شهدت مدينة بنغازي في الأيام القليلة الماضية تطورات عسكرية مفاجئة، حيث تمكن الجيش الليبي من طرد مسلحي "داعش" وحلفائه من مواقع استراتيجية عدة ومناطق مهمة. هذه التطورات المتسارعة التي أنهت فيما يبدو جمودًا تواصل أكثر من عام، رافقتها أنباء عن دور عسكري فرنسي غامض في انتصار القوات التي يقودها الفريق أول خليفة حفتر القائد العام للجيش الليبي التابع للحكومة المعترف بها دوليًا. وكان موقع "هافينغتون بوست عربي" نقل عن مصادر أمنية ليبية أن قوات فرنسية خاصة وصلت في المدة الماضية إلى بنغازي لتقديم الدعم لقوات حفتر في عملياتها العسكرية، وأنها تمركزت داخل قاعدة بنينة الجوية، حيث أنشأت غرفة عمليات مشتركة يرأسها من الجانب الليبي العقيد سالم العبدلي. وتحدثت صحيفة "لوموند" لاحقًا في مقالة لها عن وجود قوات فرنسية وعناصر من أجهزة الاستخبارات منذ أشهر عدة في ليبيا، مشيرة إلى دور فرنسي في العملية التي أدت إلى مقتل أبو نبيل العراقي الذي يوصف بأنه أكبر مسئول لتنظيم "داعش" بليبيا خلال غارة أمريكية نُفذت في محيط مدينة درنة شرق البلاد في نوفمبر الماضي. وفيما يشبه التأكيد الضمني لوجود دور فرنسي عسكري في ليبيا لم تتضح معالمه بعد، أعلن وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان عن فتح تحقيق بشأن تسريب صحيفة لوموند معلومات حساسة. وتضاربت الأنباء حول عدد القوات الفرنسية الموجودة في ليبيا، وفيما لم تحددها بعض المصادر، قدرتها أخرى ب180 جنديًا، واكتفت وسائل إعلام فرنسية بالقول إنها مفرزة صغيرة. وألقى عدم وجود معلومات محددة عن نشاط هذه القوات، وعن طبيعة المساعدة التي تقدمها لقوات الجيش الليبي بقيادة حفتر، المزيد من الغموض بشأن دور فرنسي لا توجد أي دلائل ملموسة تؤكده حتى الآن، إلا أن بعض الأطراف عزت التقدم الأخير إليه. وبالمقابل عبّر علي أبو زعكوك وزير خارجية حكومة الانقاذ الوطني في طرابلس عن إدانة أي تدخل أجنبي من أي دولة لمساندة حفتر، ووصف القوات الفرنسية التي يقال إنها تسانده ب"المرتزقة"، متهمًا القائد العام لقوات الحكومة المنافسة في طبرق باستجلاب مرتزقة من إفريقيا، والاستعانة بمنتسبي اللواء 32 معزز الذي كان يقوده أحد أنجال القذافي. ومن جهة أخرى، سخر نشطاء ليبيون من سكان بنغازي في مواقع التواصل الاجتماعي من أنباء مشاركة قوات فرنسية في طرد مسلحي التنظيمات المتطرفة من مواقع تحصنها بالمدينة، ونشر عدد منهم صورًا لكبار الضباط صحبة جنودهم مع إضافة أسماء فرنسية إلى ألقابهم. ويمكن القول إن ظهور شبح القوات الفرنسية وشبح اللواء 32 معزز في هذا الظرف له دلالات واضحة على انقلاب الموقف شرق ليبيا رأسًا على عقب، خصوصًا أن اكتساح مواقع "داعش" وحلفائهم في بنغازي تزامن مع السيطرة التامة على مدينة إجدابيا التي كانت تعد معقلًا مهمًا لتنظيمات توصف بالمتطرفة. كما يمكن وضع الإشارات عن دور فرنسي في شرق ليبيا في إطار تغير متزايد في موقف الدول الغربية من محاربة "داعش" في ليبيا الذي كان يرتبط بتشكيل حكومة توافق وطني. هذا الاتجاه تعزز مع شن الولاياتالمتحدة غارة يوم الجمعة الماضي استهدفت موقعًا في مدينة صبراتة إلى الغرب من العاصمة طرابلس، وأدت إلى مقتل 49 من عناصر "داعش"، معظمهم من تونس، تلاه إعلان روما أنها ستسمح لواشنطن بضرب أهداف في ليبيا بواسطة طائرات من دون طيار انطلاقًا من قواعد بجزيرة صقلية. تبدو رمال ليبيا في هذا الخضم كما لو أنها تتحرك بسرعة أكبر من السابق ما يفتح الباب أمام كل الاحتمالات، خصوصًا مع تعذر تشكيل حكومة الوفاق الوطني وتواصل التجاذب العنيف بين حكومتي طبرق وطرابلس، ومناداة البعض بانفصال برقة، واستمرار سيطرة داعش على مدينة سرت ومحيطها، والوضع الغامض في مدينة صبراتة وما حولها. كل ذلك يجعل من ليبيا قبلة مرشحة بقوة للأضواء وللمفاجآت في الأيام المقبلة.