بدأ أطباء مصر إضرابهم الجزئي المفتوح في الأول من أكتوبر من أجل إصلاح المنظومة الصحة وتحسين أحوالهم كجزء من خطوات الإصلاح للمنظومة الخربة ، رفع الأطباء خلال الإضراب مطالبهم الأساسية المتمثلة في رفع ميزانية الصحة ل 15% من ميزانية الدولة ، وإقرار كادر إداري ومالي خاص بهم ، وتأمين المستشفيات وتغليظ عقوبة الاعتداء عليها . قضية الأطباء العادلة دفعت العديد من القوى السياسية والحركات الشبابية والثورية للتضامن معهم ودعمهم في مطالبهم التي رفعوها لإصلاح المنظومة الصحية المتهالكة ، على الجانب الآخر لم تلقي مؤسسة الرئاسة ولا الحكومة بالا لإضراب الأطباء ولا مطالبهم المشروعة ، بل قام المحسوبون على جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة الحزب الحاكم حاليا باتهام الأطباء بأن مطالبهم فئوية وأن إقحام مطالب إصلاح المنظومة الصحية هو فقط لتجميل مطالبهم ولكنه ليس هدفهم الأساسي . من جانبي أدعو السيد رئيس الجمهورية وحكومته فورا إلى إحراج الأطباء المضربين وإثبات أنه يخاف على المرضى أكثر منهم بتنفيذ مطالبهم التي لا خلاف عليها أنها بديهية لإصلاح المنظومة مثل رفع ميزانية الصحة وتأمين المستشفيات وإقالة القيادات الفاسدة في الوزارة التي تتعمد إفساد منظومة الصحة الحكومية حتى تنتعش المستشفيات الخاصة التي يدخل بعضهم شريكا فيها . إن كشف الأطباء على الحالات الحرجة والطارئة وتعاملهم مع حالات العناية المركزة والغسيل الكلوى والأورام أثناء إضرابهم وكشفهم على الحالات في الاستقبال مجانا هو أكبر دليل على أنهم في صف المريض ضد المنظومة الفاسدة التي لا تقدم خدمة صحية حقيقية للمرضى ، بينما وقوف المسئولين عن هذه الخدمة ضدهم هو دليل كاف على أنهم يريدون بقاء الوضع كما هو عليه حيث لا تتعدى المستشفيات كونها خرابات ، فماذا سوف يفعل سيادة الرئيس حتى يؤكد للمواطن أنه يحافظ على الإنسانية في هذه القضية كما يفعل الأطباء ؟ هل سوف يجبر الأطباء على العمل حتى يستمرون في هذه المسرحية الهزلية ؟ وأدعو كذلك الذين يقولون أن مطالب الأطباء فئوية يدسون بينها مطالب خاصة بالمنظومة أن يضغطوا معنا من أجل تحقيق مطالب إصلاح المنظومة الصحية حتى نكشف الأطباء أمام الجميع وحتى يعرف المجتمع حقيقتهم ، أولئك الأطباء الذين لم يكتفوا بالعمل في مستشفياتهم أثناء الثورة بل كانوا مع الشعب في الميادين التي أقاموا فيها المستشفيات الميدانية يقدمون فيها الخدمات العاجلة للمصابين ولم يبتغوا أجرا يومها سوى تحقيق مطالب الثورة التي آمنوا بها وهاهم اليوم يصرون على استكمالها ، هاهم ينادون بالكرامة للمواطن المصري وبحقه في الحصول على خدمة صحية لائقة في مستشفيات الدولة التي حولها النظام السابق إلى خرابات ومازال النظام الجديد يحافظ عليها كخرابات كما هي . أدعو السيد رئيس الجمهورية باعتباره القائم على خزائن البلاد حاليا بأن يعطي لكل مواطن حقه في خدمة صحية لائقة بدلا من أن يقدمهم فريسة سائغة لرجال الأعمال يلتهمونها في مستشفياتهم الاستثمارية – ومنهم رجال أعمال معرفون ينتمون لحزبه السياسي وجماعته – كما أدعوه أيضا أن يعطي لكل طبيب حقه في أجر لائق بدلا من أن يقدمهم دعما رخيصا يقترب من المجانية لأصدقائه من رجال الأعمال أصحاب المستشفيات الاستثمارية حيث أن أجورهم الضعيفة تجبرهم على العمل حتى وإن كانوا لا يريدونه في المستشفيات الخاصة حتى يعيشوا ويكون الضحية المريض والطبيب معا ؛ المريض الذي لا يحصل على خدمة جيدة من طبيب لم ينم منذ أيام والطبيب الذي يواصل الليل بالنهار من أجل توفير حد الكفاف . أدعو د.محمد مرسي بأن يرفع ميزانية الصحة فورا لإصلاح المستشفيات ويرى بنفسه هل سوف يكون ذلك كاف دون أن يفرغ الطبيب للعمل في مستشفيات الحكومة ؟ وهل سوف يستطيع أن يرفغ الطبيب دون أن يجعل له أجر لائق يوفر له الحد الادنى من الحياة الكريمة ؟ إن الطبيب – أي طبيب – إذا تفرغ لمستشفاه الحكومي بأجره الحالي الذي يبلغ شاملا الحوافز والبدلات بحد اقصى 900 جنيه سوف يضرب إجباريا عن الطعام - وليس كفعل احتجاجي كما فعل زميلنا الشجاع د.مصطفى البحيري – إذا تفرغ فقط للعمل في مستشفاه الحكومي لأن أجره وقتها لن يكفيه قوت يومه فقط ، إذا حاول طبيب أن يتفانى في عمله وأن يذهب للنوباتجيات بتركيز عال وهو حاصل على قدر كاف من النوم بعد أن ترك العمل في القطاع الخاص أو عيادته لن يستطيع التركيز في عمله وبطنه خاوية من الطعام أو وهو يفكر في أبنائه وكيف ينفق عليهم لأن مرتب الحكومة لن يكفيه . أدعو د.محمد مرسي بأن يحافظ للنظام الذي يحكمه على صورة فيها قدر من الإنسانية لدى شعبه ، فالثورة على منظومة سوف تتحول إلى ثورة على نظام إذا تيقن الشعب أن هذا النظام لا يقيم للإنسانية وزنا وأن كل حساباته هي حسابات اقتصادية استثمارية بحته ليس للشعب فيها نصيب ، فالشعب يحتاج العلاج ويحتاج التعليم وهو يعمل وينتج لتحقيق النهضة والتنمية ، وليس صحيحا أن الشعب يستحق هذه الحقوق عندما ينجح في تحقيق النهضة فهذه حقوق أساسية لا إنتاج بدونها . البديهي أن تعطي الصحة والتعليم حقهما أولا ثم تفكر ماذا تفعل فيما تبقى ، هذا هو سبيل النهضة الوحيد فألمانيا على سبيل المثال بعدما منيت بهزيمة ثقيلة في الحرب العالمية الثانية أعلنت حالة التقشف العام ووجهت ميزانيتها للصحة والتعليم فبنت المصانع ودارت عجلة الإنتاج من جديد حتى أصبحت ألمانيا التي نعرفها اليوم تلك القوة الصناعية والاقتصادية العظمى رائدة الصناعات الثقيلة في العالم . تأجيل إصلاح المنظومة الصحية له سبيل واحد وهو أن تطلب الحكومة من الشعب ألا يمرض حتى يتم الإصلاح ، فهل هذا ممكن ؟! فإذا لم يكن ممكنا فليبدأ الإصلاح فورا وحالا . تشويه الأطباء المضربين الذين يريدون إصلاح منظومة الصحة ووصفهم بالمسيسين واليساريين هو أكبر وأفضل دعاية سياسية مجانية للخصوم السياسيين للإخوان المسلمين ، فهل هناك قضية أعدل من هذه حتى تشرف خصمك بأنه هو القائم عليها ؟ نعم اليساريون يدعمون مطالب الأطباء في إصلاح المنظومة الصحية كما يدعمها تماما الليبراليون والإسلاميون - غير الإخوان المسلمين - و الوسطيون والحركات الشبابية والثورية جميعها ، فإصلاح منظومة الصحة مطلب مجتمعي قبل أن يكون مطلب سياسي وهو من مطالب الثورة الأساسية وعظيم الشرف لأي حزب أو جماعة أن تدعم هذا المطلب ، وكنا نتمنى أن تنال جماعة الإخوان المسلمون وحزبها السياسي هذا الشرف إذا كانوا يلقون لصحة المواطن بالا حتى تتحقق نهضتهم المنشودة . أيضا تشويه الأطباء المضربين من قبل آلتكم الإعلامية واتهامهم بالخيانة – مع معرفتكم بحقيقة مطالبهم ونبلها – لن يزيد الوضع سوى سوءا سواء اقتنع الشعب أم لا ؛ فإذا رأى الشعب أنكم كاذبون وأن الأطباء على حق في مطالبهم فسوف يفقد الشعب ثقتهم فيكم وفي إعلامكم مبكرا وسوف تخسرون شعبيتكم ، أما أذا صدق الشعب ادعاءاتكم الكاذبة فإن هوة فقدان الثقة في الأطباء سوف تتسع بشكل كبير وسوف تزداد معدلات الاعتداءات عليهم وعلى المنشآت الصحية بصورة يستحيل معها تقديم خدمات صحية في المستشفيات بشكل ربما يستحيل تداركه مستقبلا والضحية هو المواطن إذا كنتم تلقون له بالا . سوف يذكر التاريخ أن أطباء مصر الذي يعانون الامرين حاليا قد بدؤوا الثورة على منظومة فاسدة وضد آلة إعلامية حكومية متربصة بهم وضد حملات تشويه لا يتحملها أحد ، ولكتهم صمدوا وسوف يصمدون حتى تتحقق مطالبهم ومطالب الشعب المشروعة المتمثلة في حقه في الصحة والعلاج ولم يستسلموا ويلجؤوا للحلول الفردية التي لا يوجد أسهل منها بالنسبة لهم ودول الخليج تتلقفهم وفي انتظار اشارة منهم .. تجاهل المطلب العادل حتى لو كان خصمك هو الذي يطلبه هو غباء سياسي منقطع النظير منك ؛ فمتى حققت المطلب أنت حسب لك لا عليك ،ولكن العناد القائم حاليا مع مرور الوقت ربما يطور الثورة على منظومة إلى ثورة على نظام لا يسمع لأحد ، وقتها عندما يتحقق المطلب رغما عنك ربما تكون أنت خارج الصورة تماما ، وربما تكون نهايتك على يد هذه المطلب وغيره من المطالب التي تدرك تماما كم هي عادلة. وأخيرا أتمنى أن يبتعد د.محمد مرسي عن أهل الثقة بالنسبة له من الأطباء من كوادر جماعة الإخوان من أصحاب المستشفيات الخاصة والاستثمارية وأصحاب العيادات الشهيرة ، فهؤلاء بطبيعة الأمر مصالحهم تتعراض مع مصالح المرضى ومع مصالح الأطباء ؛ يريدون بقاء الوضع كما هو عليه حيث المستشفيات أماكن للقتل بدلا من العلاج حتى يستمروا في مص دم الشعب المريض . ------------------------------------------------------------------------------------------- * د.طاهر مختار عضو مجلس نقابة أطباء الإسكندرية وعضو اللجنة العامة لإضراب الأطباء