بقلم: طارق حجي منذ 1 ساعة 38 دقيقة في سنة 1948 ازداد عنفُ الإسلاميين في مصرَ، وقاموا باغتيال عددٍ من الشخصيات من بينهم حكمدار القاهرة (سليم زكي) وقاضي شهير (الخازندار). وهو ما حض محمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة المصرية على حل جماعة الإخوان المسلمين . فكان ردُ فعل «بعض الإخوان» هو إطلاقَ النار على النقراشي، فأردوه قتيلاً قبيل ساعات من نهاية سنة 1948. وعندما اختلف عبد الناصر مع الإخوان، أطلق أحد الإخوان النار على جمال عبد الناصر في ميدان المنشية بالاسكندرية (1954). ولكن الطلقات أخطأته ولم تصبه!... وعندما اصطدم بطل حرب أكتوبر 1973 أنور السادات مع الإسلاميين، أطلق بعضُهم النارَ عليه يوم 6 أكتوبر1981 فأردوه قتيلاً. وعندما اغتيل المفكر المصري « فرج فودة « كان قاتلُه من نفس «الفرقة» التي أطلقت النار من قبل على «النقراشي» وعلى «جمال عبد الناصر» وعلى «أنور السادات».. ثم جاء من نفس الفرقة من حاول «ذبح» فخر مصر وسنام مواهبها «نجيب محفوظ»، لأن «بعض» فقهاء نفس الفرقة أفتوا بضرورة قتل أحد أنجب من أنجبت مصر في تاريخها الحديث! وإلقاء نظرة على ما قام به «بعض» رجال حماس من قتل واغتيال لخصومهم السياسيين (من رجال «فتح») عقب استيلاء «حماس» على السلطة في قطاع غزة سيدلنا على أن «بعض» الإسلاميين سيكونون دائماً ميالين لاستعمال أقصى أشكال العنف مع معارضيهم. ولنراجع ما فعله «بعضُ» الإسلاميين عندما قاموا باحتلال المسجد الحرام بمكة المكرمة منذ ثلاثة عقود! ولنلق نظرة على جرائم «بعض» الإسلاميين التي إما اقترفوها أو حاولوا اقترافها ضد خصومهم السياسيين حتى في اطار نظام يحكم باسم الإسلام كمحاولة اغتيال «بعض» الإسلاميين لنائب وزير الداخلية السعودي منذ شهور قليلة. ورغم أننا ضد إقصاء الإسلاميين عن المشاركة في الحياة السياسية اليوم في مصر، فإنهم يستكثرون علينا المطالبة بوضع قواعد غير قابلة للتعديل تحمي مصر من «بعض» من يطلقون النار على معارضيهم كأسلوب حوار! لقد كان الجيشُ المصري نبيلاً وعظيماً ووطنياً بلا نظير عندما حمى صدور المصريين من رصاص وقنابل رجال عهد حسني مبارك. ونفس الجيش مطالب اليوم (باسم النبل والوطنية) بأن يحمي مصر والمصريين (اليوم وغداً) ممن يطلقون النار على معارضيهم وخصومهم السياسيين. ولاشك أن عدداً كبيراً من الإسلاميين ليسوا من أنصار استعمال العنف (كقتلة النقراشي والسادات والشيخ الذهبي وفرج فودة ومحاولي قتل جمال عبد الناصر ونجيب محفوظ). ولكن وجود «بعض» الذين فعلوها من قبل، يؤكد «احتمال» وجود آخرين مثلهم «قد» ينهجون ذات النهج (العنيف) في المستقبل. وهو ما يحتم أن يقوم المجلس الأعلى للقوات المسلحة (من الآن) بوضع قواعد (غير قابلة للتعديل) تحمي «مدنية الدولة المصرية» وليتعلم الكل من الزعيم التركي (الإسلامي) رجب أردوغان كيف لا يوجد أي تناقض بين مدنية الدولة وكون أغلبية أبناء وبنات الشعب المصري من المسلمين. ومما يخيف كثيرين (وكاتب هذه السطور منهم ) كون الإسلاميين أصحاب «حلول ثابتة» لأمور حياتية «متغيرة». كما يخاف هؤلاء (وكاتب هذه السطور منهم) من كون الإسلاميين «آخر الايديولوجيين» على سطح الكرة الأرضية، في زمن تودع فيه البشريةُ حقبةَ الايديولوجيات. واذا لم يكن الاسلاميون (أو في الحقيقة بعضهم) قد اقترفوا شيئاً سوى الإفتاء بشرعية اغتيال السادات ثم افتائهم في مرحلة تالية بالعدول عن الفتوى الأولى، لكن ذلك كافياً لان تطلب كافة القوى السياسية في مصر اليوم من المجلس الأعلى للقوات المسلحة حمايتهم وحماية الوطن من أناس يفتى بعضهم بإزهاق روح انسانية ثم يعودون ويفتون (بعد تنفيذهم للقتل) بالعدول عن فتوى القتل(!!!). أمضيت مؤخراً (أثناء وجودي في إنجلترا) ساعات عدة أطالع دراسات رصينة عن العلاقة الدامية بين سكان شمال أيرلندا الكاثوليك وسكانها البروتستانت. وهالني حجم وعمق الكراهية المتبادلة. ولقد سألت أستاذاً متخصصاً في تاريخ هذا الصراع: «ما الوقت الذي سينقضي لترى البشرية هذه العلاقة الدامية وقد تحولت لعلاقة إنسانية إيجابية وهادئة؟» وجاء ردُه الصادم: «عدة أجيال!». لماذا اهتممت أنا بمعرفة تاريخ وطبيعة وأبعاد هذه العلاقة المريرة المخضبة بالقتل والدم والعنف والكراهية؟. أقول بكل وضوح: لاهتمامي بعلاقة دامية ومريرة أخرى في الشرق الأوسط بين أسباط إسماعيل بن إبراهيم وأسباط إسحق بن إبراهيم (بفرض صحة هذا الانتساب). ورغم أن كثيرين (من المعنيين بهذا الصراع الدامي والمرير والملتحف ببغضاء مهولة) يعتقدون أن لا حل لهذه العلاقة الدامية. فإنني أكرر أنني موقن بأن لكل مشكلة حلاً. وحل هذه المعضلة (ضاربة الجذور في التاريخ) ممكن ومتصور إذا توفرت إرادة سياسية مسلحة بفهم ورؤية لدور التعليم والثقافة والخطاب الديني والإعلام في استئصال شأفة الداء الوبيل (ذهنية الكراهية). وحتى بعد مشاهد التخلف التي رأيناها مؤخراً (ومنها مشهد رفع شعارات بربرية ضد من سماهم الدهماء بأحفاد القردة والخنازير) فإنني أظل مؤمناً بأن برء العقول والقلوب من روح البغضاء السوداء (على الجانبين) هو أمر ممكن، بشرط ألا يكون الأطباء هم حملة الجرثومة وموزعي البلاء! موقف كثير من الإسلاميين من كلمات الزعيم التركي (الناجح) رجب طيب أردوغان عن ضرورة تأسيس الحياة السياسية في مصر على دستور علماني هو «موقف كاشف» لبدائيتهم الفكرية. فهو يوم وصوله لمصر، «خليفة المسلمين الجديد». وهو يوم نطق بكلمة الحق عن حتمية وجود دستور علماني، صار مذموماً ومطالباً بالكف عن التدخل فيما لا يعنيه.