غالبًا ما يوصف «الدعاة الجدد» بأنهم أكثر الدعاة «وعيًا بالواقع»، دعك من حقيقة أن مواقفهم من الثورة المصرية قد أظهرت عدم واقعية هذه المقولة، إلا أنه يمكنك أن تعرف أن المصطلحات لا تطلق في الإعلام المصري نسبة إلى أصولها بل نسبة إلى أضدادها. فهم واقعيون ومعتدلون بالنسبة إلى دعاة السلفيين «المتشددين»، وليس بالنسبة إلى الإقتراب أو الإبتعاد عن الكتاب والسنة. والأزهر هو موطن الوسطية وحامي حمى «الإسلام المصري» بالنسبة إلى «الإسلام الوافد» و«الوهابية» وليس نسبة إلى «الوسطية» التي سمى الله بها أمة الكتاب والسنة. وبنفس الطريقة كان كل من عبد المنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي «مرشحا ثوريا» نسبة إلى بقية مرشحي الفلول، وليس نسبة إلى «الثورة» نفسها. ***** لدي تصور أن الأستاذ سيد قطب وجيل محنة 65 ومجاهدو أفغانستان والشيشان وفلسطين وسورية وليبيا وغيرهم ربما لو وجِدوا في زمن مختلف، أو بالأحرى في «زمن اسلامي» بتعبير العلامة المغربي الدكتور طه عبد الرحمن، لما حظوا بكل هذا المجد، ذلك أن ما فعلوه ويفعلونه سيكون أمرًا طبيعيًا بالنسبة «للمسلمين». لدي تصور أننا نأخذ من الدين في كل مرحلة زمنية وسيلة إصلاح تناسب درجة الفساد التي عمت، حتى إذا تعمقت درجة الفساد إلى مرحلة «فساد التصورات» اضطرت الحاجة دعاة المسلمين إلى إعادة تذكير الناس بمعاني «التوحيد». وحينما يتم هذا ستخفت هذه الدعاوى وستظهر خطابات دعوية أخرى تناسب فساد المرحلة الجديدة. ***** ما أريد أن أخلص إليه أن «الدعاة الجدد» يُعانون من خلل بالغ في فهم أولويات إصلاح الواقع. هناك حالة مذهلة من التركيز على «إجراءات» إصلاح الواقع، دون محاولة إصلاح «التصورات العقدية» يلخص صديقي الغائب همام يحيى مشروع عمرو خالد قائلاً: «مشروع عمرو خالد ناتج عن "إسلام السوق"، وما نتج عن السوق فهو عائد إلى السوق، وخلاصة عمله: إذا كان الله موجودًا فلنستعمله بطريقة مفيدة»! يحدثنا عمرو خالد عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بطريقة «التنمية البشرية» المعتادة. لقد كان عمر «ناجحًا» وصانع حضارة لأنه كان «لينًا متسامحًا» يجيد تقسيم وقته والتحكم فيه. أما «صناع الحياة» فلم يتجاوز مقولة التنظيم الليبرالي الجديد للاقتصاد وهو لا يتحدث عنها أبدًا. فالعدالة الإجتماعية تتحقق من خلال «العطف» على الفقراء، وليس إيجاد نظام إجتماعي أكثر عدالة مع استمرار أداء الواجبات الدينية والإجتماعية تجاههم. أما معز مسعود فيحاول أن يناقش قضايا الإلحاد بعد ملاحظة تزايد الظاهرة على الإنترنت (جيد لكن الدين ليس فلسفة بحتة إلى هذا الحد). مصطفى حسني ما زال يتصور أنه في مركز للتدريب على التنمية البشرية يحدثنا عن قصص النجاح في «الواقع العملي» من خلال قصة مندوب مبيعات نجح، وتوسعت أعماله، ثم نسي الله في خضم أعماله، وعاد إليه في النهاية(!) وأما الحبيب علي الجفري فما زال غارقًا في تهويماته الصوفية ولغته المحببة. أما الدعاة السلفيون أصحاب الباع الطويل في المجال، فلم تتغير طريقتهم الوعظية ويخسرون أرضًا، وبالطبع يخسرون «إعلانات» أيضا لصالح الطريقة الجديدة «الشيك». أما طارق السويدان فإنه يُعدك لكي تستطيع أن تقتحم بشركتك الإسلامية كل الضغوط الرأسمالية، وتستطيع أن تنافس وتصبح أعظم شركة في عالم الرأسمالية. (ولا تنس بالطبع أخي البرجوازي المسلم أن تدفع زكاة مالك فهذا حق الله عليك). خلل الأولويات وعدم إدراك طبيعة الخلل في الواقع ومصدره ينتجان هذه الخطابات الإجرائية التي تسعى قدر الإمكان ليس إلى اختراق نظام الطغيان، بل للتعايش في أكنافه، وتجهيز المستمع/ المشاهد/ المتدرب (حسب قدرتك المادية) على المنافسة من خلال قواعده وآلياته، مع أن بديهية البديهيات أن هذا نظام لا يمكن أن يقوم عمل اسلامي داخله.