فجأة وبدون أية مقدمات، تناقلت بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، خبراً عن قيام المشير محمد حسين طنطاوي بالتجول في شوارع وسط القاهرة مرتدياً ملابسه المدنية. فأثار ذلك جدلاً واسعاً في كافة الأوساط، وتباينت الآراء ووجهات النظر حولها. فجولة المشير لم تكن علي الأقل بالنسبة للمتهمين بالشأن العام، عادية أو عابرة يمكن القفز عليها. أو تجاوز أسبابها. لكنها أربكت المشهد برمته، وفتحت شهية الحديث حول دوافعها، ومضمون الرسائل التي تحملها، ودلالات التوقيت الذي حدثت فيه، فهي تزامنت مع الجدل المشتعل في أوساط القوي والتيارات السياسية حول قانون الإنتخابات وترسيم الدوائر، والتشكيك في إمكانية البدء في إجراء الانتخابات، رغم التصريحات اليومية، التي تؤكد الاستعداد لها.. فالأجواء المحيطة بالواقع ضبابية، ولا يوجد من يعرف بالضبط، التدابير التي تدور في الكواليس، أو التنبؤ بما ستحمله الأيام القادمة من مفاجآت أو مفارقات. وربما بهذه الأسباب وغيرها، جري تفسير ظهور المشير «طنطاوي» بالزي المدني وسط الجمهور العادي، وبدون حراسة. أنه إشارة واضحة لرغبة المجلس العسكري، بالاستمرار في الحكم أو إطالة أمد البقاء واعتبار جولة المشير علي الأقدام بزيه المدني يوحي بوجود النية، للترشح في انتخابات رئاسة الجمهورية. وأن الرسالة التي ترغب السلطة الحاكمة، إرسالها للرأي العام، هي عدم وجود أية فروق جوهرية، في شخصية من يحكم مصر، وأن الزي العسكري، أمر تفرضه طبيعة الانتماء للمؤسسة العسكرية، ويمكن استبداله بالملابس المدنية، إذا اقتضت بالضرورة الانخراط في الحياة العامة. وتوحي هذه الرسائل، بالعديد من التفسيرات التي تذهب إلي أن ما جري، يحمل إشارة لها دلالات. بأن رئيس المجلس العسكري، يصلح إذا رغب لحكم مصر عن طريق الانتخابات. وأن الظهور بالملابس المدنية، بغرض إثبات أن القادة العسكريين، يملكون قدراً من البساطة، التي تجعلهم في حالة تواصل دائم مع قطاعات عريضة من الشعب. وأهمية الرسالة تكمن في أنها تجيء، في الوقت الذي ابتعدت فيه النخبة عن التواصل الشعبي، واكتفت بالظهور الإعلامي في القنوات الفضائية، أو من خلال الحوارات الصحفية.. أما أكثر الرسائل إيجابية في ظهور المشير «الحاكم الفعلي لمصر الآن»، هو التجول بدون حراسة أو ضجيج. فقد كان يقود سيارته، ونزل منها للسير مترجلاً. وفي ذلك إشارة للكافة، تهدف إلي تغيير ما اعتاد عليه الجميع من تعاملات بين الحاكم والمحكوم. كما تحتوي مظاهر هذه الجولة علي عدة أمور، يجب إلقاء الضوء عليها، وعدم القفز عليها. فهي توحي بأن الأمور طبيعية والأمن في حالة مستقرة، ويمكن لأكبر مسئول في الدولة أن يسير بدون حراسة. بالإضافة إلي التأكيد علي حسن العلاقة بين المواطن والمجلس العسكري. وأن النزول إلي الشارع ليس له معني سوي قبول الرأي العام للقوات المسلحة وأن الجميع في حالة من التواصل والعلاقة الإيجابية.. لكن الأمر لم يخل من انتقادات واسعة. إذ إن هناك من رأي أن جولة المشير «طنطاوي». بمصافحته للمارين في الشارع، والوقوف معهم والتعرف علي مشاكلهم، بأنه لم يكن مفاجئاً. بأي حال من الأحوال. بل جري التدبير له. لأنه لم يكن مصادفة أن يبث التليفزيون، مشاهد الجولة، بعد تصويرها بالكاميرات الخاصة به التي كانت في انتظاره. وهو ما يؤكد أن الزيارة كانت معلومة، وهناك تعمد لبث هذه المشاهد، وفتح حوار ونقاش واسع حولها علي الهواء، جرت فيه استضافة بعض المحللين والشخصيات العادية، للإدلاء بآرائهم، التي كانت تصب في اتجاه التأكيد علي صلاحية المشير لحكم مصر. وأن الزي المدني، يهدف إلي التسويق لهذه الفكرة، وهذا هو الجانب السلبي في الجولة، وبعيدا عما تم تداوله في العديد من القطاعات المختلفة من أوساط الرأي العام، والتي ذهبت إلي أن الربط بين جولة المشير، وإمكانية ترشحه لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية القادمة. فإن المجلس العسكري، ومن خلال بعض أعضائه، أكد في أكثر من تصريح علني. أنه غير راغب في الاستمرار والبقاء في السلطة، ويريد إجراء الانتخابات، وتسليم، الحكم لسلطة مدنية منتخبة. لكن هناك بعض الآراء تسير عكس ذلك، وتشير إلي أن المجلس حتي ولو لم يكن يريد السلطة، أو يرغب في البقاء فيها، فإن لديه رغبة قوية في أن يكون له دور واضح وقوي في مجريات الأمور. وشكل سلطة الحكم القادمة. باعتبار أن هناك بعض القوي والتيارات، نادت قبل عدة شهور بأن يكون الجيش ضامنا للدستور وعدم الانحراف عن الدولة المدنية. بالرغم من هذا التباين الذي يصل في بعض الأحيان إلي التناقض، حول زيارة المشير طنطاوي إلي شوارع وسط القاهرة. إلا أن هناك مؤشرات قوية تذهب إلي الرغبة في أداء دور سياسي، وخاصة أن المؤسسة العسكرية، تدير البلاد منذ يوليو 1952. أي اكثر من 60 عاماً. ولذلك يصبح من الصعب إن لم يكن مستحيلا أن تبتعد هذه المؤسسة عن الحياة العامة بما فيها من تعقيدات سياسية، من الداخل أو الخارج. ولذلك يصبح التخلي عن السلطة أمرا ليس بالهين، اعتمادا علي القبول من القطاعات الشعبية، التي تري في وجودها ضمانات، لا تستطيع أي قوي توفيرها. أما أكثر الأمور دهشة لما يثار حول من يحكم مصر، المشير، أم المرشحون من القوي السياسية والمدنية، نجد أن المرشحين المحتملين لانتخابات رئاسة الجمهورية، يبرزون أمام الرأي العام، صورة غير تقليدية، ولم تحدث في أي دولة بأن يلتقوا للتنسيق وللتشاور، و..... و.... إلخ.... وهذايمثل نوعاً من التناقض فهم متنافسون، وكل منهم له برنامجه، ورؤيته لحكم مصر. فكيف يتم التشاور إذن؟. أم أن التشاور، لتوحيد المواقف والجهود، ضد محتملين آخرين للرئاسة. وأن هناك معلومات مؤكدة وجدية، تذهب إلي أن القادم لحكم مصر رجل عسكري ليس بالضرورة أن يكون المشير، الذي يبلغ من العمر 76 سنة. فربما يكون آخر. وأن لقاءات المرشحين تسعي لإيجاد صيغة ملائمة، يتم الاتفاق عليها، لمواجهة ما يطلق عليه عسكرة الحكم. وهذا كله لا يمنع من تصديق تصريحات القيادات في المجلس العسكري، من أنها عازفة عن السلطة وأنها تسعي بكل جهدها. للخروج من المرحلة الانتقالية، بإجراء تعديلات تتوافق مع المطالب العامة. لتعديل قوانين الانتخابات البرلمانية، والدوائر، علي أن تجري بعدها انتخاب الهيئةالتأسيسية لإعداد الدستور، ثم الانتخابات الرئاسية.. وكل ذلك ينفي وجود النية لدي المجلس العسكري من البقاء أو الحكم. لكن زيارة المشير بالزي المدني، لشوارع وسط العاصمة، وبمفرده، فتح باب الجدل حول هل يرغب في الترشح، أم أن زيارته كانت عفوية، ولا ترمي إلي أية أهداف أو مقاصد سياسية.. لكن ربما لتأكيد العلاقة بين السلطة مع الشارع، للرد علي الاتهامات التي تتوالي بصورة يومية ضد المجلس العسكري، لكن صدي هذه الجولة لم يكن غائبا، أو بعيدا عن الحدث، فقد نفي أحد المصادر العسكرية، أن يكون نزول المشير طنطاوي الي وسط القاهرة وتجوله بين العديد من المواطنين الذين التقاهم، هدفه الترشح لمنصب الرئيس، أو جس نبض الشارع، حول فكرة وجود مرشح له خلفية عسكرية، مشيراً في ذات الوقت إلي أن الزيارة جاءت بدون ترتيبات مسبقة، وبدافع شخصي من المشير بغرض التعرف علي مطالب المواطنين، والاقتراب من مشاكلهم علي أرض الواقع. وأن ظهوره بالزي المدني، ليس سوي مصادفة، بالإضافة الي أن المجلس العسكري حريص علي تسليم البلاد إلي سلطة مدنية منتخبة. علي خلفية كل هذه المشاهد التي أحاطت بزيارة طنطاوي لشوارع وسط القاهرة. جري تدشين حملة واسعة علي الشبكة الالكترونية، رفعت شعار لا لحكم العسكر. ويبدو أن الجدل لن يتوقف، وسيصاحبه الكثير من التكهنات.