انقلب السحر على الساحر ... وبات من "حضّر" العفريت عاجزاً عن صرفه واتقاء شره ... فالإعلام الرياضي - إن جاز لنا أن نطلق عليه إعلاماً من الأساس - ظل يغذي عقول ونفوس جماهير الكرة في مصر بكل ألوان التعصب والحقد والغل على مدار سنوات. ظهر لنا هذا الغول الذي أطلق على نفسه الإعلام الرياضي، لتتحول متعة الكرة القديمة التي كانت لا تتعدى مدة المباراة، لنجد أنفسنا أمام برامج وتحليلات تافهة تستمر من السادسة مساء وحتى مطلع الفجر، تمتلئ بالعديد من الهجوم والنقد و"التسخين"، وطبعا كلما زاد التسخين زادت "سبوبة" الإعلانات والرعاية، والتي باتت أغلى عند أساطين هذا الإعلام من دماء أريقت بمدرجات ملعب للكرة!!. الألتراس "عفريت" الإعلام الرياضي لم يكن له ملجأ في الأساس سوى هذه البرامج وهذه القنوات والتي فتحت له أبوابها لكي يفتح النار على من يريد ويساعد على تأجيج مشاعر الكراهية والتعصب بين الجمهور، تربى ونشأ وترعرع في أحضان أساطين هذا الإعلام، ووكلاء "السبوبة"، واشتد ساعده ليتحول التشجيع المثالي في المدرجات إلى كرنفالات في السب والإسفاف والألفاظ البذيئة والإشارات الغير اللائقة التي قادها جمهور الألتراس بدون رقيب أو قانون يقف بقوة أمام هذه التجاوزات. حتى إذا ما حاولت شرطة "مبارك" معالجة الموقف بطريقتها تحول الموضوع بينها وبين الألتراس إلى حرب شوارع، في الوقت الذي لم يفطن فيه أحد إلى أن سبب هذه التجاوزات لم تكن المدرجات فقط وإنما تلك الشاشات التي تستحق وبحق جائزة الإبداع في التعصب والدعوة للكراهية. انتهاء شهر العسل ومع قيام الثورة تحرك العديد من شباب الألتراس إلى الميدان وبقى أساطين الإعلام الرياضي يحاولون الحفاظ على النظام البائد وسخروا برامجهم "الرياضية" لتشويه ثورة الشباب وانتفاضة الشعب، فتصريحات الفنان طلعت زكريا الشهيرة - التي اتهم فيها ثوار التحرير بشرب المخدرات والمسكرات وإقامة علاقات جنسية "كاملة" في قلب الميدان- لم يدل بها إلا على قناة "مودرن" مع أحمد شوبير، ومداخلات اللاعبين القدامى والحاليين للتملق للنظام وسب الثورة كانت تستقبلها تليفونات برامج مدحت شلبي، ومحمود معروف، إبراهيم حجازي، خالد الغندور، وغيرهم، وهي نفسها البرامج التي احتفلت بالثورة يوم تنحي مبارك، في تحول قياسي مع الأحداث. بعد الثورة عاد الألتراس من الميدان إلى المدرجات تسيطر عليه أفكار الثورة والتخلص من الفلول، وهنا انتهى شهر العسل بين الإعلام "السبوبة" وبين الألتراس، بعد أن وجهت جماهير الكرة الاتهامات وبالأدلة لهؤلاء الإعلاميين ب "الفلولية" وأنهم عار على مصر الثورة ويجب أن يختفوا من على الساحة الرياضية وتحولت أناشيد وأغاني المدرجات من شتم الجماهير بعضها البعض إلى شتم رموز هذا الإعلام كلاً باسمه. وبات التندر على تلك الشعارات والهتافات تسلية نشطاء مواقع التواصل الإلكتروني، في الوقت الذي حاول فيه أصحاب "السبوبة" الحفاظ على هدوئهم أملا في استمرار المسابقة وبقاء السبوبة .. واستمرت المسابقة واستمرت كذلك المناوشات والهجوم المتبادل بين الطرفين، هذا يتهم ذاك بالفلولية والتخطيط للثورة المضادة والآخر يتهمه بالانحراف وتناول المخدرات. القشة التي قطمت ظهر البعير ثم جاءت مباراة المصري والأهلي ببورسعيد في الأول من فبراير الماضي، الذي كان أكثر المتشائمين من الوضع الأمني في البلاد يتخيل أن يصل هذا الانفلات لملاعب الكرة ليخلف قتلى ومصابين، لكن هذه المباراة جاءت لتشهد مجزرة هي الأعنف في تاريخ الرياضة المصرية والعالمية،، حين لقي 74 مشجعاً أهلاوياً مصرعهم، لتخرج الأصوات التي تنادي منذ قيام الثورة بوقف النشاط الرياضي حتى تهدأ الأوضاع الأمنية لتؤكد ضرورة وقف المسابقة ويخرج أيضا الألتراس مؤكدين على إلغاء النشاط حتى يتم القصاص. وهنا يقف خدامين "السبوبة" وقفة رجل واحد على غير عادتهم ليقولوا لا لوقف النشاط، وكأن جثث الشباب والأطفال في المدرجات ودموع أمهاتهم وذويهم لا تعني لهم شيئا في ظل عبوديتهم اللا مطلقة للسبوبة، بل والأدهى من ذلك، أن أعداء الأمس في المجال صاروا أصدقاء اليوم، فالغندور يستضيف شوبير في برنامجه والأخير يتضامن مع شلبي وجميعهم يكون "أوركسترا" عمل جماعي لعزف مقطوعة واحدة فقط "عودة النشاط .. عودة النشاط .. عودة النشاط"!. ومع إلغاء المسابقة، عادت الأمور للهدوء مجدداً، إلا أن هذا الهدوء الحذر لم يستمر طويلاً بعدما بدأت الاستعدادات لموسم جديد، وهنا ثارت ثائرة الألتراس، الذين طالبوا بالقصاص لأصدقائهم قبل المسابقة وقرروا أن يتحركوا بأنفسهم لمنعها، فتارة يقتحموا النادي الأهلي بفرعيه، وتارة اتحاد الكرة. وفي كل مشهد من هذه المشاهد تسن الألسنة في قنوات الإعلام الرياضي ضد "اللي عايزين يوقفوا السبوبة" ... فما كان من الألتراس إلا أن يعدل وجهته هذه المرة ليغلق هذه القنوات بنفسه،، حين اقتحم استديوهات قنوات مودرن ليمنع دخول مدحت شلبي وأحمد شوبير إليها وهو ما تحقق بالفعل، في ضربة قاصمة وجهت لهذا الإعلام الذي بات يعيش ساعاته الأخيرة، بعد أن أدرك أخيراً أن الثورة قادمة لمجال الرياضة لا محالة .. وأن العفريت الذي تم تحضيره لرعاية مشروع التوريث هو نفسه المارد الذي وقف ثائرا أمام فصيل من فصائل الثورة المضادة.