أعد الحوار للنشر :أحمد عبدالحميد حسين أكد الدكتور كمال السعيد حبيب الباحث والكاتب في الفكر والحركات السياسية المعاصرة في حواره لصحيفة "التغيير" أن العسكر استطاع أن يحتوي الإسلاميين حينما أخذهم مبكرا من "الميدان" إلى "البرلمان"؛ وكانت الكارثة حينما اكتشف الإسلاميون أن البرلمان بلا صاحيات حقيقية، وكان الشارع ينتظر من الإسلاميين توقعات عالية بعد الثورة فأوكلوا إليهم أصوات فلما أعطوا برلمانا مقيداً" أصابت الناس خيبة أمل شديدة. جاء ذلك في الحوار الذي أجراه مجلس تحرير صحيفة التغيير" الإلكيترونية أمس الثلاثاء مع الدكتور كمال حبيب الكاتب والباحث، ورئيس حزب السلامة والتنمية ( تحت التأسيس) وهو الحزب الذي يشكل تياره الأساسي حركة "الجهاد الإسلامي" المصرية. وإلى الحوار كاملاً : دكتور كمال أنت واحد من قيادات العمل الطلابي الجامعي في السبعينات، وكانت لك مشاركتك في الحراك الإسلامي في السبعينات والثمانينات ما هي الأفكار الأساسية التي شكلت رؤية الجيل الطلابي حينها، نتححدث هنا بالأساس عن الحركة الطلابية الإسلامية؟ أغلب المجموعات الطلابية التي مارست العمل الطلابي في السبعينات إسلاميين وغير إسلاميين كانوا متأثرين إلى حد كبير بعبدالناصر والتجربة الناصرية؛ على المستوى الشخصي ولإني أعيش في قرية فقيرة كانت مشاهد الفقراء والمحتاجين وما يعيشون فيه من " فقر مدقع" تؤثر في بشدة وتتناغم مع نداء العدل الاجتماعي و"الاشتراكية" التي تنادي بهما الدولة الناصرية. وفي القضية العربية وصل بنا الأمر أن قمنا بتسجيل أسماءنا كمتطوعين للكفاح ضد العدو الصهويني، وشاركت في إلقاء خطبة أمام زملائي حينما استشهد الفريق عبدالمنعم رياض إبان حرب الاستنزاف، كل ذلك قبل أن نتأثر ونحن في أواخر المرحلة الثانوية وأوائل فترة دخولنا الجامعة بالظاهرة الإسلامية. في النصف الثاني من العام الأول في كليتي ( اقتصاد وعلوم سياسية) وهو العام الذي يوافق بدأ النشاط الفعلي للحركة الطلابية الإسلامية في الجامعة عام 1976 مع انفتاح كبير للعمل السياسي بداخلها الجامعة؛ بدأتُ وبدأ كثيرون غيري على الإقبال بنهم على القراءات الإسلامية؛ وكان أول كتاب قرأته حين ذاك هو كتاب ( الحجاب) لنعمت صدقي، وقراءات إسلامية وكانت أبرز الأسماء حينها كتابات إبن تيمية وسيد قطب. وكان كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم ) هو مدخل فهمنا للإسلام بشكل رئيسي؛ فضلا عن كتابات سلفية أخرى كثيرة ومتعددة، ممكن تعتبر أن هذا الجيل بنى خبرته الذاتية بنفسه، ولم يكن هناك جسر لنقل خبرة السابقين إليه، وكان أحد الأسباب الأساسية في ذلك هو رغبة هذا الجيل أن يؤكد ذاته بعيدا عن جماعة "الإخوان المسلمين" في هذا الوقت والذي كانت فيه مصر تبحث عن هوية جديدة قبيل حرب السادس من أكتوبر وبعدها مباشرة بعيدا عن الهوية التي أسسها عبدالناصر لها وهي (القومية العربية) كنا نرى أن (الهوية الإسلامية) هي المظلة الأساسية التي يجب أن تصبغ الدولة المصرية، وبدأت الأفكار تتبلور إلى أنشطة فكيانات صغيرة انتهت إلى تكوين وتشكيل مجموعة العمل الإسلامي بالجامعات المصرية وهي التي عرفت بإسم ( الجماعة الإسلامية) وسرعان ما انضم أبرز قيادات هذة المجموعة بقيادة عبدالمنعم أبو الفتوح وعصام العريان إلى جماعة الإخوان، وكان لقاء طلبة طب القصر العيني بقيادات الإخوان الكبار الذين يفدون حينها من السجن على مستشفى القصر العيني من بعد 71 وحتى عام 74 له أثره الكبير في تأثر القيادات الطلابية بكلية طب القصر العيني بهم، ومن ثم جرت مفاوضات سرية على أثرها انضمت هذه المجموعة الكبيرة للإخوان، فيما عرُف بإسم ( التأسيس الثاني) لجماعة الإخوان المسلمين. وكانت هناك مجموعات أخرى لم تنضم للجماعة أبرزها مجموعة طارق الزمر وعبود الزمر وناجح إبراهيم والتي أكملت مسارها تحت إسم (الجماعة الإسلامية)، ومجموعة الشباب الإسلامي الذي أسس لاحقا مدرسة (الدعوة السلفية)، فضلا عن بعض المجموعات الأخرى الصغيرة. ما تأثير ارتباط الحراك الإسلامي الوليد في الجامعة بمدرستي الشيخ ( إبن تيمية) والشيخ ( سيد قطب)؟ كان له أثره البعيد على الأفكار الكبرى لدى هذا الجيل، فمدرسة سيد قطب وإبن تيمية لهما نفس اللون، وكلاهما عبر عن نفس الأطروحة تقريبا، وهي منظومة " فقه التترس" و"الاستثناء"؛ فإبن تيمية أنتج أفكاره في ظل وضعية صعبة عاشتها الأمة الإسلامية حينها نتيجة سقوط الخلافة على يد المغول وتزامن مع هجمات المغول والتتار الحروب الصليبية فكان نتاج أفكاره هي مزيج بين فكرة المقاومة، وإقصاء الأفكار الغريبة، والتمترس حول الذات والهوية، وهو نفس الأمر بالنسبة للشيخ سيد قطب الذي واجه الدولة الناصرية واعتبرها "معادية" للفكرة والمشروع الإسلامي، وصدر فكرة عودة المجتمع الإسلامي النقي في مقاومة "المجتمع الجاهلي"، وكلا من هذين الإسمين كان لهما تأثيرهما الكبير في تشكيل فكر أغلب من انتسب للحركة الإسلامية الناشئة حينها. هذا الجيل لم يجد أحد يحاوره أو يناقشه في أفكاره، وكانت جماعة الإخوان نفسها كانت قد أنهكت في حوارات مع المعتقلين مع أعضاءها في السجون والذين كانوا يتبنون فكر التكفير، وهي الحوارات التي أنتجت كتاب (دعاة لا قضاة) ، ومن ثم لم تلفت للشباب الإسلامي الجديد حينها، اللهم باستثناء المجموعة التي احتضنتهم، ثمانكفئت الجماعة على ذاتها لتعيد بناء نفسها من جديد. بالطبع هذه القراءة كان لها تأثيرها على تبني قطاعات بعينها من الحركة الإسلامية العنف والتغيير بالقوة ومن ثم جاء اغتيال السادات؟ نعم، القراءة المباشرة والنقل بدون "جسر جيلي" توازي مع فكر الشباب بحدته وقسوته وعنفوانه؛ لكن أود أن استدرك في مسألة مهمة وهي أنه كان هناك صوت ضمير حي لدى الشعب المصري في أهمية قتل السادات؛ والذي بدأ في أواخر السبعينات وبعد اتفاقية كامب ديفيد مباشرة يفقد اتزانه وعقله وقدرته على اتخاذ القرارات واعتقل 1500 من الكتاب والمثقفين والنشطاء السياسيين الذين عارضوا سياساته. السادات بالنسبة لنا كان يمثل الشخص الذي هدم كل الثوابت؛ هدم فكرة" العدو الأوحد"، صدم الشعب المصري كله بتبعية لأمريكا وإسرائيل بعد أعوام عديدة كانوا يسمعون فيها عن أهمية دور مصر في مقاومة الهيمنة والتبعية، السادات حطم تماماً الطبقة المتوسطة، والقيم الاجتماعية، والاقتصاد المصري، وجر مصر لخراب سياسي واقتصادي لم تشهده في تاريخها، ومن ثم عد الشباب حينها التغيير بالقوة وقتل السادات بمثابة الجهاد في سبيل الله، السادات كان يفكر أقرب مقربيه في منعه بالقوة من زيارة إسرائيل حيث يذكر وزير الخارجية السابق إسماعيل فهمي في مذكراته أنه عرف من السادات موضوع زيارته للقدس أثناء وجودهما في رومانيا وأن أسامة الباز مدير مكتب السادات حينما عندنا علم بالخبر انفجر في اسماعيل فهمي قائلا :"هذا جنون. لا شك أن الرجل غير متزن. لا بد من منع ذهابه الى القدس حتى لو استعملنا القوة". دكتور كمال ما التغيير الذي سيحل على التيار والحركات الإسلامية من دخولها المعترك السياسي؟ وما تقييمك لأداء الجماعات والأحزاب الإسلامية بعد الثورة؟ أولاً، سقطت مسألة "التغيير" العنيف من فترة منذ بدء موضوع المراجعات، ثم أكدتها الثورة التي أثبتت أن هناك طرق أخرى غير طرق التغيير بالقوة والعنف؛ الأمر الثاني في رأيي أن التيار الإسلامي صدم لدى نزوله للواقع السياسي بأن هناك فرق بين الفكرة الطهورية المثالية النقية والمطلقات وبين التدافع السياسي التي يتسم بالمرونة والتعاطي التدريجي في النزول للواقع، والخروج من إطار الحديث الأفكار الكبرى للحديث عن تفصيلات معيشة الناس وظروفهم، صار الأمر اليوم مرتبطا ليس بالحديث عن "الخلافة" وكيفية الوصول إليها، وإنما الأمر اليوم مرتبط بكيفية توفير المسكن والمأكل والمشرب للناس. بالنسبة لأداء التيار الإسلامي بوجه عام؛ للأسف المجلس العسكري استطاع أن يحتوي الإسلاميين حينما أخذهم مبكرا من "الميدان" إلى "البرلمان"، وكان الشارع ينتظر من الإسلاميين توقعات عالية بعد الثورة فأوكلوا إليهم أصوات فلما أعطوا برلمانا مقيداً" أصابت الناس خيبة أمل شديدة. العسكري فصل الإسلاميين عن الثورة حينما أدخلهم البرلمان، وكلنا نعرف أن البرلمان بلا صلاحيات منذ ثورة يوليو؛ في رأيي أن الإسلاميين اندفعوا بفعل غير محسوب نحو العمل السياسي وهذا الأمر يحتاج لمراجعة وتدقيق. الإسلاميون دفعوا مشايخ ودعاة غير مؤهلين للعمل السياسي، فخسروا الاثنين.. الدعوة والسياسة. أخيراً، هل ينتهي سقوط النظام بانتخاب مرشخ خارج دائرة الفلول؟ لابد أن ندرك أن التغيير يواجه دولة عميقة تشبه دولة (كاميرلا) بالمكسيك وهي الدولة القائمة على نموذج نظام "الأباضيات والفتوات والبلطجية" ومنظومة الرئاسة تخرج منها شبكات تغذيها من أسفل، فشبكات أخرى أكثر تفرعا وتجذراً حتى تصل لقطاعات تحتية إدارية ومحلية، يمسك مفاصل هذه الشبكات أعضاء ومواطنون موالون للنظام القديم، لا ينبغي للقوى الثورية والسياسية أن تتصور معنى أن انتقال السلطة إليها أن النظام سقط.! لا الأمر صعب جداً، نحن أمام صراع اجتماعي وسياسي حول النفوذ والثروات والمصالح التي سيدافع عنها كل أبناء النظام القديم من أعلى الهرم حتى أسفله بدماءهم وأموالهم.