حكم احتكام غير المسلمين لشرائعهم في ظل حكومات تلتزم بتطبيق الفقه الإسلاميّ للشريعة. اطلعت على الضجة المثارة حول تحاكم الأقباط النصارى إلى شرائعهم، وكنت أظن أنَّ هذا من الأمور البديهيَّة التي لا تحتاج إلى نقاش، فالقرآن المجيد قد حسم الأمر بحيث لم نعد بحاجة إلى الرجوع إلى غيره في هذا الأمر، فلأهل التوراة أن يتحاكموا إليها، ولأهل الإنجيل أن يتحاكموا إليه، بقطع النظر عما يخالف أو يوافق الشريعة الإسلاميَّة. فقد جاء قوله –تعالى- بعد ذكر بني إسرائيل الذين عقب الله -جلَّ شأنه- على عدم تحاكمهم إلى التوراة بقوله: ﴿... وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ (المائدة:44) وبيَّن لنا ما كتبه عليهم من قصاص لنحكم بينهم في شريعتهم إن أرادوا ذلك وتحاكموا إلينا، واقرأ الآية (45) من سورة المائدة، وفيما يتعلق بأهل الإنجيل جاء قوله -جلَّ شأنه: ﴿وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ (المائدة:46)، وقال -جلَّ شأنه- بأوضح بيان: ﴿وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (المائدة:47). وقد خيِّر رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلَّم- بأن يحكم بين أهل الكتاب إذا جاؤوه، أو أن يعرض عنهم ويتركهم لمراجعهم، وقال –جل شأنه- في هذا الصدد: ﴿... فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (المائدة:42). بعد كل هذه الآيات الصريحة الواضحة نستطيع أن نقول إنَّ هذا الأمر قد بيَّنه القرآن المجيد بما لا مزيد عليه، وأعطى أهل الكتاب الحق بأن يتحاكموا إلى كتبهم وشرائعهم بقطع النظر عن وجهة نظر الإنسان المسلم في تلك الكتب والشرائع. فلا مجال للاختلاف حول هذه الأمور، ولا داعي له. ولندع المزايدات جانبًا، ونتحاكم إلى كتاب الله، ولا نجعل من مواقفنا وآرائنا ومذاهبنا وسائل صراع وعنف في المجتمع.