أثارت الدعوة السعودية للتدخل البري في سوريا من أجل اقتلاع بشار الأسد من كرسي الحكم في دمشق جدلا واسعا فى الأيام الأخيرة، وأكد الخبراء والمتخصصون فى الشأن الدولى والاقليمي أن هناك دلالات غير مفهومة لهذه الدعوة، حيث اعتبر البعض أنها تثير عددا كبيرا من علامات الاستفهام، حول قدرة السعودية على التمدد العسكري إلى المنامةوعدن وصنعاء وإلى دمشق وحلب، وهي الدولة التي لم تحارب في تاريخها قط، ولم تنتظم في معركة تحت قيادة سعودية إلا في الحرب الأخيرة الجارية حاليا ضد المتمردين الحوثيين المتحالفين مع رئيس اليمن المعزول علي عبدالله صالح والتي أعلنتها السعودية في مارس الماضي. وبدلا من أن تقوم القيادة العسكرية السعودية بإعادة تقييم الأوضاع في اليمن مع اقتراب الذكرى الأولى لشن الحرب التي اعتقدت القيادة السعودية وهي تعلنها في مارس 2015 أنها ستستغرق عدة أسابيع، نجدها بدلا من ذلك تعلن بنفسها استعدادها لإرسال قوات برية إلى سوريا، لإسقاط بشار الأسد، وهو ما يعني التمدد العسكري في منطقة تمتد من عدن في الجنوب إلى حلب وإدلب في الشمال. جاءت بداية الأزمة عندما دعت السعودية إلى إقامة تحالف إسلامي عسكري مناهض للإرهاب تحت قيادة سعودية- تركية، لكن تركيا ترددت في أن تعلن أنها ستكون طرفا في القيادة. ثم أعلنت السعودية أن القوات ستكون لمكافحة الإرهاب والمحافظة على الأمن القومي للدول الأعضاء فيها، كما لو كان هذا التحالف هو «الصورة الإسلامية» من حلف شمال الاطلنطي. لكن الردود الباردة من الدول التي ظنت الرياض أنها ستقف بجانبها، ومنها تركياوالإمارات أدى إلى تغيير في الصيغة وفي النبرة. وكان رد السعودية هو أنها على استعداد لإرسال قوات خاصة برية إلى سوريا تعمل تحت قيادة التحالف الذي تقوده الولاياتالمتحدةالأمريكية، فهل هو تحالف عسكري أم مجرد تدخل سعودي؟ هذا ما تفسره دراسة للمركز العربي للبحوث السياسية حيث أكدت الدراسة التى أعدها الباحث السياسي الدكتور ابراهيم نوار المستشار السابق لدى الاممالمتحدة سابقا بعنوان «غرور القوة ومصادر العنف: احتمالات التدخل السعودى فى سوريا» أن الدعوة السعودية للتدخل البري في سوريا التى صدرت غير ناضجة وغير مدروسة كما لو كانت ردا انفعاليا على تطورات الأحداث، وأوضح أن الدعوة في غير مصلحة حلفاء السعودية العسكريين (مثل جبهة النصرة، وجبهة أحرار الشام وجماعة جيش الإسلام وغيرها من جماعات المرتزقة الإسلامية المتطرفة المسلحة) وأن الدعوة السعودية انزلقت للتدخل البري في سوريا خلال أقل من أسبوع، من إعلان تشكيل قوة إسلامية مشتركة تحت قيادة الرياضوأنقرة إلى مجرد إرسال قوات خاصة سعودية برية تعمل تحت قيادة الولاياتالمتحدة في سوريا!. الدولة الوحيدة التي بايعت الدعوة السعودية بدون قيد أو شرط كانت مملكة البحرين. الحرب التي تريد فيها «القوى السياسية الشيعية» أن تثبت أنها الوجه المتقدم والمسالم للإسلام والمسلمين في عالم إسلامي تحاول السيطرة عليه «القوى السياسية السنية» هذا ما أوضحته الدراسة. وقالت الدراسة إن السياسة الدفاعية السعودية تكشف عن تخبط عميق في التوجهات منذ قمة كامب ديفيد الأمريكية- الخليجية في مايو من العام الماضي. وقد ازدادت حدة هذا التخبط منذ منتصف شهر ديسمبر 2015 ، وبدا بعد ذلك أن وزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان، ووزير الخارجية عادل الجبير يدفعان بقوة في اتجاه التمدد العسكري خارج حدود المملكة لإثبات أنها القوة الجديرة بقيادة العالم الإسلامي في مواجهة إيران. ونظرا لتردد الموقف المصري حيال «نزعة التمدد العسكري السعودي» فإن السعودية تعول كثيرا على أنقرة. لكن حسابات أنقرة تختلف كثيرا عن حسابات السعودية. وقد تلقت أنقرة نصائح قوية من حلفائها الغربيين، بما في ذلك قيادات أوربية وأمريكية بعدم التورط في صراع يبدو أنه على النفوذ بين كل من السعودية وإيران. ومع ذلك فسوف تحتاج تركيا إلى الدفاع عما تعتبره مصالحها الاستراتيجية في سوريا، بزعم الدفاع عن حقوق السوريين التركمان ومواجهة النزعة الاستقلالية لدى الأكراد، والعمل على تأكيد وجود دور رئيسي لها في تقرير مصير منطقة الشرق الأوسط. وأضافت الدراسة أن المعسكر الذي يقف في مواجهة روسياوإيران والأسد وحزب الله لا يضم على الأرض قوى شديدة الصلابة يصعب قهرها، وإنما يضم جماعات متناحرة تقف داعش منها في ناحية، وجبهة النصرة والجماعات الأخرى المسلحة في ناحية أخرى. وقد أعلنت السعودية أن القوات ستكون لمكافحة الإرهاب والمحافظة على الأمن القومي للدول الأعضاء فيها، كما لو كان هذا التحالف هو «الصورة الإسلامية» من حلف شمال الأطلنطي، مؤكدة أن الدعوة السعودية للتدخل البري في سوريا تسير في عكس اتجاه الأحداث. ومع ذلك فإنه من الضروري أن نقرر هنا أن دوائر سياسية عديدة في العالم، بما في ذلك تجار السلاح سوف تتعاظم مصالحها ومكاسبها في حالة إرسال قوات برية سعودية إلى سوريا. الأهم من ذلك أن المؤسسة الدينية الوهابية هي أكبر المناصرين للتدخل العسكري البري السعودي في سورية، وتعد فعلا عشرات الآلاف من المتطوعين السعوديين والمرتزقة من كل أنحاء العالم الإسلامي، لخوض حرب مقدسة في سوريا، في تكرار للمشهد المأساوي الذي حدث في ثمانينات القرن الماضي، ولا يزال العالم يدفع ثمنه حتى الآن. غرور القوة ومصادر الضعف وقالت الدراسة إن محاولة التمدد العسكري السعودي التي تشتد بصخب التصريحات تجيء بعد سلسلة من وقائع الفشل الإستراتيجي لبناء تحالف عسكري بقيادة السعودية. وقد فشلت محاولة إنشاء قوة عربية مشتركة، وأحيل الموضوع إلى التقاعد في أروقة جامعة الدول العربية. ثم جاءت واقعة فشل إنشاء تحالف إسلامي لمكافحة الإرهاب بعد أن تنصلت تركيا من المشاركة في قيادته واعترضت الإمارات على تلك القيادة. وبذلك انحدرت المحاولة الآن إلى مجرد إرسال «قوات خاصة سعودية» للمشاركة في العمليات الدائرة في سوريا تحت قيادة الولاياتالمتحدة وليس تحت قيادة السعودية أو تركيا. ومن المثير للدهشة - على حد قول الدراسة- أن الدعوة إلى التمدد العسكري السعودي من اليمن إلى البحرين إلى سوريا تجيء في وقت فقدت فيه المملكة العربية السعودية الكثير من مقومات قوتها الاقتصادية. وعلى الرغم من أن بعض المحللين، خصوصا في الولاياتالمتحدة، يهولون من تأثير انخفاض أسعار النفط على السعودية، فإنه يجب الاعتراف بأن السعودية ليست في أحسن أوضاعها الاقتصادية، فبسبب انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية تدهورت إيرادات السعودية من تصدير النفط الخام إلى ما يقرب من 25% فقط ما كانت عليه في النصف الأول من عام 2014. وترافق هذا التدهور مع زيادة الأعباء العسكرية للحرب في اليمن ما أدى إلى زيادة السحب من الاحتياطي المالي الخارجي بقيمة 100 مليار دولار تقريبا خلال العام الماضي. وأوضحت الدراسة أن الدعوة إلى التمدد العسكري السعودي من اليمن إلى البحرين إلى سوريا تجيء في وقت فقدت فيه المملكة العربية السعودية الكثير من مقومات قوتها الاقتصادية. وشددت الدراسة على أن رغبة السعودية في إرسال قوات خاصة إلى سوريا تصطدم أولا بعدد من العقبات اللوجيستية، أولها كيفية الدخول إلى سورية، وهل سيكون ذلك بواسطة إنزال جوي، أو اقتحام بري من الأراضي التركية، وذلك مع استبعاد الممر الأردني الذي يمكن أن تصطدم فيه القوات الخاصة البرية السعودية بعقبات قد تؤدي إلى فناء مثل هذه القوات قبل أن تصل إلى ساحة العمليات في حلب. الأخطر كما ذكرت الدراسة، أن تتأخر الخطوة السعودية حتى تنتهي عمليات حلب بانتصار قوات الأسد، وبذلك لا يصبح إرسال قوات برية سعودية إلى سوريا إلا مجرد خطوة كمية غير نوعية وتكون القوة الخاصة السعودية مثلها مثل أي فصيل تموله وتدربه وتسلحه المملكة العربية السعودية في سورية. ويتضح كل يوم أن الدعوة السعودية للتدخل البري في سوريا لم تكن مدروسة ولم تكن ناضجة، ومن الصعب إنضاجها وأنها مكشوفة تتنازعها توجهات متضاربة من أطراف تختلف مع بعضها بعضا في المصالح. وقالت الدراسة إن الصراع في سوريا لا يتوقف على مجرد الإطاحة بالأسد أو المحافظة عليه، فالصراع في سورية يشتبك اشتباكا عضويا بحلم إقامة دولة كردية تمتد من شمال غرب إيران إلى جنوبتركيا. وقد استطاع الأكراد منذ عام 1990 إقامة تحالف دائم ومستقر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، لم يختلف عليه القادة الأكراد السياسيون أو القبليون، على الرغم من اختلافهم في موضوعات شتى. وفي الوقت الحالي تعمل روسيا على كسب ولاء الأكراد السوريين والعراقيين في آن واحد، وذلك في مسعى للحد من نفوذ تركيا في سورية وتقليص وجودها هناك والحد من إمكانات توسعها أو بناء تحالفات مع قوى محلية سوريا باستثناء التركمان. وانتهت الدراسة إلى أن الدعوة السعودية للتدخل البري في سوريا لم تكن مدروسة ولم تكن ناضجة، ومن الصعب إنضاجها وهي مكشوفة تتنازعها توجهات متضاربة من أطراف تختلف مع بعضها بعضا في المصالح، ومن هنا فإن التدخل البري السعودي في سوريا سيصطدم أيضا بعقبة الأكراد الذين لا يجدون لهم مصلحة في التحالف مع حلفاء تركيا وهي العدو الرئيسي لهم في سوريا وليس بشار الأسد، وأن وجود قوات برية سعودية في سوريا سوف يستفز المقاومة الكردية ضد الوجود العسكري السعودي الذي سيميل بطبيعة الحال إلى تعزيز نفوذ جبهة النصرة وجماعات عسكرية ومدنية أخرى ترعاها السعودية. وأكدت أن الأهم من ذلك كله أن ذهاب قوة برية سعودية إلى سوريا، سيجعل هذه القوة فريسة مثالية سهلة للحرس الثوري الإيراني وقوات حزب الله وقوات بشار الأسد. وستعاني القوات السعودية من ضعف وطول خطوط الإمدادات، والقوات الحليفة لإيران أو القوات السورية والإيرانية ستتمتع بمميزات قصر خطوط الإمدادات وأمانها وقرب القيادة وسهولة الاتصال بين المراكز القيادية وبين القيادات العملياتية على الأرض. والحرب في سوريا ليست حربا سورية خالصة تتعلق بإسقاط الأسد، وليست حربا إقليمية خالصة تتعلق بصراع النفوذ بين السعودية وإيرانوتركيا. إنها حرب عالمية بالمعنى الكامل تتعلق بتوازن القوى العالمي بعد نهاية الحرب الباردة، وهو التوازن الذي لم يتم حسمه حتى الآن بين اتجاهين متصارعين، اتجاه سيطرة القطب الواحد وهو الولاياتالمتحدة تحت مظلة عسكرية أوسع نطاقا تتمثل في حلف الأطلنطي، واتجاه إدارة العالم بواسطة تعددية قطبية تشارك فيها بقدر متماثل تقريبا، قوى قديمة مثل روسيا والصين وقوى صاعدة مثل إيران. الحرب السورية معقدة، متشابكة، مؤلمة وطويلة، وهي ليست ساحة لاختبار القوة السعودية، لأن إيران تنتظرها هناك.