كان المشهد فاضحاً وكاشفاً مهما حاولوا تغطيته باعتبارات ظاهرها الحياد المهني: أحمد شفيق رئيس وزراء مبارك الأخير، الذي شهدت أيامه القليلة في قيادة الحكومة إحدى أبشع المذابح في تاريخ مصر (موقعة الجمل)، واقف بثبات مسرحي خبره المصريون جيداً عن يمينه خيري رمضان (ثاني اثنين في الإعلام الرسمي خرجت من أجل طردهما من تليفزيون الدولة مظاهرات حاشدة شهيرة رابطت على باب ماسبيرو، الثاني كان تامر بسيوني)، وعن يساره مجدي الجلاد (رأس الحربة في منظومة إعلام الحزب الوطني المنحل حالياً ورئيس التحرير الذي جلس على كرسي قيادة المصري اليوم بعد واقعة إعلان الخمور الشهيرة). ليست القصة قصة الشامي والمغربي لنسأل من جمعهما معاً، لكنها حكاية فريق واحد يؤدي فرد فيه دوراً مرسوماً، تنتهي خيوطها إلى أصابع أجهزة أمن نظام مبارك التى كان أحد أبنائها (صفوت الشريف) يشرف على صياغة المنظومة الإعلامية للعهد البائد. من أهم محطات تلك القصة زيارة قام بها 4 صحفيين مصريين، كلهم رموز إعلامية الآن ( م.ج) و (ع.ك) و( خ.ر) و(خ . ص) لرجل الأعمال ممدوح إسماعيل صاحب العبارة الشهيرة المنكوبة (السلام 98) في مقر إقامته بلندن بعد هروبه بتسهيلات من زكريا عزمي بعد غرق الباخرة ومصرع 1300 مصري من ركابها في العام 2006 ، تم الاتفاق خلال الزيارة القصيرة على إنشاء مطبوعة وموقع إليكتروني ضخم يكونان تجربة جديدة شكلا ومضمونا على الإعلام المصري بأموال ممدوح إسماعيل لكن من خلف ستار. بعد تلك الزيارة بدأت خريطة تكتلات إعلامية مصرية جديدة تظهر، كل تكتل منها ينتهي إما إلى جهاز أمني وإما إلى رجل أعمال من رمو نظام مبارك، وكان الباب السحري الذي تدخل منه تلك المنابر إلى عقل وفكر المواطن المصري هو الهجوم المتفق عليه على النظام والتظاهر بالدفاع عن حقوق البسطاء، الذين تسرقهم تكتلات مالية ينتمي لها ملاك تلك الصحف! في عام 2008 استوت على بحر الإعلام المصري المرئي والمسموع عدة سفن هي كيانات إعلامية مقروءة ومسموعة تمارس احتكارا لا يقل إحكاما عن احتكار أحمد عز للحديد، وصار الأمر أشبه بمافيا تدفع للصحفيين ومعدي البرامج رواتب طائلة مقابل إخماد ثورة التساؤلات المهنية والتظاهر بخدمة صاحبة الجلالة من اجل الحقيقة فقط. ومع استواء تلك الكيانات الإعلامية برزت أسماء صارت رموزا للعمل الإعلامي أغلبها بلا تاريخ مهني حقيقي مثل: منى الشاذلي، مجدي الجلاد، محمود مسلم، خيري رمضان، معتز الدمرداش، وغيرهم من نجوم امبراطوريات إعلامية يملكها رجال أعمال مبارك مثل أحمد بهجت وحسن راتب وصلاح دياب. وانضمت تلك الكتيبة إلى أساطين وأوتاد إعلام مبارك مصطفى بكري وعادل حمودة وحمدي رزق وغيرهم. لم يتغير الأمر كثيرا – ولا قليلاً في الحقيقة – بعد ثورة 25 يناير التى كان من بين أهدافها " تطهير الإعلام"، فمبارك الذي طرده الشعب عبر باب الثورة أرسل رجال أعماله عبر "شباك" الإعلام. وكان لابد من تطويرات جديدة على أداء جوقة الإعلام الجديد التى صارت مهمتها تحسين وجه المجلس العسكري - خليفة مبارك - بنفس المقولات التى كانت تلوكها قبل الثورة مثل : هيبة الدولة وسيادة القانون وغيرها من شعارات بلا مضمون. من هنا لجأ " الفلول" للتوحد في إمبراطوريات إعلامية جديدة بلسان جديد نسبياً في محاولة للتخلص من إرث "الموالسة" لنظام المخلو ، وهكذا نشأت كيانات مثل "مجموعة قنوات النهار" و "مجموعة قنوات cbc " وصحف مثل "الوطن"، وكلها كيانات مملوكة لرجال أعمال ينتمون مالاً وفكراً لنظام مبارك مثل محمد الأمين صاحب قنوات cbc وهو شريك رئيسي لمنصور وسليمان عامر القطبين البارزين بالحزب الوطني المنحل، وهو صاحب جريدة "الوطن" الصادرة حديثا بإمكانات لا تعرفها سوق الإعلام المصري، ومعه عماد الدين أديب رجل الاعمال والإعلامي المقرب جداً من المخلوع وأسرته. وهكذا قتل الفلول حلما آخر للثورة هو "تطهير الإعلام" ووجد المواطن المصري نفسه في مواجهة نفس الكورس "الذي كان يسبح بحمد مبارك أو يعارضه أحيانا لكن معارضة متفق عليها بل ومدفوعة الأجر، إعلاميو اليوم هم إعلاميو الأمس القريب قبل الثورة : لميس الحديدي وخيري رمضان وتامر بسيوني ومجدي الجلاد ووائل الإبراشي وإبراهيم عيسى وغيرهم. منطقى إذن ذلك التطابق في السياسة التحريرية للمنابر المقروءة والمسموعة التى يشرف عليها هؤلاء تجاه كل ما يتعلق بالتيار الإسلامي مثلاً، وهو ما ظهر جلياً في موقفها من مذبحة العباسية حيث حرصوا جميعا على تصوير الأمر على أنه حرب بين المجلس العسكري من جهة و"إسلاميين" من جهة أخرى، وهي تغطية إعلامية مستنسخة من تغطية إعلام مبارك لمختلف القضايا الوطنية، الأمر الذي وصل بمحرر يعمل مع "إبراهيم عيسى" هو الزميل "محمود بدر" للتنصل من مانشيت الطبعة الثانية من عدد جريدة التحرير والذي شدد فيه عيسى على ان ما حدث بالعباسية يوم الجمعة 4 مايو هو مجرد صراع بين السلفيين المسلحين وجنود الشرطة العسكرية ! وكان عيسى قد فبرك التقرير ونسبه للزميل بدر. صحيفة "التغيير" قررت فتح ملف سيطرة الفلول على إعلام ما بعد الثورة بعدما ثبت أنه إعلام لم تصله الثورة بعد. في الحلقة الأولى من هذا الملف ننفرد بنشر شهادة للكاتب الصحفي بالأهرام سامي كمال الدين، الذي ينشر مستندات ما لا أذن سمعت عن فساد الحصان الأسود لإعلام الفلول بعد الثورة "مجدي الجلاد" الذي مثل العامل المشترك بين كل التجارب الإعلامية "الفلولية".