أنفاق المشاة.. كانت ولاتزال في نظر الكثيرين وسيلة حضارية، لعبور آمن للطرق والشوارع والميادين العامة، ورصدت الدولة جزءا من ميزانيتها لانشائها، وكان المفترض أن تضيف الأنفاق خدمة لكبار السن، وذوي الاحتياجات الخاصة، والنساء، لتسهيل عبورهم الشارع بشكل آمن بعيداً عن حركة السيارات. ولكن الخدمة تحولت بفضل الاهمال، الى نقمة ومصدر رعب وازعاج دائم لأصحاب المحلات، والسكان القريبين منها، لأنها أصبحت مأموى للخارجين وقطاع الطرق وللمدمنين، وأيضاً أطفال الشوارع، فالانفاق للأسف تكاد تكون معظمها شبه مظلمة، لم تزرها يد النظافة، وفي الصباح الانفاق سوق عشوائية للباعة الجائلين. تشير الارقام الى أن محافظة القاهرة بها ما يقرب من 22 نفقاً للمشاة، موزعة بعدد الاحياء، طبقا لعدد السكان ومدى احتياج كل حي، نفس الامر بالنسبة لمحافظة الجيزة التي بها نحو 15 نفق مشاة، ووفقاً للارقام غير الرسمية يتكلف انشاء النفق الواحد ما بين 15 الى 25 مليون جنيه، وتتراوح ميزانية صيانة الكباري والانفاق ما بين 50 الى 60 مليون جنيه سنوياً، الامر الذي يجعل هناك صعوبة في اجراء عمليات الصيانة التي تتكلف ملايين الجنيهات. جبانة شبرا تجولنا بداخل بعض أنفاق المشاة ومنها نفق شبرا الخيمة الذي يبلغ طوله نحو 300 متر تقريباً وعند النزول الى النفق اذا بالروائح الكريهة تنبعث من كافة الارجاء نتيجة لتراكم مياه المجاري بداخله، والتي تعجز شفاطات النفق بالمياه من سحبها، مما يجعل هناك صعوبة للسير، الا أن المضطر لا يجد مفرا سوى بالمغامرة مما يجعله عرضة للسقوط داخل النفق، الذي يعد وسيلة مهمة بالنسبة للطلاب وكبار السن والاطفال لعبور خط السكة الحديد الفاصل بين جانبي مدينة شبرا الخيمة. فهذا النفق عبارة عن اسطوانة أو انبوبة طويلة يصل عرضها لنحو مترين ونصف المتر وارتفاعه لا يتعدى 3 أمتار تقريباً، ويعد من أهم الأنفاق بمنطقة شبرا الخيمة، ويتمتع بمخرجين أحدهما ينتهي عند محطة مترو الأنفاق، والآخر يخدم طريق المؤسسة العمالية، هذا النفق الذي اتفق عليه ملايين الجنيهات أصبح من أسوأ الأنفاق لأنه معتم ليلاً ونهاراً بعد أن تلفت لمبات الاضاءة،وتعاني ارضياته من حالة سيئة ورديئة، فقد تآكلت بمرور الوقت نتيجة لوجود المياه الجوفية المتراكمة باستمرار، هذا فضلاً عن وجود لوحة كهربائية مفتوحة، تشكل خطورة على حياة الاطفال، وعند المرور في هذا النفق تشعر وكأنك تسير في سراديب ضيقة خانقة، أهملها المسئولون وتركوا المواطنين في معاناة يومية لا تنتهي، ولم يكن نفق شبرا هو الأسوأ بل هناك العديد من الأنفاق عانت من الاهمال كنفق المعادي الموجود امام محطة المترو والذي غرق في مياه الصرف وانعدمت به الاضاءة فضلاً عن الروائح الكريهة المنبعثة منه طوال اليوم، ونفس الأمر تكرر بنفق أبو وافية بشارع أحمد حلمي والذي يستخدم في عبور المواطنين من شارع أحمد حلمي الى الشرابية، والذي يعاني من سيطرة البلطجية ومتعاطي المخدرات عليه ليلاً، مستغلين عدم وجود اضاءة كافية، فضلاً عن تعرض المواطنين للسرقة والتحرش، ومن ناحية أخرى أغلقت الدولة بعض الانفاق المهمة كنفق عبد المنعم رياض بوسط البلد والذي أغلق منذ عامين لأسباب أمنية مما تسبب في معاناة للكثيرين الذين يضطرون لعبور الطريق يومياً. الأفضل في السنوات الأخيرة سعت الدولة لانشاء أنفاق ذات مواصفات أفضل، فاختارت منطقة وسط البلد والمناطق الراقية، فأنشأت الأنفاق الرخامية ذات السلالم الكهربائية للقضاء علي مشكلة عزوف المواطنين عن استخدام انفاق المشاه، ففي عام 2006 تم افتتاح نفق الاوبرا بطول 90 متراً، لربط طرفيا لميدان، حيث يربط أحدهما وسط الميدان بشارعي الجمهورية وعدلي، والآخر من وسط الميدان للجهة الاخرى وعلى الرغم من إنفاق الدولة ملايين الجنيهات على تلك الانفاق، الا أن المواطنين مازالوا يفضلون عبور الطريق بدلاً من نزول النفق. تعددت الأسباب التقينا مجموعة من المواطنين الذين ارتسمت على وجوههم علامات الشعور بعدم الرضا من احوال انفاق المشاه فأكد لنا رضا محمد أنه يضطر للعبور يومياً داخل نفق مشاة شبرا بدلاً من أن يعرض حياة اطفاله للخطر اثناء ذهابهم للمدرسة، الا أنه في معاناة مستمرة، حيث يضطر للسير وسط مياه المجاري التي تملأ طرقات النفق، هذا فضلاً عما يعانيه ليلاً اثناء عودته من عمله حيث يؤكد أن النفق يعاني من حالة ظلام دائما مما يجعله عرضه للسرقة من قبل المجرمين الذين اتخذوا من هذا النفق وكراً لهم، فهو يفتقد لعنصر الامان، ويطالب بضرورة وضع حراسات لحماية السيدات من المضايقات المستمرة. وتقول أم حنان ربة منزل: إنها لا تفضل العبور بنفق أبو وافية، الذي يعد وكراً للمجرمين في فترات الليل والنهار، وتضطر لعبور الطريق مع أبنائها، رغم تعرضهم للخطر، فالحوادث داخل النفق لا تنتهي، فضلاً عن المشاجرات المستمرة، وانتشار متعاطي المخدرات ليلاً، مما يجعل الرعب يسيطر على الجميع عند المرور من النفق فمن يعبر ليلاً من السيدات لا يسلمن من التحرش او السرقة بالاكراه، هذا فضلاً عن غياب الصيانة بالنفق الذي يكتنفه الظلام بسبب سرقة لمبات الاضاءة كلما تم تركيبها. وحول أهم المشاكل الناجمة عن اخطاء في التشغيل يرى أولاً الدكتور عماد نبيل، استشاري الطرق والكباري، أن أنفاق المشاة يتم انشاؤها وفقاً للاماكن المزدحمة والاكثر احتياجا، وذلك بعد اجراء دراسات على مستوي المحافظات في تلك الاماكن، كأمام الاسواق والمتاجر والمدارس، وبالقرب من الجامعات وانشاؤها ايضاً على الطرق السريعة حفاظا على أرواح المواطنين، كما تشترك ادارات المرور في عمل تلك الدراسات، حتى يتم الانشاء بطرق هندسية، حيث يشارك صاحب المنشأة بنسبة في تمويل انشاء النفق، ويتم إصدار تراخيص الانشاء من محافظة القاهرة أما عن المواصفات فيرى عماد أنه لابد أن يكون تحت الارض بعمق 3 أمتار وبارتفاع يصل الى 2.5 متر، مع مراعاة عدم وجود خطوط للكهرباء أو أية مواسير تحت الارض، هذا فضلاً عن تحديد عرض النفق حسب حجم المستخدمين ويكون أقلها 4 أمتار عرضاً على أن تكون الحوائط خرسانية، ويتكلف انشاء النفق من 4 آلاف الى 8 آلاف جنيه للمتر الواحد، ومن المفترض أن يتم اجراء صيانة مرتين سنوياً لكل نفق، ونظافة دورية، لأن الانفاق تحتاج لنظافة مستمرة خاصة وأن به عدداً من الباعة الجائلين، وكان لغياب النظافة اثر سلبي عليها في الآونة الاخيرة، كما انتشرت في بعضها مياه الصرف الصحي والقاذورات وهذا يرجع لعدم وجود نظام للتشغيل، وغياب الصيانة الدورية التي يلتزم بها المسئولون بالاحياء لذا لابد أن تكون هناك محاسبة للمقصرين واجراء صيانة دورية لتلك الانفاق، لأن ميزانية الاحياء غير كافية للقيام بكافة اعمال التطوير والتحديث ومن هنا يمكن ان يتم تأجير تلك الانفاق للقطاع الخاص مقابل حقو الانتفاع وإسناد اعمال التطوير اليها، لإعادة الوجه الحضاري لتلك الانفاق. أما الحاج ابراهيم صابر فيشكو من المشاجرات اليومية التي لا تنتهي بين المارة داخل النفق، فضلاً عن غياب النظافة، وتحطيم لمبات الاضاءة في الانفاق مما يجعلها تبدو كأنها مهجورة، مما جعلها مأوى لأطفال الشوارع ليلاً، ومن ناحية اخرى نعاني باستمرار من انتشار المتسولين وتعرضنا لمضايقات مستمرة دون تحرك مسئولي المحليات ما يجعل الكثير من المواطنين يعزفون عن استخدام انفاق المشاة حفاظا على سلامتهم.