تستعد الحكومة حالياً لتنفيذ خطط الإصلاح الإداري لأجهزة الدولة، وتعتمد هذه الخطط في جوهرها على قانون الخدمة المدنية الجديد، إلا أن الرفض الذي واجهه هذا القانون سواء من جانب معظم موظفي الجهاز الإداري أو داخل مجلس النواب يدفع إلى ضرورة الوقوف على أهمية تقييم تلك الإصلاحات الإدارية ودورها في تحقيق التنمية المستهدفة، ويعد الجهاز المركزي للمحاسبات المسئول الأول عن إجراء هذا التقييم، من خلال مراقبة الأداء الحكومي مالياً وإدارياً وقانونياً.. ولكن أمام اللغط الكبير الذي حدث مؤخراً حول أداء جهاز المحاسبات بشأن تقرير الكشف عن حجم فساد بقيمة 600 مليار جنيه، أصبح ضرورياً إعادة تقييم أداء الجهاز المركزي للمحاسبات والوقوف على أوجه القصور التي يعاني منها وتؤثر على دوره ومدى تفعيل تقاريره. ويمارس الجهاز 3 أنواع من الرقابة، تتمثل في الرقابة المالية بشقيها المحاسبي والقانوني، ورقابة الأداء ومتابعة تنفيذ الخطة، والرقابة القانونية على القرارات الصادرة في شأن المخالفات المالية.. ووفقاً للدستور والقانون، يعد الجهاز المركزي للمحاسبات أحد المؤسسات الرقابية المهمة في مصر التي تعمل على مكافحة الفساد العام وتعزيز الشفافية والمساءلة المالية، ويقوم المركزي للمحاسبات بشكل من أشكال التدقيق المالي الخارجي على المال العام، بموجب القانون رقم 144 لسنة 1988 والمعدل بالقانون رقم 157 لسنة 1998، حيث يعد الجهاز وفقاً لهذا القانون هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية عامة يتبع رئيس الجمهورية بصفته رئيساً للدولة، ويهدف إلي تحقيق الرقابة على أموال الدولة وأموال الأشخاص العامة الأخرى ومراقبة تنفيذ الموازنة العامة للدولة والموازنات المستقلة ومراجعة حساباتها الختامية، كما يعاون مجلس النواب في القيام بمهامه في هذه الرقابة. وحدد المجلس الوطني المصري للتنافسية في تقرير له أسباب ضعف أداء الجهاز المركزي للمحاسبات في أولاً: عدم إلزامية توصيات الجهاز، حيث لا توجد آلية مؤسسية تضمن تنفيذها، فضلاً عن عدم قدرته على فرض عقوبات على المخالفين. وثانيا: أن تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات لا تنشر علي العامة مما ينتقص من شفافية الجهاز في أداء عمله. وثالثا: يقوم الجهاز بالمراقبة علي أداء الأجهزة الحكومية المختلفة دون وضع معايير واضحة ومحددة لقياس كفاءة هذا الأداء، مما تسبب خلال السنوات الماضية في تكرار معظم ملاحظات جهاز المحاسبات على هذه الأجهزة. ووضع «الوطني للتنافسية» عدة جوانب للإصلاحات الواجب اتخاذها لتحسين دور جهاز المحاسبات، وأكدت أمنية غانم المدير التنفيذي للمجلس الوطني للتنافسية أن أبرز هذه الإصلاحات يتمثل في الإطار القانوني المنظم للجهاز بما يضمن له مزيداً من الاستقلالية في ضوء المعايير المهنية والمحلية والدولية، وأيضاً المستجدات السياسية والاقتصادية، كما أوصى المجلس بإصدار قانون جديد يحكم عمل الجهاز ولائحة داخلية جديدة له في ضوء الدستور، على أن يضمن للجهاز الاستقلال المالي الكامل وقدرته على متابعة تنفيذ توصياته. وطالب مجلس التنافسية بضرورة النص في القانون الجديد على إتاحة التقارير الخاصة بالجهاز للرأي العام لتعزيز مستوى الشفافية، فيما يخص عمل الجهاز والنتائج التي يتوصل إليها، وذلك بما يتوافق مع المبادئ التي وضعتها المنظمة الدولية للمؤسسات العليا للتدقيق والمراقبة المالية INTOSAI لتعزيز الشفافية والمساءلة في المؤسسات العامة، حيث تؤكد المنظمة أن هذه المبادئ تساعد متخذي القرار على وضع مثال يحتذى به في إدارتهم للمؤسسات الحكومية، كذلك لابد من وجود معايير واضحة للمراجع المالي الخارجي والنص عليها في الإطار التشريعي المقترح، الأمر الذي يسهم في تعزيز انضباط والتزام الأجهزة الحكومية. وأشار المجلس إلى أهمية أن يكون لجهاز المحاسبات ميزانيته الخاصة التي يتم اعتمادها من قِبَل لجنة تابعة للسلطة التشريعية فقط وليس من قِبَل وزارة المالية.. إلى جانب ذلك، لابد أن يكون الجهاز قادراً على توظيف العاملين لديه بشكل مستقل، وتحديد مجال وأساليب العمل، وتقديم تقارير دورية إلى السلطة التشريعية عن أدائه وعن نتائج المراجعة الذي يقوم بها. وفيما يخص المراجعين الماليين العاملين في الجهاز المركزي للمحاسبات، لابد أن يتمتعوا بالاستقلالية اللازمة، مع تبني برامج تنمية مهاراتهم بصورة مستمرة حتى يمتلكوا المعرفة والمهارة والخبرة اللازمة لإتمام عملية التدقيق بنجاح.. وتشمل هذه المهارات الخبرة العملية للمراجع، ومعرفة المعايير والتشريعات المطبّقة، وفهم أنشطة وعمليات الجهاز. وشدد «الوطني للتنافسية» على المطالبة بإنشاء نظام للتدقيق المالي الداخلي داخل الجهات الحكومية نفسها وعدم الاكتفاء بدور المراجع المالي قبل الصرف الذي تقوم به وزارة المالية أو المراجع الخارجي الذي يقوم به المركزي للمحاسبات، حيث جاء غياب نظام المراجع الداخلي أحد الملاحظات السلبية بالتقارير الدولية الصادرة عن أداء الجهاز الإداري المصري.