كلنا موقن بأنَّه صائر إلى الموت، وكلنا يخشاه وقد يسوؤه ذكراه رغم يقينه بأنَّه قادم لا محالة، والعرب في الجاهليَّة قد كثر شعرهم في الموت ومقارنته في الحياة، وأصبح ذلك جزءً من أدبياتهم، واستمر ذلك حتى ظهور الإسلام، يقول شاعرهم: كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا *** وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا وهذا يشير إلى أنَّ هناك أحوال يمر الناس بها يصبح هذا الغائب المكروه مطلوبًا، بل مفتاح خلاص، وهل الانتحار إلا رغبة في استعجال الموت قبل وقوعه وقبل مجيئه، وأكثر ما يتمنى الناس الموت حين تضطرب الأمور، وتختل الموازين، وتشوه الحقائق، وينطق الرويبضة، ويُخوَّن الأمين ويؤتمن الخائن، ويهان الشريف ويكرم الفاسق الداعر، يقول أبو العلاء في قصيدة له: إذا عَيّر الطائيَّ بالبخل مادر *** وعَيّر قِسّاً بالفهاهة باقل وقال السهى للشمس أنت كسيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل فيا موت زر إنَّ الحياة ذميمة *** ويا نفس جدي إنَّ دهرك هازل والدهر لا يهزل، لكنَّها ظروف الناس وتصرفاتهم وأوضاعهم هي التي توصف بالهزل وما إليه. نسأل الله –جلَّ شأنه- أن يجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، ويجعل الموت راحة لنا من كل شر، ويحسن خاتمتنا في الأمور كلّها، ويجعل خير أيامنا يوم لقاه. ---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------- *حاتم الطائي أكرم العرب، ومادر أبخل العرب، وقس بن ساعدة أخطب العرب، وباقل أعيا العرب لا يتكلم، والسهى نجم خافت.