في الأجواء المشحونة بظلمانيات الإقليمية هنا والطائفية هناك وبظلمانية الغلو المذهبي هنا وهناك فإن أية دعوة تجمع ولا تفرق تكون دعوة مباركة وبمثابة خشبة نجاة للغرقى في بحر الحماقة. أحوالنا الفكرية باتت في حالة مدمرة. فعلى سبيل المثال، إن الذين يدعون بطهرهم من الأفكار الحلولية مثلاً، يقعون في عين الحلول والاتحاد عملياً، عندما يكفرون أصحاب الرأي الآخر. إنهم يتصرفون كأن الله جل وعز قد حل والعياذ بالله فيهم أو اتحد بهم. هذا من ناحية، أما من ناحية آخرى فإن اللعن والسباب منهي عنهما فيما يخص الأخرين فكيف ذلك مع أهل القبلة. وقد نهى ربنا تبارك وتعالى في كتابه عن سب أوثان الوثنيين حتى لا يسبوا الله، فقال سبحانه: (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم). كما نهى الحبيب عليه الصلاة والسلام عن شتم أبي جهل حتى لا يؤذي ذلك ابنه الصحابي عكرمة رضي الله عنه. إن التحشيد المذهبي المقيت فيما بين المسلمين، وترك التحشيد ضد العدو الصهيوني المهيمن والراغب بالوصول إلى خيبر، لهو منتهى السقوط وهو أشد عدواناً من العدوان الخارجي. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أنه لو اجتمع مائة سبب للتكفير وسبب لعدم التكفير لأخذ بعدم التكفير. فألا يكفي توجهنا لقبلة واحدة ليعصم بعضنا بعضاً من التكفير، في الوقت الذي يحشد الكفار الحقيقيون حشودهم وعملاءهم الفتانين ضد أمتنا؟ إن الدعوة للحوار المذهبي هي دعوة لا يجوز التخلف عنها، ومن يتخلف عنها فهو كالأحمق الذي يعرض عن التبر راضياً بالتبن بدلاً.