في الوقت الذي تستعد فيه الحكومة المصرية لاتخاذ ما أسماه رئيس الوزراء شريف إسماعيل ب"القرارات المؤلمة"، وهو ما فتح عليه أبواب الانتقادات الإعلامية والشعبية على حد سواء، فإن مصر لا تقف وحدها في الطريق المؤلم، فهناك دول أخرى تفوق مصر في ثرواتها واحتياطياتها النقدية أقدمت ولا تزال تُقدم على إجراءات كان كثيرون يعتبرون أنها درب من الخيال. تأتي المملكة العربية السعودية على رأس الدول التي تستعد لتلك الإجراءات، حيث تسبب الهبوط الحاد لأسعار النفط والحرب التي تخوضها المملكة في اليمن إلى سحب 100 مليار دولار من الاحتياطي النقدي السعودي الذي وصل الآن إلى 640 مليار دولار تقريباً، ورغم ضخامة المبلغ مقارنة بمصر التي لا تملك في الاحتياطي سوى 17 مليار دولار فإن الرياض ستمضي قدماً في إجراءاتها الأليمة. على سبيل المثال، رفعت السعودية بالفعل أسعار البنزين رغم أنها أكبر مصدر للنفط في العالم، وتدرس حالياً فرض ضرائب، وطرح حصص شركة أرامكو النفطية العملاقة للاكتتاب العام في البورصة، إضافة إلى تأجيل العديد من المشروعات العملاقة مرتفعة التكاليف المالية، في ظل الانهيار الحاد للمورد الأساسي للدخل في السعودية وهو النفط، حيث تراجعت الأسعار من 140 دولاراً للبرميل في يونيو 2014 إلى ما دون ال 30 دولاراً للبرميل حالياً. ولا يتوقف الأمر على الوضع الاقتصادي فقط، فقد أجبرت أسعار النفط الحالية السعودية على التفاوض مع روسيا، الداعم الرئيسي لنظام الرئيس السوري بشار الأسد الذي ترغب المملكة في إسقاطه، من أجل تعزيز أسعار النفط، حيث توصلت السعودية وروسيا وقطر وفنزويلا منذ يومين إلى اتفاق يقضي بتجميد إنتاج النفط عند مستويات يناير 2016 في محاولة لحد من تخمة الإمدادات التي تؤثر سلباً على الأسعار. وتشير التقارير الاقتصادية إلى المعاناة التي يواجهها الشباب السعوديون حالياً، حيث أصبح الحصول على وظيفة حكومية أمراً صعباً مقارنة بالأجيال السابقة التي استمتعت بكثير من السخاء الحكومي والدعم الكبير في جميع مناحي الحياة. وسوف تواجه السعودية في المستقبل القريب معضلة صراع الأجيال في الحكم، حيث تشير التوقعات إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز يتجه نحو تنصيب نجله الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد بدلاً من ولي العهد الحالي الأمير محمد بن نايف، وذلك في ظل المهام الكبرى الموكلة لبن سلمان مث وزارة الدفاع والإصلاح الاقتصادي وقيادته للحرب في اليمن. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن السعودية تستطيع امتصاص الصدمة النفطية بفضل الاحتياطي النقدي، ولكن ضخامة العجز في الميزانية والذي أجبر الرياض على سحب 100 مليار دولار من الاحتياطي في عام واحد يعني أن الخطر ليس بعيداً، وأن الإجراءات المؤلمة ستأتي طوعاً أو كرهاً.