فتش عن الحزبية انهمرت من كل حدب وصوب وفي كل حدب وصوب ، الردود والتبريرات والدفاعات من أتباع الشيخ ياسر وحزبه حول الصاعقة المفاجئة للجميع ، وهي زيارة الشيخ الغير متوقعة ، للفريق شفيق ليلة إعلان نتيجة الإنتخابات الرئاسية الأخيرة هو وصاحبه الشيخ اشرف ثابت ، والتي انكشفت واضحة على إثر سؤال مفاجيء من الإعلامي الداهية وائل الإبراشي للشيخ ياسر نفسه في برنامج الأول – العاشرة مساء 25/ 9 – فسأله عن ذهابه لمنزل شفيق في تلك الليلة ، نحواً من عشرين مرة بصيغ متقاربة ، كل ذلك و الشيخ ينفي بالتعريض المذري الذي لايناسب المقام يقول : كان اتصال تلفوني ، و ينهال سيل الأسئلة والتقريرات من الابراشي : ألم تأته في منزله ؟ أما كان اللقاء في بيته ؟ هو قال – يعني شفيقا – أنك ذهبت إليه في منزله ، انا متأكد أنك أتيت إليه في منزله، وجهك يقول أنك ... ، كل ذلك والشيخ لايزيد على قول: كان اتصال تلفوني ، وقد جمد لسانه عليها كأنما يقولها بلا وعي، وأسقط في يده ، وبدا كالغريق يتعلق بالقشة ولا يدري أنها لا تنجي، وبدا كالعصفور في القفص يُحكِم الطفل إغلاقه عليه ، وينتشي بملاعبته غير عابيء بعذابه. انهمرت التبريرات والدفاعات والردود وما أظنها أغنت عن الشيخ شيئا ، و لا قللت من سخط الجماهير – بمختلف طوائفها – على الشيخ والدعوة والصحوة والإسلام ، وما غيرت شيئا – على كافة المستويات – من بشاعة الفعلة يفعلها الشخص – مهما كانت جلالته – ثم يقع سوء عاقبتها على الدعوة والصحوة والاسلام ، مع أن الشيوخ أنفسهم قد قرروا أنه يشترط في الأخذ بالعزائم ألا يتعدى الضرر الى الغير إلا بإذنه ، وإلا ففي الترك مندوحة ، خصوصا وأن الفاعل ليس بوالٍ ولا إمام ولا معين من قبلهما ، ولا مأذون له من القاعدة صاحبة المصلحة التي توهمها الفاعل وأقدم عليها ، هذاعلى فرض الكثير من حسن الظن فكيف بمن يقول بالصفقة؟. انهمرت التبريرات والدفاعات بدءاً من اليوم التالي للواقعة المؤسفة ، بداية من الشيخ ياسر نفسه حيث ظهر له فيديو يدبج فيه التبرير لما وقع منه بالامس ويلقي باللائمة على الابراشي الذي يقاطع ويصادر، ثم يعترف الشيخ بما نفاه بالأمس من الزيارة المشينة للفريق شفيق ، ويبرر ذلك بأشياء يقبلها البعض ويضحك من سذاجتها البعض الآخر – بزعمهم – مع ملاحظة أنه كان أمام الشيخ أوراق فولسكاب ينظر فيها ويقرأمنها – على غير عادته في الدروس والكلمات – مما يوحي باهتمامه بالأمر واستعداده له ، ثم سرد الشيخ نفس الكلام في المساء عبر مكالمة مع الاعلامية هالة سرحان في حضور أشرف ثابت ، ثم هاتفت شفيقا في نفس اللقاء والذي أثنى على الشيخ ووصفه بالصديق وأخبر أن علاقته بالشيخ طيبة جدا !! – على حد تعبير شفيق – فيما عد البعض حلقة الاعلامية هذه بأنها تمثيلية مرتبة. ولا شك أن ذهاب الشيخ لمنزل شفيق في تلك الليلة بهذ الصورة السرية والفردية سبب صدمة للجميع ، وغدا في حس قطاعات عريضة من الجماهير خيانة ظاهرة للشعب والثورة ، وانه لافرق حقيقي بين الاسلاميين وغيرهم من محترفي السياسة في استعمال الميكيافيلية اذا لاحت لهم المنفعة الذاتية. وأعظم من هذا في المصيبة وأطم – في حس الجماهير أيضا – تلبس الشيخ بالكذب الصريح بنفي ذهابه لبيت شفيق ثم اصبح فأثبته ، ولا عبرة لدى الجماهير بتبرير " المطبلاتية " أن الشيخ لم يثبت ولم ينفي ، حيث ان الشيخ نفي الزيارة ظاهرا بالإصرار على العبارة : " كان اتصال تلفوني " أمام الأسئلة المتعددة ، ثم هو في الحقيقة نفى صراحة عند رده على سؤال : اللقاء كان في منزله ؟ – يعني شفيقا – فأجاب : كان اتصال تليفوني وليس بهذه الطريقة . ومثل هذا وذاك من الطوام والكوارث – في حسهم كذلك – : إثبات شفيق لعلاقة قوية وطيبة مع الشيخ ، ومتواصلة من خلال أشرف ثابت ، حتى قال شفيق عن الشيخ : " طلبته مرة بالتليفون وطلبت منه كصديق أو كرجل علاقتي بيه طيبة جدا ... " !! غير أنه لم يوضح كنه هذه العلاقة الطيبة جدا ، وكيف تكون علاقة طيبة جدا بين طرفي نقيض ؟ وهل بدأت قبل الثورة أو بعدها ؟ وهل كانت مراودة الشيخ لأهالي ضحايا الثورة في قبول الدية وترك القصاص من ثمراتها أم لا ؟ - كما يتساءل أحدهم. وليست المشكلة الحقيقية في هذه الطامات العظام والسقطات المجهضة للعمل الاسلامي بكل فصائله ، وليست – كذلك – في المصيبة الكبيرة وهي حرق شخصية الشيخ بهذه الطريقة حتى لو كان هو نفسه الفاعل ، وهذا – بلا شك يسوء كل مسلم صادق ، فضلا عن سلفي محب للشيخ معترف بفضله ، خصوصا وأن هذا يتعدى – لدى طوائف – للدعوة والدعويين والاسلام والاسلاميين ، ويتعدى أثره – كذلك من مجرد مواقف الشيخ السياسية إلى شخصيته الدعوية ورمزيته الاسلامية ، وهذا الحرق وهذا التعدي هما الخسارة الفادحة التي يصعب تلافيها ويندر تعويضها إلا أن يشاء الله. ولكن المشكلة الحقيقية هي في الحمأة الآسنة و المستنقع الوبيء الذي يُخرج لنا – في كل حين – مثل هذه المواقف ، أعني الحزبية الجاهلية ، المنكرة في صميم الشرع و المستقذرة على لسان المعصوم صلى الله عليه وسلم ، حين ينكر على خير الناس – المهاجرين والأنصار – لما تنادوا بالعصبية لأشرف الأسماء القرآنية – الهجرة والنصرة – فقال: "أبدعوى الجاهلية .. دعوها فإنها منتنة". فلا شك أن في دعوتنا الآن حزبية عاتية ، نشأت – عفوية – أواسط التسعينيات بعد المحنة ، وظهرت – مستحيية – بعد الألفين من الميلاد ، وتمردت – مؤذية – في أول الخامسة بعد الألفين حين آنست هدنة وغض طرف من النظام الباطش ، ثم أخيرا تضخمت – متجبرة ومستعلية – بعد الثورة، لاتلوي على شيء إلا ما أشربت من هواها، ولا ترقب في مخالف إلاً و لا ذمة ، وتحرق ما وراءها من الأرض و كأنها " تتار " أرسل في الدعوة ، فخطفت شارتها ورايتها ، وشخصنت قيادتها ، وسرقت يافطتها وعنوانها ، واختزلت مضمونها ، وجعلت أهلها شيعا، ففرقت شملهم، ومزقت جمعهم ، وقطعت أوصالهم ، وأذهبت ريحهم وأشمتت فيهم عدوهم ، وتسوقهم – رغم أنوف حكمائهم – الى مصير مجهول لايلوح منه إلا العطب. فهل ينكر وجود الحزبية – اليوم – من شيوخ الدعوة وأمنائها وطلبة العلم فيها أحد؟، وهل يجحد أحد منهم منكرها وفسادها؟ وما السقطات والطامات التي نراها إلا نقطة من فيض حمأتها ووسنها ، وإنما لا يعرفها الأكثرية من القاعدة الدعوية لسببين: الأول : أن الحزبية خطفت راية الدعوة وتدثرت بيافطتها وعنوانها وصاحت بالقاعدة: نحن الدعوة السلفية، والحقيقة أنهم من الدعوة السلفية نعم، ولكنهم ليسوا وحدهم الدعوة السلفية، فالحزبية في الحقيقة واحد والدعوة السلفية مائة، والقاعدة معذورة فمن طبعها أنها تثق ولا تميز. الثاني : أن الشيوخ وطلبة العلم سكتوا عن منكر الحزبية هذه السنين الطوال وحتى الآن إلا شيئا يسيرا، وهم ما سكتوا خيانة للحق ولا غشا للقاعدة ولا ممالأة للحزبية – حاشاهم – و إنما سكتوا لأنهم لم يستظهروا أمر الحزبية إلا متأخرا جدا، ثم إن معظمهم – إن لم نقل كلهم – لم يدركوا شرها المستطير إلا متأخرا جدا جدا ُ، ثم إن من أدرك منهم هذا ، لايزال في مرحلة النصح والوعظ – و نحو ذلك – لم يخرج منها بعد، وربما رأى بعضهم أولوية السكوت – مطلقا – مع استمرار النصح خوفا من قسم السفينة ، مع أنها مخطوفة ، ونحوذلك مما سبب تأخر الانكار على الحزبية ، لكن على أي حال لن يستمر السكوت طويلا، فإذا لم ينكر الكبير سينكر الصغير – حسب السنن – وإذا لم يعدل الرئيس فسيثور الشعب، و الله تعالى ربما أقام حجته على الناس برجل واحد، خصوصا وأن الحزبية منكرها ظاهر يتطاير شررها في البلاد فتكاد تحترق ، وتتضرر به العباد فتفترق. لا شك – عندنا – أن الذي نعلمه مؤسسا للحزبية وراعيا لها وقائما عليها هو شيخنا وحبيبنا – لعمر الله – ومنه تعلمنا ، و أن الذين يتولون كبرها الآن هم إخواننا وأحبابنا – وإن بغوا علينا وظلمونا – و لا ننكر عليهم ضلالا عقديا و لا نعرف عليهم بدعة ننكرها ، إلا الحزبية فهي انحراف عن جادة الاسلام والدعوة الى الجاهلية المنكرة ، وانسلاخ جزئي من حزب الرحمن الى حزب الشيطان حيث لا يخفى أن المؤمن قد يكون فيه من هذا وهذا. فنحن ندعوا شيخنا وإخواننا الى تفكيك هذا الصرح المشين بأيديهم قبل غيرهم ، ويتبرؤا منها فعلا لا كلاما و ليتحاكموا الى قدر الله ولا يتحكموا فيه ، وليَدَعوا للناس أن يختاروهم برغبة الناس لا بالتحايل والخداع ، و لا بالإنقضاض على الأمر والإستيلاء على الوضع بنية إقامة الحق – وإن جاز شرعا – فلعل الحال لا يناسب هذا ، فهذه نصيحة عملية يسيرة أظنها خطة رشد لعلكم تقبلونها: افتحوا الباب على مصراعيه لإنضمام الناس للدعوة في القرى والنجوع والأحياء والمدن في كل القطر بآلية تسجيلية عادلة لن نختلف عليها ، لتكون هي قاعدة الدعوة في كل المجالات العملية وعلى رأسها العمل السياسي ، ثم ينتخب منها بالعدل والشفافية – ونحن أولى بذلك من غيرنا – كل القادة التنفيذيين من أمناء المحافظات ومن دونهم ، ثم مجلس الشورى ، ثم مجلس الإدارة للدعوة ، ثم يكون مجلس الأمناء مُبتدأً بالستة ثم هم يضيفون من شاؤوا بعد ذلك حتى يبلغ المئات والألوف ، ثم تكون نفس القاعدة الدعوية الكبرى هي قاعدة الحزب – لأنه عمل دعوي كذلك – فتنتخب هي قياداته وممثليه ، و يمضي الأمر بالعدل فنتحاكم لقدر الله ولا نتحكم فيه ، فلو جاء بعبد حبشي رضينا به وسعدنا ، فإن أبيتم إلا الحزبية فالله يحكم بيننا بما يشاء ، وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في زيغ وانحراف ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.