مسار الثورات يمر - في تصوري وتقديري- عبر أربع مراحل: أ- "التعبئة الفكرية" (بأيدي المثقفين المجاهدين الوطنيين). ب- ثم "الغضب المتصاعد" (جَرَّاء تجاهل الحُكام المستبدين ل "صيحات التحذير" و"نداءات الإنقاذ والإصلاح"). ج- ثم "الانفجار الجماهيري" (الذي يَحسُن أن يسبقه، أو يلحقه مباشرةً، "تصورُ البديل للوضع القائم والتخطيط له"). د- ثم "استمرار الحِسِّ الثوري" (لا "اضطرابات الأجواء الثورية"؛ فإن أَخْوَفَ ما يُخَافُ عليه في مسار الثورات - ومَسَارُ الثوراتِ كَمَخَاضِ الحامل- : اشتياقُ القاعدين إلى أيام الرخاء) الذي لا يُمكن أن نَضْمَنَ استمرارَ حضورِهِ المتوهجِ والمؤثرِ إلا بالعمل على "إبداعِ تصورٍ بديلٍ متماسكٍ للوضع القائم"، ثم العمل على "توعية الناس به وإشاعته فيما بينهم". ويَحسُن بي ههنا أن أستدعي، مع شيء مِن تصرف قليل, قولة عبد الرحمن الكواكبي: [قوانين "التخلص من الاستبداد": "الشعور بالحاجة إلى التغيير" + "يجب حدوث التغيير سلمياً وبالتدريج" + "لابد من تصور البديل"]. ولا يخفى على القارئ الكريم مدى "تقصير" الثوار المصريين (شباباً وشخصيات عامة وأحزاباً وتكتلات, ومنذ 12 من فبراير 2011م, وحتى هذه اللحظات) في "العمل" على تحقيق "المرحلة الرابعة" بدقة ونظام ووعي وائتلاف وتكتل, بل أكادُ أقولُ : لا يخفى عليه مدى "ذهولِهم" عن إدراكها و"نقصِ" وعيهم بمحوريتها وشدة خطورتها وشديد أهميتها في "تحقيق مقاصد الثورات"؛ حتى لا تتحول الثورات إلى "حمل كاذب"! وفي ظني أنَّ ما أدى إلى "تعثر" كثير من خطوات ثورتنا هو أننا لم ندرك احتياجها إلى: * "رجالٍ" ذوي بسطة في العلم والجسم ما فَتِئْنَا نُشَوِّهُهُم كثيراً، وما بَرِحْنَا ننازعهم أحياناً, ونتجاهلهم أخرى، * و"شعبٍ" يتحمل تبعاتها لم نُوَعِّهِ بعدُ، * و"تحالفاتٍ سياسية واجتماعية صلبة" لم نُقِمْهَا بعدُ، * و"اقتصادٍ" لم نوضح أولوياته العاجلة بعدُ. * و"إعلامٍ" لا يُشيعُ الفاحشة ويزعزع معاني الولاء والوطنية وبنشر مفاهيم لفتنة والاستقطاب بين جموع الفاغرين أفواههم أمام شاشاته وصُحُفه؛ حتى لا نُمْسِي نرى الناسَ يخوضُ بعضُهُم في بعض كما الآن! كثيرٌ من الخائضين في مختلف الحوارات والنقاشات (اليومية والعامة، السياسية والفضائية والصحفية) في كثير من الأمور، كانوا قبلَ الثورة من كبار "الأميين" فيها، فمِن أين يأتي الرشدُ والعلمُ والتحقيق؟! لقد وَقَعَتْ قطاعات عريضة من جماهير متابعي الشئون السياسية المصرية والمتحدثين فيها وعنها في جُبَّين كبيريِن: "جُب النقص الحاد في المعلومات الصحيحة الثابتة", و"جُب التعميمات الكاسحة والكسيحة"، إضافة إلى "طامَّة تصديق الشائعات" و"هاوية النظرة العوراء أحادية الجانب والاتجاه". وهذا رأينا - باختصار وعلى عجل؛ لضيق الوقت وشدة الإرهاق، ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه والله أعلى وأعلم