حقيقة يعلمها ويؤمن بها أهل السياسة، أن أي عاصفة تواجه أي حزب، ستطيح أول ما تطيح بموقعه داخل المشهد السياسي، أو ربما تطيح به هو نفسه خارج المشهد. وربما بات حزب النور في طريقه لكي يكون أسرع حزب سياسي في مصر دخل الحياة السياسية وخرج منها في أقل من عام، حيث نجح "النور" في الفوز بما يقرب من ربع مقاعد البرلمان في انتخابات مجلس الشعب في ديسمبر 2012، لكن سرعان ما بدأ يعاني هذه الأيام من انشقاقات وصراعات ستفقد الحزب بلاشك مكانته المتقدمة في البرلمان قبل شهور قليلة على انتخابات البرلمان المقررة بعد الدستور. من يرث التركة؟ مما لا شك فيه أن حزب النور كان بوابة السلفيين للظهور في المشهد السياسي المصري "نواباً وناخبين"، فالتيار السلفي بعد الثورة لم يكن لديه رؤية محددة لخوض العمل السياسي، حتى ظهر "النور" وجمع تحت لوائه جمهور السلفيين في مصر ونجح بأصواتهم في الفوز بربع مقاعد برلمان الثورة، إلا أنه ومع هذا "الموت البطيء" للحزب، فإن علامات استفهام عديدة تدور حول موقف السلفيين من الانتخابات القادمة وهل سيشارك الناخب السلفي أم سيقاطع أم سيغير وجهته لحزب أو تيار آخر؟. وتبدو فرصة حزب الحرية والعدالة الأبرز في الفوز بتركة "النور" في الانتخابات لاسيما وأنه الحزب الذي يحمل مرجعية إسلامية تقترب من وجهة النظر السلفية بشكلها العام وليس في التفصيل، هذا إلى جانب أن السلفيين في مصر يدركوا أن نجاح الإخوان في البرلمان سيؤثر بشكل كبير على التجربة الرئاسية لمحمد مرسي المحسوب على التيار الإسلامي، وأن فشل الإخوان ربما سيضر بالمشروع الإسلامي وسيهيء الفرصة للتيارات الليبرالية والمناهضة للإسلاميين في العودة من جديد وإفشال المكاسب التي حققها التيار الإسلامي منذ الثورة وحتى الآن، كما حدث جليا عندما تكاتفوا جميعا للوقوف مع د. محمد مرسي في انتخابات الرئاسة. إلا أن الأمور ربما لا تعود إلى الوراء بهذا النمط من التفكير مع وجود الحركة الإسلامية التي ينوي المرشح الرئاسي المستبعد حازم صلاح أبو إسماعيل تأسيسها وإعلانها في منتصف الشهر الجاري، خاصة وأن أبو إسماعيل أقرب "فكرياً" للسفليين من جماعة الإخوان وربما يغتنم هو أصوات السلفيين بل وربما ستتوجه إليه بدعم من رجال الدعوة السلفية أنفسهم الذين تورطوا في صراعات حزب النور السياسية، التي قد تقود إلى خيارين : إما الانسحاب بالكامل من المشهد السياسي أو توجيه الدفة لدعم أي فريق من التيار الإسلامي مثل الإخوان ممثلين في حزب الحرية والعدالة، أو الحزب المرتقب لأبو إسماعيل. هل يعود السلفيين لما قبل الثورة؟ وكانت ثورة 25 يناير بمثابة بداية التعارف بين التيار السلفي وفئات المجتمع المصري المختلفة، وكانت الشهور التالية للثورة هي البداية الفعلية لممارسة السلفيين للسياسة، والتي كانوا ينظرون إليها قبل الثورة على أنها مفسدة، إلا أنهم اضطروا لخوض غمار صراعاتها أملا في تحقيق مكاسب لهم في إقامة مجتمع ذو صبغة إسلامية ودولة تحمل المرجعية الإسلامية، وهي أهداف سواء تحققت أو لم تتحقق فإن عموم السلفين في مصر يخشى من أن يكون انهيار "النور" ودخوله في صراعات وأزمات متتالية، سببا لانطواء السلفيين من جديد والاكتفاء بالانتشار في المساجد ودروس تحفيظ القرآن، دون التطرق للسياسة والتورط في مستنقعها، وهو ما يهدد مشروع الإسلام السياسي إذا ما فقد هذه الكتلة التصويتية التي حسمت له العديد من المعارك السياسية التي خاضها منذ الثورة وحتى الآن، وهو ما يجعل الحفاظ على هذه الكتلة يمثل مسئولية كبرى على الإخوان المسلمين والدعوة السلفية وأبو إسماعيل.. فهل ستحافظ هذه التيارات على "تورتة" حزب النور، في المشهد السياسي، أم ستتصارع عليها ويحصدها أي منها، أم سيوفر السلفيون وقتهم وجهدهم ويقرروا المقاطعة التي ارتضوها من قبل لسنوات بعيدا عن "مفسدة" السياسية؟!.