عام علي رحيل سيدة الشاشة العربية، فاتن حمامة التي عاصرت عقوداً طويلة من تطور السينما المصرية، وأسهمت بشكل كبير في صياغة صورة جديرة بالاحترام والتقدير لدور السيدات بصورة عامة في السينما العربية من خلال تمثيلها منذ عام 1940. ولدت فاتن أحمد حمامة في 27 مايو 1931 في السنبلاوين أحد مدن الدقهلية في مصر، بدأت ولعها بعالم السينما في سن مبكرة عندما كانت في السادسة من عمرها، عندما أخذها والدها معه لمشاهدة فيلم في إحدى دور العرض في مدينتها، وكانت الممثلة آسيا داغر تلعب دور البطولة في الفيلم المعروض، وعندما بدأ جميع من في الصالة بالتصفيق لآسيا داغر ومنذ ذلك اليوم بدأ ولعها بعالم السينما. وعندما فازت بمسابقة أجمل طفلة في مصر أرسل والدها صورة لها إلى المخرج محمد كريم الذي كان يبحث عن طفلة تقوم بالتمثيل مع الموسيقار محمد عبدالوهاب في فيلم "يوم سعيد" (1940)، وأصبح المخرج محمد كريم مقتنعا بموهبة الطفلة فقام بإبرام عقد مع والدها ليضمن مشاركتها في أعماله السينمائية المستقبلية، وبعد 4 سنوات استدعاها المخرج نفسه مرة ثانية للتمثل أمام محمد عبدالوهاب في فيلم "رصاصة في القلب" (1944)، ومع فيلمها الثالث "دنيا " (1946) استطاعت إنشاء موضع قدم لها في السينما المصرية، وانتقلت العائلة إلى القاهرة تشجيعًا منها للفنانة الناشئة ودخلت حمامة المعهد العالي للتمثيل عام 1946. ولاحظ يوسف وهبي موهبة الفنانة الناشئة وطلب منها تمثيل دور ابنته في فيلم "ملاك الرحمة" (1946)، وبهذا الفيلم دخلت فاتن حمامة مرحلة جديدة في حياتها وهي "الميلودراما" وكان عمرها آنذاك 15 سنة فقط، وبدأ اهتمام النقاد والمخرجين بها، واشتركت مرة أخرى في التمثيل مع يوسف وهبي في فيلم "كرسي الاعتراف" (1949)، وفي العام نفسه قامت بدور البطولة في الفيلمين "اليتيمتين" و"ست البيت" (1949)، وحققت هذه الأفلام نجاحا عاليا على صعيد شباك التذاكر. وعندما بدأت فاتن حمامة مشوارها في السينما المصرية كان النمط السائد للتعبير عن الشخصية النسائية في الأفلام تمشي على وتيرة واحدة ، حيث كانت المرأة في أفلام ذلك الوقت إما برجوازية غير واقعية تمضي معظم وقتها في نوادي الطبقات الراقية وكانت إما تطارد الرجال أو بالعكس، وأيضا كانت هناك نزعة على تمثيل المرأة كسلعة جسدية لإضافة طابع الإغراء لأفلام ذلك الوقت، وكانت معظم الممثلات في ذلك الوقت يجدن الغناء أو الرقص . وقبل مرحلة الخمسينات ظهرت فاتن حمامة في 30 فيلما وكان المخرجون يسندون لها دور الفتاة المسكينة البريئة، مع بداية الخمسينات شهدت السينما المصرية عصرها الذهبى، حيث بدأت في الخمسينات ونتيجة التوجه العام في السينما المصرية نحو الواقعية بتجسيد شخصيات أقرب إلى الواقع، ففي فيلم "صراع في الوادي" (1954) جسدت شخصية مختلفة لابنة الباشا فلم تكن تلك الابنة السطحية لرجل ثري وإنما كانت متعاطفة مع الفقراء والمسحوقين وقامت بمساندتهم، وفي فيلم "الأستاذة فاطمة" (1952) مثلت دور طالبة في كلية الحقوق من عائلة متوسطة وكانت تؤمن إن للنساء دوراً يوازي دور الرجال في المجتمع، وفي فيلم "إمبراطورية ميم" (1972) مثلت دور الأم المسئولة عن عائلتها في ظل غياب الأب، وفي فيلم "أريد حلا" (1975) جسدت دور امرأة معاصرة تحاول أن يعاملها القانون بالمساواة مع الرجل، وفي عام 1988 قدمت مع المخرج خيري بشارة فيلم "يوم حلو يوم مر" ولعبت فيه دور أرملة في عصر الانفتاح والمبادئ المتقلبة وتحمل هذه الأرملة أعباء ثقيلة جدا دون أن تشكو وكلها أمل بالوصول إلى يوم حلو لتمسح ذاكرة اليوم المر. فى عام 1947 تزوجت فاتن حمامة من المخرج عز الدين ذو الفقار وأسسا معا شركة إنتاج سينمائية وقامت بإنتاج فيلم "موعد مع الحياة " 1954، وكان هذا الفيلم سبب إطلاق النقاد لقب "سيدة الشاشة" عليها، وظلت منذ ذلك اليوم وحتى آخر أعمالها "وجه القمر فى عام 2000" صاحبة أعلى أجر على صعيد الفنانات . شهد العام نفسه انفصالها عن ذو الفقار بالطلاق وتزوجت فى عام 1955 من الفنان عمر الشريف، ترجع قصة لقائهما إلى اعتراضها على قيام الفنان شكري سرحان دور البطولة أمامها في فيلم يوسف شاهين "صراع في الوادي" وقام شاهين بعرض الدور على صديقه وزميل دراسته عمر الشريف حيث كان الشريف زميل دراسته بكلية فيكتوريا بالإسكندرية، وكان عمر الشريف في ذلك الوقت تخرج في الكلية ويعمل في شركات والده بتجارة الخشب، فوافقت على الممثل الشاب، وأثناء تصوير هذا الفيلم حدث الطلاق بينها وزوجها عز الدين ذو الفقار، وبعد الفيلم أشهر عمر الشريف إسلامه وتزوج منها واستمر زواجهما إلى عام 1974. يرى معظم النقاد أن فاتن حمامة وصلت إلى مرحلة النضج الفني مع فيلم "دعاء الكروان" (1959) هذا الفيلم الذي اختير كواحد من أحسن ما أنتجته السينما المصرية ، ومن هذا الفيلم بدأت بانتقاء أدوارها بعناية، فتلا هذا الفيلم فيلم "نهر الحب" (1960)، وفيلم "لا تطفئ الشمس" (1961) عن رواية إحسان عبد القدوس، وفيلم "لا وقت للحب" (1963) عن رواية يوسف إدريس. تم اختيار الراحلة فاتن حمامة كأفضل ممثلة فى عام 1996 فى مناسبة مئوية السينما المصرية، وتم اختيار 18 فيلما من أفلامها (150 فيلما) من أحسن ما أنتجته السينما المصرية، وفي عام 1999 تسلمت شهادة الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، وفي عام 2000 منحت جائزة نجمة القرن من منظمة الكتاب والنقاد المصريين، كما منحت وسام الأرز من لبنان، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001.