ألغاز المجلس الأعلى للآثار! حازم هاشم منذ 49 دقيقة 4 ثانية ما إن وقعت ثورة 25 يناير، ورحل وزراء مبارك نظيف عن مقاعدهم وكان بينهم وزير الثقافة المخضرم فاروق حسني، كان الدكتور زاهى حواس أميناً عاماً للمجلس الأعلى للآثار التابع لوزارة الثقافة وقد اقتضت الثورة أن يكون لوزارة الثقافة وزير جديد وكانت هناك «فترة ريبة وتخبط» فأقيلت وزارة أحمد شفيق وجاءت وزارة عصام شرف التى راحت تبحث عن وزراء، وبالنسبة لوزير الثقافة الجديد فقد فاجأت وزارة عصام شرف المواطنين بتعيين المثقف المهندس محمد الصاوى الذى يدير «ساقية الصاوي» وزيراً للثقافة! فلما قوبل هذا بغير رضا عبرت عنه بعض أقلام المثقفين لم تكد تمر على «الصاوي» بعض الايام حتى أقيل بعد حلف اليمين كذلك كان هذا ما حدث مع د. جابر عصفور الذى كان يدير المجلس الاعلى للثقافة فى وجود الوزير فاروق حسنى وما إن حلف جابر عصفور اليمين متولياً وزارة الثقافة حتى بادر هو بنفسه الى الاستقالة! وكنا قد بشرنا بإنشاء وزارة جديدة هى وزارة الدولة للآثار وقد عين زاهى حواس وزيراً لها وبعد حلف اليمين بأيام ألغت وزارة عصام شرف وزارة الدولة للآثار وعين أمين جديد للمجلس الأعلى للآثار سرعان ما جرى استبداله بالامين العام الحالى د. محمد عبد الفتاح الذى لم يفتأ هو الآخر يلوح بأنه سيترك منصبه قريباً لأنه غير راض عن المجلس والعمل فيه!، إذ ما إن تولى الرجل مهامه حتى اندلعت المظاهرات والاحتجاجات لتشمل مقر الامانة العامة فى الزمالك، والمقر الثانى فى العباسية! وكان قد تزامن مع ذلك اعتصام أكثر من ألف أثرى ومواصلة اعتصامهم فى العباسية، وقد طالب هؤلاء فى لافتات بارزة برفع الظلم عنهم!، وبالتثبيت والتخلص من مناصب المستشارين، فيما اكد عضو ائتلاف شباب الآثار وهو بعض مما تمخضت عنه ثورة 25 يناير ويعمل فى متحف الحضارة أن اعتصام الائتلاف مفتوح ولن ينتهى إلا بقرارات فعالة تؤكد تعيينهم ومنحهم مرتبات عادلة وأضاف انه يجب التخلص من المستشارين بالمجلس الأعلى للآثار والذى تصل المرتبات التى يتقاضونها الى 7 ملايين جنيه شهرياً، وأضاف آخر من المتظاهرين أن الاعتصام مرهون بمدى استجابة حكومة عصام شرف لهم! أما حجم الاستغاثات وشكاوى العاملين بصفة مؤقتة ممن يصل عددهم الى 16 ألف عامل! يطالبون بالتثبيت والتعيين، أما آخر الأنباء ما علمته «الوفد» من ان العاملين فى آثار النوبة قاموا بغلق متحف النوبة أمام السائحين!! مع قرار من عمال آثار أسوان بتنظيم وقفة احتجاجية فى أحد أيام الأسبوع الحالي! ونحن أمام كل هذا الذى أتى ويأتى من ناحية المجلس الأعلى للآثار نجده من الألغاز الكبيرة التى لا نجد تفسيراً لما تقدمه من الوقائع! فالمجلس الاعلى للآثار ظل يتولاه الدكتور زاهى حواس فى وجود فاروق حسنى وزيراً للثقافة وكنا نعلم دائما أن الوزير يمكنه أن يحصل على أى اعتمادات إضافية يحتاجها فى اعمال وزارته سواء من وزارة المالية أو من رئاسة الجمهورية مباشرة، وربما كان هذا من الأسباب التى جعلت المجلس الأعلى للآثار الغطاء دائماً لهذه «الصورة البهية» التى كان يبدو بها دائما دون ان يشار ولو على سبيل الخطأ الى أى مشاكل من أى نوع! بل كان زاهى حواس صاحب قدرة مذهلة على المحافظة على هذه «الصورة البهية» والنشاط الدائب للمجلس واكتشافاته وأمينه العام شخصياً وكانت الصحف والمجلات والقنوات التليفزيونية محلية وفضائية لا تخلو فى أى يوم من تغطية أنشطة المجلس الاعلى للآثار وأمينه العام، حتى أن المجلس كان عنده أنشطة خرج بها من جدران المجلس ومتاحفه الى تقديم دورات تثقيفية لتعليم النشء كيف يحب الآثار ويحافظ عليها وكان المجلس يتكلف أموالاً لا بأس بها لكى يبذر فى الناس حب الآثار وعدم الإقدام على إهانتها أو الإضرار بها! وهو أمر تولاه فى حملة بارزة الفنان الكبير عمر الشريف، كما كان المجلس يضع الكثير من الكتب عن آثار مصر الشهيرة، وأشهرها الكتاب الضخم الذى تولى وضعه الدكتور زاهى حواس وخصص للإهداء لضيوف مصر، وكان الكتاب تحت رعاية السيدة قرينة رئيس الجمهورية السابق!، ومما يزيد من عمق اللغز الكبير للمجلس الأعلى للآثار ان المجلس كانت لأعماله نفقات للاستعانة بالمستشارين، والمؤقتين من العمال الى الأثريين! حتى تضخمت أعداد هؤلاء وقد مرت عليهم سنوات، فكان لابد ان ينفجروا بعد ثورة 25 يناير التى شهدت انفجارات مختلفة فى منشآت ثبت خواء ما يجرى فيها وأظن ان المجلس الأعلى للآثار كان يمكنه امتصاص الغضبة العارمة بين العاملين المؤقتين فيه مما تشهده مبانيه الرسمية لو انه قد شمل برعايته المالية هذه الاعداد ليعطيها مرتبات عادلة أو يبادر الى تعيينهم بدلاً من مطالبتهم بأن يظلوا طيلة أعمارهم مؤقتين! ولا يفوتنى ان أشير هنا الى أن استعانة المجلس بالمؤقت من العمالة لم يكن يتم عن احتياج حقيقى بقدر ما كان فى كثير من الأحوال وفاء بمجاملات وخواطر جعلت المناطق الاثرية المختلفة تستعين بعمالة مؤقتة ليست فى حاجة إليها! ولعل هذه العمالة ربما التى تطالب بالتعيين والتثبيت هى التى أغلقت متحف النوبة فى وجوه السائحين! وقد ظلت آفة المناطق الاثرية التابعة للمجلس الأعلى للآثار أن خفراء بالجلباب والنبوت مازالوا هم الذين يتولون مختلف حراسات المناطق الاثرية، أما الحديث الذى ظل أسطوانة مشروخة عن تحديث حراسات المخازن الاثرية فإن السرقات المستمرة للآثار ظلت تكذب هذا الحديث الذى راح يتردد بين آونة وأخري! وبمناسبة سرقة أثرية هنا أو هناك. وأجد لزاماً على ان أسجل ان «الصورة البهية» للمجلس الأعلى للآثار وإنجازاته التى كثر الحديث عنها فى الصحف والمجلات والشاشات كانت مرتبطة الى حد كبير بشخصية الامين العام للمجلس بل كان البعض يشكو ومن هذا البعض مسئولون كبار فى المجلس من أنهم لا يجدون فرصة للتصريح للصحف بأى إنجاز لهم! ذلك ان الامين العام للمجلس قد جعل من «شخصنة» إنجازات المجلس فرصة وحيدة له وحده للحديث الى وسائل الاعلام! حتى أن الوزير نفسه قال ذات يوم للأمين العام: أنت لا تنقصك شهرة ولا إعلام!، حتى إذا غابت «الصورة البهية» اللامعة ظهر الأصل بما يحمله من عوار.