أكد المفكر الإسلامي الدكتور محمد كمال الدين إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية أن الإسلام لم يحدد نمطاً معيناً للحكم، وإنما وضع مبادئ ومقاصد عامة يجب مراعاتها وأن تحقيق مصالح الأمة والحفاظ على الدين مهام أساسية للحاكم. وأوضح أن الديمقراطية لا تتعارض مع الشورى التي نادى بها الإسلام، إلا عندما تكون ديمقراطية علمانية تستبعد الدين، وأن المعارضة رؤية بديلة وتكون في الأفكار والرؤى وليس للأشخاص والجماعات . ============================================================================= ونحن نتحدث عن الحكم في الإسلام . . ما شروط الحاكم في الإسلام وكيف يتم اختياره؟ بداية ينبغي أن نفرق بين أمرين في شروط الحاكم وكيفية اختياره عبر العصور الإسلامية المختلفة والوضع الراهن، فلا يوجد شكل معين للحكم في الإسلام وإنما هناك مبادئ عامة ومقاصد كلية ينبغي تحقيقها، وفي مقدمتها العدالة بالقدر الإنساني الممكن وتحقيق مصالح الناس، ولذلك وجدت القاعدة الشرعية "تصرف ولي الأمر منوط بمصلحة الرعية" أي أن الذين يتولون أمور المسلمين لابد أن يكونوا قادرين على تحقيق مصالحهم وأن مشروعية قراراتهم وأفعالهم إنما تنبع من تحقيقها لمصالح الناس، وفي الوقت ذاته تنبع من قدرتها على أن توازن ما بين الشريعة التي ينبغي أن تطبق أحكامها بكل دقة وبين المجتمع الذي ينبغي أن يتوافر له الاستقرار والطمأنينة، وقد كان الرسول صلى الله وعليه وسلم حاكماً بحكم رسالته ونبوته فهو قائد الأمة، وأصبح هو الذي يقضي بين الناس وهو الذي يرسل المبعوثين ويوقع المواثيق . وبعد رحيل الرسول صلى الله وعليه وسلم إلى الرفيق الأعلى جاء الصحابة وهناك أساليب مختلفة لتولية الحكم، فاختيار الخليفة الأول أبي بكر الصديق في سقيفة بني ساعدة كان فيه خلاف بين الصحابة ثم اتفقوا ووضعوا شروطاً أن يكون الإمام من قريش الأسبقية في الإسلام وإنابة الرسول له في الصلاة وهذا جعل أبابكر الخليفة الأول، ثم بعد ذلك اختيار أبي بكر لعمر بن الخطاب ثم حدث الاختيار للستة من عمر، إذن ليست لدينا صورة واحدة للنظام السياسي الإسلامي وإنما مقاصد أساسية ينبغي تحقيقها، وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث فنجد أن تولي الحكام ينبغي أن يكون الإسلام أحد الشروط ثم المواطنة ولا بد أن تتوافر أيضاً فيه الشروط الأساسية التي تتعلق بعدالته وعدم اتهامه في جرائم، ويتم الاختيار من خلال إرادة المواطنين، عبر الانتخابات، وكل دولة لها دساتيرها التي تحدد الشروط الواجب توافرها في الحاكم . واجبات وحقوق وما واجبات الحاكم في الدولة الإسلامية؟ هناك ثلاثة واجبات أساسية الأول حماية القانون والثاني أن يكون قادراً على حماية الدولة وهذا واجب أساسي كحدود وأرض وجغرافيا، ويوفر لها القوة التي تستطيع من خلالها أن تصد أي هجوم، وأن تحافظ على سيادتها من خلال قوله تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" وهذه القوة تتنوع بين قوة اقتصادية وسياسية، الأمر الثالث أن الذي يعطي الشرعية الحقيقية للحاكم قدرته على تلبية مصالح المواطنين الحقيقية من مأكل ومشرب وملبس وتعليم إلى غير ذلك، وهناك في الدولة الإسلامية واجب حماية مقاصد الشريعة وإقامة الدين، ومهمة الخليفة الأساسية هي سياسة الدنيا وإقامة الدين، وهي واجبات محددة يأتي في مقدمتها الضرورات الخمس، حماية الدين النفس العقل المال النسل . إذا كانت تلك واجبات الحاكم فما حقوقه وواجب الأمة نحوه؟ الأمة عليها واجب أساسي أن تحسن اختيار حكامها وألا يكون الأمر اختياراً قبلياً أو حسب أهواء شخصية وإنما يكون قائماً على أنه الأصلح لحراسة الدين وسياسة الدنيا وحقوقه على رعيته طاعته في المعروف وأن يقوم كل شخص بدوره وينبغي أن يكون لقراراته الصادرة في حدود الدستور والقانون الاحترام والالتزام، وعلى الأمة أيضاً أن تنصره في قضاياه، والعمل والإنتاج والالتزام بالقانون بما يساعده على أداء مهامه على الوجه المطلوب . قيد عقائدي ولكن متى يعارض الحاكم ولا تطاع كلمته؟ هناك قيد عقائدي أساسي وهو "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" فإذا أمر الحاكم بمعصية لا يطاع، وهناك أيضاً قيد تشريعي وهو أن كل تصرفات ولي الأمر وقراراته لابد أن تكون محققه لمصلحة الرعية، وإلا فقدت مشروعيتها فحين يريد الحاكم أن يسخر طاقاته وقوته لمصلحته هو وأسرته أو جماعته وأصدقائه، فهنا لا تصبح المصلحة مصلحة الأمة فلا يطاع، وتحقيق مصالح المجتمع هي القاعدة الشرعية، فتصرفات ولي الأمر كحاكم مرتبطة بمصلحة الرعية، وولي الأمر قد يكون الحاكم الأعلى أو من هم أقل منه درجة إلى أن تصل إلى الأب وهذه السلسلة من الولاية منوط بها تحقيق مصالح الرعية . إذن متى وكيف تكون محاسبة الحاكم؟ هناك نوعان من المحاسبة، محاسبة للحاكم وهو لا يزال قائماً بدوره وفي منصبه وهذه المحاكمة المفروض أن تنظمها القواعد الدستورية والقوانين، سواء كانت هذه المحاكمة سياسية أو جنائية، وهناك محاكمة جماهيرية وهو موقف الناس من الحاكم ومحاكمة التاريخ له، وهناك أيضاً محاسبة بعد الانتهاء من السلطة للتعرف إلى ذمته المالية فإذا تضخمت ثروته أو ثروة القائمين من حوله، فهنا تكون محاكمته وسؤاله "من أين لك هذا" فلا يمكن للإنسان أن يثرى أو تزيد أمواله دون أن نعرف ما سر وسبب ذلك . ومحاسبة الحاكم ليست بالثورة عليه، وإنما بالوسائل المشروعة المنصوص عليها في الدستور، فإذا ما انتهت ولايته أصبح مواطناً عادياً ولكن يظل مسؤولاً عن فترة رئاسته، ولا تسقط المسؤولية بمضي المدة . وهل تختلف عقوبات المسؤولين عن عقوبات العامة إسلامياً؟ العقوبة على قدر الجريمة، مثلاً حين يصدر الحاكم قراراً بالدخول في حرب دون سبب يترتب عليها هلاك البلاد والعباد فهذه جريمة كبيرة، فهل سيحاكم مثل من يصدر قراراً على مستوى أسرة، الفرق كبير بين من يدخل الأمة كلها في حرب وبين من يدخل أسرته أو أبناءه في قضية أو مشكلة، إذن على قدر المسؤولية التي يتحملها الفرد تأتي أفعاله ويحاكم على النتائج . قضية فلسفية متى يكون الخروج على الحاكم وكيف يتم ذلك؟ الخروج على الحاكم قضية فلسفية قبل أن تكون قضية سياسية، طرحها الفقهاء قديماً وهناك اتجاهان في الفقه الإسلامي، الأول يرى الخروج على الحاكم الجائر لأن الخروج عليه يحقق المصالح والجور يفسد حياة الأمة. والثاني يرى أن الخروج على الحاكم الجائر قد يترتب عليه فتنة والفتنة أشد من القتل وينبغي أن نحتمله وننتظر طبقاً لنظرية المصالح والمفاسد، التي ينبغي على الأمة أن تراعيها وهي تقوم بعزل الحاكم أو الثورة عليه، فإذا كان الضرر كبيراً فإن الضرر الأقل يحتمل في مواجهة الضرر الأكبر، لكن الأصل أن أي خروج على الحاكم لا يكون إلا إذا فقد مشروعيته وسلطته، أما السلطان العادل الذي يتوافق مع النصوص الدستورية والقواعد الشرعية لا يجوز الخروج أو الثورة عليه. وكيف تكون المعارضة في الإسلام؟ المعارضة في الإسلام معارضة أفكار وليست معارضة أشخاص، فالمهم لدينا قضية الحفاظ على الوطن، والمعارضة جزء من النظام السياسي الذي لا يصلح أن يكون كتلة واحدة بغير معارضة، وإلا كان نظاماً مصمتاً ليس فيه حراك، ولا تنوع وليس لديه قدرة على معرفة الرأي الآخر، ومن ثم فالمعارضة هي الرؤية البديلة لحل أية مشكلة . أخيراً هل ثمة تعارض بين الديمقراطية وبين الشورى التي أقرها الإسلام؟ تتعارض الديمقراطية مع الشورى حينما تصبح الديمقراطية علمانية، بمعنى أنها تجعل الدين بلا دور في المجتمع، وأنه محبوس داخل المساجد، هنا تصبح الديمقراطية ضد الشورى، لأن الشورى في الإسلام تبدأ وتنطلق من كون أن الدين له دور أساسي في الحياة والمجتمع، فإذا أصبحت الديمقراطية تعني العلمانية وتنحية الدين، يكون هناك تناقض بين الديمقراطية والشورى، أما إذا كانت الديمقراطية أداة من أدوات تداول السلطة وتحقيق الحريات، والسماح للمجتمع بالتعبير عن رأيه، فهذه الديمقراطية لا تختلف عن الشورى ولا تبتعد عنها كثيراً، وهي مقبولة طالما أنها لا تستبعد الدين . (حاوره محمود الإمامي، صحيفة الخليج الإماراتية،17/08/2011)