- الجنزوري يبدد حصيلة الصناديق الخاصة ليترك الاقتصاد خربا - كل مفاتيح الاقتصاد المصري في أيدي فلول مبارك - خيرت الشاطر استورد حلولا خارجية بنفس فلسفة عاكف عندما قال "ماليزي يحكم مصر" - أول قرار لعصام شرف عند تولي الوزارة السفر للسعودية لتأمين مشروعاته الخاصة - المجلس العسكري كله من الفلول ويعبث بملف الأجور - لوبي مستوردي مبارك هو أول خصوم الإصلاح الاقتصادي أجرى الحوار: طارق قاسم فجر الدكتور عبد الخالق فاروق الخبير الاقتصادي ورئيس مركز النيل للدراسات الاقتصادية مفاجأة من الوزن الثقيل، حيث كشف أن الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء يقوم حالياً بتدمير 100 مليار جنيه كفيلة بحل أزمة مصر الاقتصادية، هي قيمة المودع من أموال المصريين في "الصناديق الخاصة". وأكد فاروق في حواره مع صحيفة "التغيير" أن الإخوان المسلمين لا يملكون حتى الآن رؤية اقتصادية واضحة للتعامل مع ملفات الاقتصاد التي تنتظر الإدارة القادمة، مستشهدا بدفاع القيادي الإخواني حسن مالك عن سياسات مبارك الاقتصادية ومساعي المهندس خيرت الشاطر لجلب حلول اقتصادية من تجارب دول غربية وآسيوية .. وإلى نص الحوار: أجرى الحوار: طارق قاسم * بداية.. تؤكد في كل كتبك على أهمية المنهج العلمي والتدقيق في الأرقام والبيانات.. والمعروف انه طوال عصر مبارك تم إخفاء كل البيانات والمعلومات الحقيقية التي تكشف الوضع الفعلي للاقتصاد المصري.. كيف نتعامل مع هذه المشكلة؟. - لا يمكن القول بأن الأرقام غير موجودة بالكلية، المشكلة أن الأرقام والبيانات مدمجة داخل متاهة من الأرقام والبيانات.. والحل أن يعكف على دراستها محللون يتسمون بالصبر والمثابرة على فك طلاسم التقارير والبيانات المقدمة من قبل الأجهزة الحكومية.. لكن الجزء الذي يفتقر للبيانات فعليا هو ما يتعلق بالأنشطة الاقتصادية السرية وهى التي يطلق عليها عادة "الاقتصاد الأسود" أو "الاقتصاد الخفي"، لأنه يتم في الظلام داخل الغرف المغلقة ولا توجد له أوراق أو مستندات لكن مع ذلك بالتحليل الاقتصادي المنهجي يمكن الوصول لأرقام تقريبية وتقديرات تقريبية حول حجم هذا الاقتصاد الخفي. * ماذا تقصد بالاقتصاد الخفي؟ - الاقتصاد الخفي أو الأسود هو تلك الأنشطة السرية التي لا تندرج مدخلاتها أو مخرجاتها ضمن مصفوفة الدخل القومي المصري مثل الدروس الخصوصية وهي ظاهرة واسعة الانتشار في مصر ويقدر اقتصادها بمئات الملايين من الجنيهات سنويا، هناك أيضا أشكال كثيرة من العمولات والسمسرة، خطورة هذا الاقتصاد أن أغلبه أصبح جزءاً من عادات وطبائع الحياة، وأنه لا يمكن حساب حجم تدفقات هذه الأنشطة الخفية في الدخل القومي، ومن ثم لا يمكن احتساب حجم الضرائب والحقوق المستحقة عليه كما أنه يؤدي لغياب أي رؤية أو سيطرة من جانب صانع السياسة الاقتصادية ويتسبب في ارتفاع معدلات التضخم وارتفاعات تزيد معدلات السيولة في الاقتصاد الوطني. ويقدر حجم الاقتصاد الأسود في مصر بين 70 إلى 100 مليار جنيه سنويا، خاصة في الفترة التي بدأت فيه الخصخصة وبرنامج المضاربة على الأراضي وتخصيصها لرموز نظام مبارك. * من الاتهامات التي توجه لمرشحي الرئاسة عادة أن أياً منهم لم يطرح حتى الآن رؤية اقتصادية، هل توافق هذا الطرح؟ - شاركت في صياغة برنامج اقتصادي تفصيلي لحمدين صباحي، وعلى حد علمي فإن المجموعة المحيطة بالدكتور أبو الفتوح وعلى رأسها الدكتورة رباب المهدي وصلوا لصيغ برامج اقتصادية تتوافق مع مطالب الثورة المتعلقة بالعدالة الاجتماعية، أما مرشحو معسكر الثورة المضادة مثل أحمد شفيق فهم لم يقدموا أي برامج لأنهم لا يملكون أي رؤية أو تصورات اقتصادية لا على صعيد إدراك مشكلات البلد ولا على صعيد إيجاد حلول، أيضاً فيما يتعلق بالشيخ حازم أبو إسماعيل فألاحظ أنه يتحدث عن الأرقام بخفة.. لديه فقط درجة من درجات التشخيص للمشكلات .. * رغم مرور أكثر من عام على خلع مبارك إلا أن فلول نظامه مازالوا يمسكون بمفاتيح الاقتصاد، كيف حدث هذا وما علاجه؟ - ليس فقط الاقتصاد الذي يسيطر عليه الفلول، المجلس الأعلى للقوات المسلحة كله من الفلول بلا استثناء، الحكومة كلها فلول حتى د.جودة عبد الخالق وزير التضامن الاجتماعي المحسوب على المعارضة يتصرف كأنه فلول، كلهم ما زالوا أبناء مدركات العقل السياسي القديم، ليس عندهم القدرة على قراءة الواقع ولا الخيال السياسي ولا تشخيص المشكلات بشكل صحيح ورسم الصورة الكلية، مفاتيح الاقتصاد كلها بلا استثناء موجودة حالياً في يد الفلول، احتكارات اللحوم والزيت والأسمنت والحديد كلها ما زالت في يد العصابة القديمة، والخطورة أنه لا المجلس العسكري عنده آلية أو تصور لتفكيك هذه الاحتكارات ولا الجنزوري الذي هو جزء أصيل من نظام مبارك، نحن نفتقد الآن لسلطة لديها جدية في فهم جدلية هدم النظام الاقتصادي الذي كان سائداً أيام مبارك ثم بناء منظومة اقتصادية جديدة عادلة. حتى أولئك الذين كانوا في صف المعارضة كالإخوان مثلاً لم نسمع أنهم نظموا ورش عمل أو مجموعات بحث سهرت في مناقشة القضايا المتعلقة بالاقتصاد، ما أسمعه مخيب للآمال، مجرد نتف أفكار متناثرة. لم اسمع تصورات عامة. * في رأيك ما المطلوب من الرئيس القادم في اتجاه إنهاء سيطرة فلول مبارك على الاقتصاد وإصلاحه؟ - أمور كثيرة منها أولاً إعادة بناء السياسة الاقتصادية ووضع فلسفة جيدة لها، وتغيير سياسة البقرة المقدسة المتمثلة فيما يسمى الاقتصاد الحر التي ضحك بها الغرب علينا لتفكيك مجتمعاتنا، هذه السياسات فشلت حتى في الغرب وتأكد فشلها مع الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 والتي لن يفيق منها الغرب قبل 10 سنوات، كانت تلك السياسة أكذوبة كبرى، مطلوب فلسفة اقتصادية جديدة لبلادنا يمكن أن نطلق عليها اقتصاد السوق المخطط. أيضا مطلوب إدخال أدوات التخطيط الاقتصادي في مجال تحديد أولوية المشروعات الاقتصادية وتحديد نمط الائتمان المصرفي المناسب للفترة القادمة وتحديد القطاعات الأولى بالرعاية، مطلوب كذلك تحديد أي سياسة أجور سيتم إتباعها، نحتاج أيضا ضبط الأسواق حتى لا تنفلت ويصعب السيطرة عليها. كل هذه العناصر مطلوب وضعها على السبورة، على غرار ما يحدث في غرفة العمليات الحربية وعدم الاكتفاء بالكلام المرسل، وفي هذا السياق سنجد أن هناك حدودا دنيا من التوافق ستجمع بين أصحاب التوجهات الأيديولوجية المختلفة، في ذلك الإطار يمكن لكل من ليست له مصلحة ضارة بالبلد أن يساهم في البناء، مثلاً لوبي المستوردين هم بالضرورة أصحاب مصالح ضارة باقتصاد البلد لأنهم من فلول مبارك. مطلوب أيضاً إعادة بناء القطاعات الاقتصادية وتقليص ما نستورده للحد الأدنى، هذا يتعارض بالضرورة مع مصالح لوبي المستوردين لذا نحتاج في ورش العمل هذه لمجموعة من الخبراء الوطنيين المتجردين. * مؤخرا طرح بعض الاقتصاديين المنتمين للتيار الإسلامي بعض التصورات وحاولوا إنجاز بعض الاتفاقات مع الخارج لجذب استثمارات جديدة، كيف تقرأ هذه المحاولات؟ - تقصد مساعي المهندس خيرت الشاطر، للأسف الشاطر أول ما فعله هو أن ذهب إلى سنغافورة وتركيا ليستورد لنا تجارب من خارج الحالة المصرية، وهو بهذا يكرر ما قام به أنور السادات عندما هرول باتجاه الأمريكان وصندوق النقد الدولي، ماليزيا وتركيا وكل النماذج الأخرى حققت ما وصلت إليه في ضوء معطيات واقعها الخاص، بالنسبة لمصر نحتاج خبراء يدرسون واقعنا الخاص أيضاً وخريطة الاقتصادية قبل أن يضعوا الروشتة العلاجية لأزمتنا الاقتصادية. وهنا في مصر عدد كبير من الخبراء مثل أحمد السيد النجار وإبراهيم العيسوي وغيرهما، لكن التحيز الأيديولوجي هو ما دفع الشاطر لاستيراد نماذج خارجية، مثلما قال المرشد السابق للإخوان مهدي عاكف "معنديش مشكلة واحد ماليزي يحكم مصر". * في رأيك ما هي أول التحديات الاقتصادية التي يجب أن يشتبك معها رئيس مصر القادم؟ - مبارك مشى على خطى سلفه السادات في بناء صرح مقنن للفساد، بحيث تبدأ الأوضاع الفاسدة بقرار جمهوري، تليه قوانين مجلس الشعب، تتبعها قرارات وزارية، ثم قرارات الجمعيات العمومية للهيئات والمؤسسات المختلفة، وصولاً إلى اللوائح التنفيذية، فساد بغطاء قانوني .. التحدي الأول إذن هو تفكيك هذه البنية التشريعية للفساد في مصر. * من الملفات التي يرى كثيرون أنها قد تسهم في حل الأزمة الاقتصادية في مصر "الصناديق الخاصة" التي لا تخضع للموازنة العامة، كيف يمكن الاستفادة من أموال هذه الصناديق؟ - حسابات الصناديق الخاصة هي آخر فرصة لتخفيض عجز الموازنة العامة بقيمة 100 مليار، الحكومة أعلنت أن عجز الموازنة بدأ ب 134 مليار وصلت إلى 150 مليارا، لكن الحكومة ومجلس الشعب يماطلان في الاستفادة من هذا الكنز، وهناك مؤامرة تقوم بها حكومة الجنزوري حالياً لتدمير حسابات الصناديق الخاصة عبر تبديد أموالها صرف مكافآت لأعضاء مجالس إدارات البنوك والهيئات الكبرى الذين ينتمون جميعا للفلول، أيضاً يقوم الجنزوري بشراء أشياء غير ضرورية وبناء منشآت ضخمة، لو ضاعت هذه الأموال ستكون جريمة كبرى في حق الشعب المصري، جريمة يتحمل المسئولية عنها بجانب الحكومة الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب والدكتور محمد بديع مرشد الإخوان ولن يستطيعوا الزعم أنهم لم يعلموا ما حدث. * أنت دائم التنويه لخطورة أنماط الاستهلاك السائدة بين المصريين، كيف للرئيس القادم أن يعالج هذه الأزمة؟ - هذه ليست معركة رئيس فقط، هي معركة مجتمع كامل جرت فيه عملية تطهير منظم طوال عقود، تابع الإعلانات عن السلع المختلفة ستجد أن جزءا كبيرا منها غير أخلاقي وجزءا آخر يعزز النزعة الاستهلاكية، هذه معركة الجميع وأول آليات حسمها ضبط الواردات والتحكم في أولويات الاستهلاك، يجب تحديد ما الواردات المطلوب تأجيلها، دول العالم كلها قامت بذلك، نحتاج أيضا إعادة ضبط الخطاب الإعلامي بغرض تحفيز نمط إعلامي قائم على تشجيع الإنتاج، المصريون لو شعروا بالجديدة سيتخلص كل منهم من أسوأ ما فيه، خاصة وأن المصريين تعرضوا للإهانة في منطقة الخليج. هنا لابد من الإشارة لضرورة أن يتواكب مع تلك الجهود إعادة النظر في السياسة الخارجية وإحداث إعادة تموضع استراتيجي مصري يعيد تحجيم الخليج ويجعلهم يتعاملون مع المصريين باحترام، عصام شرف أول زيارة قام بها بعد تولي الوزارة قام بها للسعودية لتأمين مشروعاته هناك؛ حيث إنه صاحب مكتب استشاري، نحتاج الآن لساسة وطنيين من نوع مختلف يستنهضون في الناس أجمل ما فيهم. * من أهم محاور الأزمة الاقتصادية محور تردي الأجور وسوء توزيعها، لك في هذا السياق دراسة ضخمة، نود لو ألقيت الضوء على ما أهم ما توصلت إليه خلالها. - يتميز ملف الأجور في مصر بتشوهات واضحة للجميع، طوال حكم مبارك كانت كعكة الأجور توزع بطريقة إجرامية، لابد إذن من إعادة توزيع الكعكة بطريقة عادلة .. ولتمويل الزيادة المطلوبة لإنجاز الحد الأدنى للأجور بما لا يقل عن 912 جنيها نحتاج فقط 115 مليار جنيه تدبيرها سهل ومتاح لو كانت السلطة جادة في إصلاح هذا الملف الشائك بل هناك أيضا 10 مليارات جنيه أخرى من حصة الحكومة كصاحب عمل من التأمينات. هناك أيضاً مورد مهم ومتاح لتمويل الحد الأدنى للأجور يتمثل في إعادة الهيكلة وضبط ما كان يجري إهداره من موازنة الدولة، أيضاً لا يجوز في مجتمع بهذا الحرمان أن يكون هناك موظفون يتقاضى أحدهم ملايين الجنيهات شهرياً. كما لا يجوز التلاعب بفكرة أن يكون الحد الأدنى والأقصى لكل هيئة على حدة كما فعل المجلس العسكري في المرسوم بقانون رقم 242 لسنة 2011، هذا عبث لا يجوز، لابد أيضاً من حزمة سياسات إضافية لضبط الأسواق وتفكيك الاحتكارات وتنشيط قطاع التفتيش بقطاعي المالية والتموين ودور أكبر لهيئة السلع التموينية في استيراد السلع الأساسية وإلا تضخم خارج السيطرة. * رغم تصاعد الحديث حول الاقتصاد الإسلامي كحل لأزمة مصر والعالم، إلا أن إسلاميا مثل الإخواني الشهير حسن مالك كتب مقالاً شهيراً في الأهرام دافع فيه عن سياسات مبارك الاقتصادية، كيف تقرأ مدلولات المقال وكيف تتعامل مع مفهوم الاقتصاد الإسلامي؟ - ببساطة مقال حسن مالك يسير على نفس درب تحركات خيرت الشاطر عندما حاول استيراد حل لأزمة مصر من ماليزيا وتركيا، المقال يكشف أن الإخوان لا يملكون رؤية اقتصادية ولا حلولا ولا تصورات للتعامل مع أزمة مصر.. وتابعنا جميعا مطالبات الشاطر للغرب بضرورة دعم الاقتصاد المصري وحمايته من الانهيار، وهو ما يعني أنهم لا يحملون حلا لأزمة تبعية مصر الاقتصادية للغرب. بالنسبة للاقتصاد الإسلامي فحتى الآن من يتحدثون عنه لم يقدموا اجتهادا على المستوى النظري أو العملي .. مطلوب أن يوضحوا لنا كيف ستديرون القطاع الزراعي ونمط الملكية والإدارة والمبادلات التجارية مع العالم .. كيف ستعاملون إقراضا واقتراضا مع السوق الدولية لو حدثت فجوة تمويلية للمشروعات في مصر ولابد أن يطرحوا لنا مرتكزات عملية لكلامهم . * تطرقت في الحديث للأزمة المالية العالمية، وقلت انها ستدوم لسنوات، لماذا؟ - الرأسمالية في العالم كله منذ منتصف الثمانينات غلب عليها طابع المقامرة والمضاربة خصوصا مع صعود المدرسة النقدية في شيكاغو التي ترفض أي تدخل حكومي والتي تعززت سيطرتها على الاقتصاد العالمي بصعود المحافظين الجدد في أمريكا ومارجريت تاتشر في انجلترا .. هذا النظام المالي هذا أصبح على حافة الانهيار.. الدورة الاقتصادية التي كانت تتجدد كل 10 إلى 20 سنوات صارت تتكرر كل 5 سنوات تقريباً.. والأزمة الأخيرة كشفت زيف الطابع الورقي المضارب للنظام الرأسمالي، وهو الآن بصدد اختبار نهائي. الأزمة ستستمر 10 سنوات عل الأقل وسيترتب عليها تفاوض قاس عالميا لتعديل آليات العمل الاقتصادي ودور السياسات النقدية وأسعار الفائدة فإما اقتصاد السوق المخطط أو هي النهاية للنظام الرأسمالي.