهر النيل، مما يتسبب في إلحاق الضرر بآلاف المواطنين، وتزداد حوادث الغرق عبر المعديات. ثم عاد «خبير النقل النهرى» وقال: إن هذه المشكلات هي مسئولية الدولة في المقام الأول، لتركها الوضع بهذا السوء، الأمر الذي يتطلب توحيد جهة منح الترخيص للمعديات النيلية تعد الخطوة الأولى على طريق الإصلاح، إضافة إلى إقرار الجزاءات الرادعة المتعلقة بجرائم النقل، وتشجيع القطاع الخاص علي عمل مشاريع معديات جديدة، ومحطات لانتظار الركاب، ووحدات لتنظيم مرور مركبات النقل. وأضاف: تكلفة المعديات ما بين مليونين وثلاثة ملايين جنيه، حسب حجمها وحمولتها والتجهيزات الداخلية، ويتكلف استصدار ترخيص المعدية لأول مرة ما بين 2000 و3000 جنيه، والتجديد كل عامين بتكلفة تتراوح بين 30 و50 ألف جنيه، بعد مراجعة توافر وسائل الأمان، وغرامة المعديات المخالفة لا تتعدى 100 جنيه، وفقاً للقانون رقم «10» لسنة 1956 والمعدل بقانون رقم «57» لسنة 1962 في شأن الملاحة الداخلية، وهو بحاجة إلي تغيير جذرى، مضيفاً أن حجم البضائع المتداولة بواسطة النقل النهرى في مصر تقدر ب500 مليون طن سنوياً، ونصيب النقل النهرى منها 1٪، وهي نسبة ضئيلة، في ظل مرور نهر النيل من أقصى الجنوب للشمال. مقترحات للتطوير أما المهندس حسين العطفى، وزير الموارد المائية والرى الأسبق، فيرى أن ما يحدث يعد جريمة في حق نهر النيل، وهو ما يتطلق إعادة هيكلة منظومة المعديات النيلية علي أسس علمية مؤسسية تشريعية سليمة ومنظمة للاهتمام بمجري النيل، خاصة أنه مستقبل واعد للنقل النهرى، ويمكن الاستثمار في مشاريع المعديات والنقل النهرى، في ظل وجود وسائل أمان وسلامة أعلى لهذه المعديات، وإشراف 10 لجان فنية ومالية وإدارية تقوم بمهام المراجعة والتفتيش بوزارة الرى، مشيراً إلى أن حجم الاستثمار في قطاع النقل النهرى حالياً أقل من «1٪» من إجمالى حجم نقل البضائع فى مصر. أوضح أن وضع منظومة النقل النهرى في مصر يحتاج إلى تطوير عاجل لتحقيق التنمية الاقتصادية المطلوبة لهذا القطاع، وهي 7 محاور رئيسية.. أولاً الرقابة المشددة علي كل المعديات النيلية، من خلال غرف مزودة بأحداث الوسائل التكنولوجية المتطورة، وذلك بالتنسيق مع الأجهزة المعنية لفحص جميع تراخيص المعديات التي تعمل بالمسطحات المائية لبيان مدي مطابقتها لمواصفات الصحة والسلامة، وذلك بوجود أطواق وسترات النجاة وطفايات الحريق، وأن تتناسب أيضاً أفراد الطاقم مع السعة الاستيعابية للركاب في كل معدية، وثانياً الإسراع في وقف تشغيل المعديات المخالفة فوراً، لخطورتها على حياة المواطنين، وتشديد العقوبات علي المخالفين، وثالثاً ضرورة الالتزام بالحمولة المقررة طبقاً للتراخيص الصادرة لها، ورابعاً إجراء تحاليل دورية لجميع سائقى المعديات لمعرفة ما إذا كانوا يتعاطون مواد مخدرة، ورفع درجة الوعي لديهم بأهمية احترام القانون، وسلامة الركاب، خاصة مع وجود آلاف المعديات القديمة والمتهالكة، وخامساً إصلاح التشريعات في شأن الملاحة الداخلية والسلامة النهرية، وسادساً تنفيذ أعمال التنمية والتطهير لحماية المجري المائى للنهر، وسابعاً تحفيز الاستثمار في النقل النهرى، لأن المعديات تعد وسيلة نقل اقتصادية يمكن الاستفادة منها، في زيادة موارد القطاع، مما يدر عوائد مالية كبيرة علي الدولة، مشيراً إلي أهمية الاستفادة من التجارب الناجحة لدول المجر وهولندا واليابان وكوريا الجنوبية في مجال النقل النهرى. مؤشرات وأرقام 2000 معدية نيلية منها 180 ألف معدية نيلية «غير مرخصة» في عموم محافظات مصر. المعديات الآمنة تصنع تحت إشراف هيئة النقل النهري بتكلفة 3 ملايين جنيه. المعديات الآلية مسئولية «النقل النهرى».. والمركبات الشراعية مهمة «الوحدات المحلية». الإدارة العامة للمسطحات دورها قانوني فقط.. و«الرى» مسئولة عن التراخيص فقط. ترخيص المعدية لأول مرة بين 2000 و3000 جنيه.. والتجديد كل عامين بعد مراجعة توافر وسائل الأمان. مهزلة أقصي غرامة علي المعديات المخالفة لا تتعدى 100 جنيه في قانون «57» لسنة 1962.. ولا عزاء للمواطنين. الإهمال الحكومى وغياب الصيانة وتقادم المعديات النهرية سبب الحوادث. المعديات المخالفة تنتشر في محافظاتالقاهرة والجيزة والقليوبية وأسوان والبحيرة وكفر الشيخ والمنوفية والغربية والدقهلية وبني سويف في المقدمة. 1٪ من إجمالى البضائع المتداولة لقطاع النقل هي حجم الاستثمار النهرى فى مصر وتقدر بنحو 500 مليون طن سنوياً. إعادة هيكلة منظومة النقل ورفع كفاءتها.. وتنظيم جهات التفتيش للتأكد من تنفيذ المواصفات.. وضوابط صارمة لمنع المخالفات. خبراء الأمن والطرق يحملون وزارات الري والزراعة مسئولية انتشار الظاهرة. 10 لجان فنية ومالية وإدارية تقوم بمهام المراجعة والتفتيش بوزارة الرى. الاستفادة من تجارب دول المجر وهولندا واليابان وكوريا الجنوبية في مجال النقل النهرى.