تمثل جهات الخبرة وعلى رأسها مصلحة الطب الشرعي أحد أهم روافد العدالة في مصر، فهي عين القاضى لتحقيق العدالة الناجزة والمسئولة عن الدليل الفني في القضايا والقانون المصري جعل القاض هو الخبير الأعلى إلا أنه أبطل حكمه أن تعرض لمسألة فنية برأيه الشخصي وألزمه بالعودة لتقارير الخبراء. والتقرير المعيب إما أن يضلل القاضي أو يغل يده عن تحقيق العدالة، وإبطاء إنجاز التقارير سبب مباشر ليحول دون تحقيق العدالة الناجزة. ورغم أن مصلحة الطب الشرعي تضم خبراء أكفاء في كافة المجالات يعملون في اجواء وظروف غاية في الصعوبة إلا أن الشبهات والشكوك تحاصر تقاريرهم العلمية في القضايا الكبرى خاصة مع استمرار تبعيتهم للسلطة التنفيذية ممثلة لوزارة العدل وبدلا من ان تكون تلك التقارير حسما لأي خلاف أو جدل لأنها تقارير علمية أصبحت محل شك ورفض حتى وإن كانت صحيحة. ولعل حادث مقتل الشاب الإيطالى ريجينى وتصدى مصلحة الطب الشرعي لإصدار تقريرها الفنى بحكم عملها لن يكون الأول والأخير لتجسيد هذا الواقع المرير. واجتهد خبراء الطب الشرعي وقاموا بتدشين «اللجنة التأسيسية لاستقلال وتطوير الطب الشرعي» وتواصلوا مع لجنتي صياغة دستوري 2012 و2014 حتى تمكنوا لأول مرة في تاريخ مصر وتاريخ المنطقة العربية من صياغة مادة دستورية تنص على استقلال الخبراء وحمايتهم أثناء تأدية وظائفهم في فصل خاص بالخبراء في باب السلطة القضائية فهل سيتحقق حلمهم وتتم صياغة قانون باستقلالهم نناقش القضية خلال السطور التالية؟. الدكتور أحمد محمد وليد النصر مدير إدارة بأبحاث التزييف والتزوير مصلحة الطب الشرعي بالاسكندرية قال إنه نتيجة لسوء المنظومة الإدارية والتشريعية بمصلحة الطب الشرعى فقد انحدر مستوى الطب الشرعي وغاب عن أغلب أقسامه التدريب والتعليم الفني المستمر ومواكبة أحدث ما وصل اليه العالم في هذا المجال – إلا بعض الاجتهادات الفردية التي لا تربطها خطة أو منهج واضح غابت فكرة التفتيش الفني ومراجعة اعمال ومستوى الخبراء وأصبح التفتيش أمرا روتينيا يعني بالكم دونا عن الكيف. وأضاف أن «اللجنة التأسيسية لاستقلال وتطوير الطب الشرعي» استطاعت التواصل مع لجنتي صياغة دستوري 2012 و2014 وتمكنوا لأول مرة في تاريخ مصر وتاريخ المنطقة العربية كلها من تأسيس مبدأ دستوري ينص على استقلال الخبراء وحمايتهم اثناء تأدية وظائفهم في فصل خاص بالخبراء في باب السلطة القضائية مشددا على حتمية استقلال الطب الشرعي بصفة خاصة واعمال الخبرة بصفة عامة. وأضاف: لأول مرة تم تخصيص فرع كامل للخبرة في باب نظام الحكم (المادة 199) نص فيه على ضرورة استقلال الخبراء وتوفير الضمانات والحماية اللازمة لأداء عملهم. وتنص المادة 199 من الدستور الحالى على «الخبراء القضائيون وخبراء الطب الشرعي والأعضاء الفنيون بالشهر العقاري مستقلون في أداء عملهم ويتمتعون بالضمانات والحماية اللازمة لتأدية أعمالهم على النحو الذى ينظمه القانون». وأكد وليد أن النص الدستورى يلزم المشرع بضرورة تعديل قانون الخبرة الحالي ليحقق المتطلبات الاساسية التي نص عليها الدستور لعمل الخبراء وهي الاستقلال والضمانات والحماية. مشددا أن استمرار تبعية الطب الشرعي للسلطة التنفيذية مخالفة دستورية والادعاء بان هذه التبعية إدارية فقط وليست فنية هو ادعاء باطل لأن من يملك السلطة الإدارية من حق النقل والندب والعقاب والثواب ويملك التأثير في الرأي الفني. وأكد «وليد» أنه تقدم ببحث بعنوان «الطب الشرعى ومنظومة العدالة» في مؤتمر البحوث الجنائية الجارى عقده حاليا. وكشف الدكتور أحمد وليد أن الخبراء بالمصلحة انتهوا من إعداد مشروع بقانون لتحويل الطب الشرعي لهيئة مستقلة متوافقة مع الدستور الجديد وجارى الآن التواصل مع أعضاء مجلس النواب بمختلف انتماءاتهم واتجاهاتهم لتبني مقترح القانون لأن إصلاح منظومة العدالة هو الخطوة الأولى لأي إصلاح أو تنمية. مضيفا أن مقترح القانون الجديد يهتم بفكرة تطوير البحث العلمي والتدريب والتفتيش الفني ويخصص لها أبوابا وإجراءات محددة بالقانون بعد أن تم إهمالها لسنوات طويلة نتيجة للتبعية لوزارة العدل ويوازن مقترح القانون الجديد بين الواجبات والحقوق فيشدد الرقابة على أعمال الخبراء ويجعلهم تحت رقابة ذات اللجان القضائية التي تراقب صلاحية القضاة ويمنع عليهم ما يمنع عن القضاة بوصفهم عين ودليل القاضي في الدعوى. أشار الدكتور أحمد وليد الي أن مصلحة الطب الشرعي تتكون الآن من أربع إدارات فنية هى الطب الشرعي الميداني وهو المسئول عن التحقيق العلمي في كافة حالات الوفاة وأسبابها والتعذيب والمسئولية الطبية وغيرها والطب الشرعي المعملي وهو المسئول عن فحص كافة السوائل الحيوية وقضايا اثبات النسب والتعرف على الجثث والاشلاء وغيرها ومعامل السموم والمخدرات وهي المسئولة عن الفحص الكيميائي للسموم والمخدرات بكافة انواعها وغيرها وأبحاث التزييف والتزوير وهو المسئول عن قضايا التزوير في المستندات بانواعها المختلفة ومضاهاة الخطوط وتزييف العملة وقضايا بطاقات الائتمان وغيرها. وحاليا تتبع المصلحة قطاع الأجهزة المعاونة بوزارة العدل والذي يضم مصلحة الطب الشرعي ومصلحة خبراء وزارة العدل والشهر العقاري ويشرف على المصلحة المستشار مساعد وزير العدل لشئون الطب الشرعي والذي يقوم بالادارة الفعلية لشئون المصلحة. أضاف احد خبراء الطب الشرعي فضل الاحتفاظ بعدم ذكر اسمه أنه منذ عام 1952 يعانى خبراء وزارة العدل (الطب الشرعى والشهر العقارى) من عدم وجود قانون موحد ينظم أعمالهم ويحميهم أثناء تأدية عملهم رغم خطورة ما يقومون به فى فصل العديد من القضايا التى تصل سنويا إلى أكثر من 900 ألف قضية تصدر تقارير بشأنها لخدمة 20 مليون مواطن تقريبا ويعمل به اكثر من 3 آلاف خبير قضائي. وأشار الي أن القانون الذى ينظم أعمالهما هو قانون تنظيم أعمال الخبراء أمام القضاء رقم 96 لسنة 52 صدر بمرسوم من الملك فاروق وأصبح غير مواكب لنوعية الجرائم المختلفة التى يتم نظرها الآن. ويشير الي أن خبراء الطب الشرعى في مصر يتعرضون لإشكالية حيث يخضعون للمرسوم بقانون 96 لسنة 1952 عندما يتم تطبيق العقوبات عليهم، وفى نفس الوقت يطبق عليهم قانون العاملين المدنيين بالدولة عندما يتم تطبيق العلاوات والترقيات والاهم انهم يعملون في اجواء وظروف صعبة للغاية مع قلة الإمكانات الفنية والدعم الموجه لعملهم. وأضاف حاليا كافة الخبراء بالطب الشرعى يطالبون البرلمان بتفعيل القانون الخاص بهم وتحويلهم لهيئة مستقلة وإنقاذهم من براثن السلطة التنفيذية التى تجعلهم دائما محل شكوك. وأوضح أن التقارير الصادرة عن خبراء الطب الشرعى والخبراء تعتبر من أقوى الأدلة لدى جميع المحاكم والقضاة والمدهش ان المشرع القانونى والدستورى على حد سواء قد كفل لأعضاء الهيئات القضائية كل الضمانات والحمايات والحصانات والمميزات المالية لضمان حيدة القضاء وامتدت هذه الميزات الى هيئات مثل النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ولكن كان من الأولى أن يكون وضع الطب الشرعى والخبراء لا يقل عن مكانة ووضع وحصانات وضمانات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة. اضاف خبير اخر فضل الاحتفاظ بعدم ذكر اسمه ان تحويل الطب الشرعى لهيئة مستقلة يعد من القواعد الدولية والأنظمة القضائية بدول العالم المتحضر ويتوافق مع ما أقرته الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التى وقعت عليها مصر عام 2005 والاتفاقية العربية للتعاون القضائى عام 1983 التى تنص على حصانة الخبراء.