تردد مؤخرا وسط التيار الإسلامي بتنوعاته أن الدكتورعبد المنعم أبو الفتوح مرشح غير إسلامى، وأنه يحاط بمجموعة من الليبراليين والعلمانيين يختطفونه لمساحات يريدونها تبتعد تماما عن المنهج والمشروع الإسلامي، بعدها سألت نفسى هل الدكتور أبو الفتوح لم يعد إسلاميا؟ وبحثت عن إجابة هذا السؤال، فوجدت التالى: من التاريخ أولاً: أبو الفتوح منذ بداية حركته الطلابية فى جامعة القاهرة كان إسلاميا، وعد حينها واحدا من أبرز رموز الجماعة الإسلامية فى الجامعات جنبا إلى جنب مع أسماء أخرى ورموز كالدكتور عصام العريان، والدكتور سناء أبو زيد، والدكتور حلمى الجزار، والدكتور إبراهيم الزعفرانى، والمهندس ابو العلا ماضى، وغيرهم. ثانياً: ساهمت هذه المجموعة مع زملائها فى إعادة إحياء جماعة الإخوان المسلمين من جديد بمدها بذخيرة شبابية نوعية لتضاف لأدبيات وخبرة الشيوخ الذين خرجوا من سجون ومعتقلات عبد الناصر، حتى اعتبر المتابعون للحركة الإسلامية هذه الفترة بمثابة التأسيس الثانى لجماعة الإخوان، ولا ينكر أحد دور الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فى هذا التأسيس، والذى أهله لينضم إلى مكتب الارشاد لمدة تقارب ال 20 عاما منذ أن كان فى منتصف الثلاثينات من عمره. وسأتجاوز المرحلة التاريخية مكتفيا بالسطور الماضية وأقفز إلى مشروعه الرئاسى محل الاتهام بأنه غير إسلامى. إسلامية المشروع ومقاصديته أولاً: مقدمة البرنامج الانتخابى لأبو الفتوح تنص على:" وتستلهم هذه الرؤية روح الشريعة الاسلامية التى تأمر بالعدل والاحسان لتسمو النفوس ولاتسود المصلحة الضيقة، فللشريعة أهداف ومقاصد فهى عدل كلها ورحمة كلها ومصلحة كلها وحكمة كلها، فما خرج من العدل الى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث فليس من الشريعة وإن دخل فيها بالتأويل، وفى هذا هوية المجتمع ونظامه العام، ومنظومة قيمه الاساسية التى يجب الالتزام بها والتأسيس على مرجعيتها". إن مفهوم تطبيق الشريعة ليس مايشيع لدى البعض حول حصرها فى تطبيق الحدود، ذلك أن تطبيق الشريعة بالمفهوم الكامل إنما يتحقق بتحقيق مصالح البشر الأساسية المتعلقة باحتياجاتهم الضرورية، فان الأمور المتعلقة بمواجهة الفقر هو من صميم تطبيق الشريعة، وكذلك مكافحة الفساد والانحراف، ومواجهة التحدى المتعلق بالبطالة فى اطار الاستفادة من كل الإمكانات والفعاليات البشرية هى من صميم التنمية الانسانية وكذلك تطبيق الشريعة. ثانياً: فى محور المجتمع المدنى، ينص البرنامج فى أحد فقراته على : "إنشاء صندوق قومى للزكاة والصدقات..، وتشجيع إحياء هذه الفريضة ..". ثالثاً: فى المحورالاقتصادى، يتناول البرنامج قضية من أخطر القضايا حتى إن بعض من وصفوا بأنهم هم المرشحون الإسلاميون وفقط تجنبوها فى برامجهم، وهى قضية البنوك، حيث ينص البرنامج على : " إحداث التشريعات اللازمة لتأسيس مصارف إسلامية تعتمد أساليب الصيرفة الإسلامية". رابعاً: ينص البرنامج فى العلاقات الخارجية على : "الدعم الكلى والشامل والاستراتيجى لقضية فلسطين، وفى القلب منها القدس قضية العرب والمسلمين المركزية". خامساً: يختم البرنامج كلماته بالتاكيد على إخلاص النية والتوجه إلى الله بهذا المشروع فينص: "مشروعنا (مصر القوية) نبتغى به وجه الله عز وجل، ونسعى فى خدمة ناس مصر وأهلها أن يكون هذا قربى لله عز وجل".وإن كنت أرى أن حقيقة المشكلة ليست فى النصوص، ولكن فى اختلاف فهمنا لمعنى مرشح او مشروع إسلامى، فإن كنت تريد أن تبحث عن المضمون وليس النصوص فلك التالى: أن المشروع الإسلامى لا يكون إسلاميا من عدمه، بحكم اللافتة التى توضع عليه، وإنما بحكم محتواه وما يقدمه ومطابقته لشريعة الإسلام ومقاصدها. مشروع أبو الفتوح هو تطبيق فعلى لا كلامى للمشروع الإسلامى، الذى يستوعب كل أطياف الوطن فى إطار من قيم الشريعة وتشريعاتها، ليُحْدثوا تنمية للفرد والمجتمع، انطلاقا من الاهتمام بالفرد الإنسان حجر الزاوية فى المشروع الإسلامى والشريعة الإسلامية عامة. "فهو مشروع يؤمن بالاختلاف والتنوع والتمايز كحقيقة بشرية، يحفظ للمخالف حقوقه ابتداء من قمة الهرم وهى العقيدة فلا يكره أحدا على اعتناق عقيدته. مشروع يسعى للبحث والفحص والتمحيص عن كل ما هو جديد، وأنى وجد الحكمة فهو أولى بها، لا يحرجه أن يطبق من العلمانية والليبرالية والديموقراطية والاشتراكية والرأسمالية والقومية معانيها الجميلة وقيمها الجيدة، ولا يتأخر عن أن يأخذ من الشرق والغرب ما أجادوا فيه من خبرات وتجارب وعلوم وأفكار ووسائل واختراعات، ويكون حلمه وطموحه أن يعود كما كان فى صدر الزمان هو الملهم والمعلم والمنتج والمجود والمبدع والرائد والمنجز. يتحرك فى كل ذلك منطلقا إلى غاية هى إسعاد البشرية، ونشر السماحة والعدالة والأمان على ربوع الأرض معمرا لها وخليفة عليها، متسقا مع ذاته ملبيا لطلبات الروح والجسد، ومهتما بالنفس والأهل والمجتمع والولد، ومتجانسا فى اخلاقه واموره السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فى ظل ضوابط ربانية المصدر وسماوية التشريع، تغوص فى تفاصيل تفاصيل عباداته وعلاقته بمولاه، وتخفت تدريجيا كلما اتسعت الدائرة لتتداخل مع دوائر الحياة وإدارة احوال البلاد والعباد، حتى تصبح رتوشا بسيطة ولكنها مميزة لا تضيق الواسع ولا تقتل الفكرة ولكنها تبقى القطار على المسار ليصل للغاية والهدف دون أن يحيد ويضل فيتخبط فى طلاسم النفس البشرية، ويتيه فى غموض الملكوت ويحتار فى غابات الفكر والحياة". فى الوقت الذى نختلف فيه مع العلمانيين وغيرهم على أن الإسلام منهج حياة، وأنه قادر على توجيه كل المسارات لما فيه الخير والصلاح، وأنه ليس مقصورا على العبادات، نكون نحن أول من يناقض هذا الكلام حينما يكون حكمنا على إسلامية الشخص أو المشروع متوقف على كلامه عن العبادات فقط دون غيرها من مظاهر الحياة التى نؤكد للجميع أن الإسلام وضع ضوابط لها وأنه معنى بها. إن الاستعانة بليبراليين او غير إسلاميين الهوى أو التنظيم أو حتى الاستعانة بغير المسلمين ابتداء؛ ليس منافيا لإسلامية المشروع، بل على العكس هو تحقيق واع لها، فالاستفادة من أهل الخبرات كل فى مجاله، وتجميعهم على متفق عليه من أطر إنسانية وأخلاقية عامة تنطلق وتتوافق مع المشروع الإسلامى، هو القلب من عمارة الأرض واستخلاف الإنسان عليها، ولنا فى التاريخ عبرة حين استفاد الرسول صلى الله عليه وسلم فى هجرته بدليل غير مسلم لخبرته بالطرق والسبل، مع الفارق الكبير فى التشبيه. أخيرا فليس منطقى أن يقال عن الدكتور أبو الفتوح أنه غير إسلامى، فى وقت يحوز فيه ثقة وتأييد بعض التجمعات الإسلامية وبعض أئمة وعلماء المسلمين كالعلامة الدكتور القرضاوى والدكتور عمر عبد الكافى، فضلا عن استقرار الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح على الدكتور أبو الفتوح كمرشح لها كما أكد الكثيرون وذلك قبل تقدم م.الشاطر ود.مرسى للترشح للرئاسة، وأخيرا ترشيح جماعات وأحزاب إسلامية مثل مدرسة الدعوة السلفية وحزب النور والجماعة الإسلامية وحزبها وغيرهم. أتعجب إذا ممن يتهم الدكتور أبو الفتوح بأن مشروعه غير اسلامى، مستغلا ذلك كنوع من الدعايا الانتخابية لمرشحه ولكسب أصوات البعض بالباطل، والأولى أن يجتهد كل فى دعم مرشحه بتقديم أفضل ما لديه دون أن يتهم الآخر فى نواياه أو نتجنى عليه فيما يضمره، حتى لا نفتقر لقيمة العدل والانصاف. ولنترك لأهل مصر الاختيار –إن قدرالله أن تسير الأمور- ليقرروا من سيكون رئيسهم المقبل، وأن نتعاون معه جميعا بعد ذلك لما فيه خير هذا الوطن وعزة أهله.