كثر الكلام عن ما يسمى "إعلام الثورة" و ماهيته و من يمثله و من يقف وراءه، و أصبحنا نسمع كلاماً من جميع الأطراف يتحدث بإسهاب عن "فشل" إعلام الثورة، أو عن أخطاء "إعلام الثورة"، أو عن نجاحات "إعلام الثورة"، وهيئ المناخ الجديد الذي أفرزته ثورة يناير في مصر لمولد إعلام حر ومستقل قادر علي تحريك الرأي العام إلا أنه - برأي البعض - لم يكن في المحصلة النهائية عند مستوي الشعب وبات منفصلا عن نبض الجماهير. ومع احتفال الثورات العربية الثلاث بالذكرى السنوية الأولى لانطلاقتها يبرز دور الإعلام في مواكبتها، خاصة الفضائيات المحلية التي انطلقت مع انطلاقة الثورات وواكبت التغيير والاحتجاجات وغطت كافة جوانب الحياة في دولها أثناء الثورة وبعدها لاسيما فيما يتعلق بعودة الأمن والنظام. وكانت هذه الفضائيات حلقة وصل بين الحكام الجدد والثوار من جهة وبينهم وبين الشعب الخائف على مستقبل البلاد والحالم باستقرار الأوضاع وعودة الأمن من جهة أخرى. وعلى الرغم من حداثة عهدها والارتجال الذي رافق إنشاءها، فقد نجحت هذه الفضائيات في تحقيق إنجازات غير مسبوقة لم تحققها التلفزيونات الرسمية طيلة عقود، وكسبت ثقة المشاهد بفضل تعاملها بحرفية وحيادية في تغطية الأحداث كما وبفضل حصولها على لقطات حصرية للأحداث الساخنة. وبرز دور هذه القنوات حين اختارها زعماء سياسيون وقادة ثوريون لشرح خططهم ومواقفهم كما ولإعلان بيانات والإدلاء بتصريحات مهمة، مثل إعلان قيام دولة جديدة ونظام بديل، فكانت مصدرا رئيسيا للأخبار والتطورات ومؤشرا لمعرفة اتجاهات الرأي العام. الثورات حررت المشهد الإعلاميويرى المراقبون أن هذه الفضائيات أفادت الثورات العربية واستفادت منها في نفس الوقت. ويعتبرون أن الثورات بقدر ما أحدثت زلزالا في الأنظمة السياسية وأطاحت برؤسائها، غيّرت أيضاً المشهد الإعلامي وخلقت ثورة في الفضائيات التي تضاعف عددها وأصبحت أكثر فعالية وتأثيرا. واستفادة القنوات الجديدة من نسائم الحرية وحاجة المجتمع والمحيط الخارجي لمعرفة تطورات الأوضاع بعد أن أصبحت بلدان الثورات قلب الحدث. استمدت أغلب هذه الفضائيات شرعيتها من تغطية أحداث الثورة وكرست نفسها كفاعل مؤثر في الأحداث ووصلت درجة تأثر هذه الفضائيات بالثورة الى حد تسميتها بأسماء الثورات وأحداثها وتواريخها وأهم معاركها، كما وسميت بأسماء المدن والساحات التي شهدت مظاهرات صاخبة. ودفعت هذه الطفرة الإعلامية بعض المراقبين إلى القول بأن الإعلام العربي يعيش ربيعه الخاص وأنه دشن مرحلة جديدة ستفرز إعلاماً جديداً يستجيب لطموحات الشارع العربي ومطالبه. ولم يقتصر تأثير الربيع العربي على إعلام بلدان الثورات فحسب بل إنه ساهم في تحرير إعلام الدول المجاورة كما حدث في الجزائر وموريتانيا والمغرب التي لم تحدث فيها ثورات لكن الأنظمة السياسية سارعت الى منح تراخيص لإنشاء فضائيات مستقلة لأول مرة في تاريخ تلك البلدان رغم أن أصوات الناشطين الحقوقيين بحت طيلة سنوات مطالبة بتحرير الإعلام السمعي البصري. اختبار جدية القنوات المستحدثةوشكلت مرحلة ما بعد سقوط النظام تحدياً حقيقياً لهذه الفضائيات الناشئة وامتحانا لاختبار مدى جديتها وجدارتها بتمثيل إعلام الثورة المسؤول والملتزم وممارسة حقها في حرية التعبير دون تطاول وتجريح أو تلميع وتملق. ونجحت بعض الفضائيات المستقلة رغم حداثة عهدها بهذا المجال في تحقيق المعادلة ونقل الأحداث بأسلوب خدم الحقيقة والمصلحة العامة، وساهمت في تهدئة الشارع وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء بالعمل النزيه والحوار الهادف والتحليل والنقاش البناء واحترام الرأي الآخر. بينما وقعت قنوات أخرى في الفخ ودفعها الحماس والصراع والإثارة الى التشفي وتصفية الحسابات والتحريض على العنف والتظاهر والتلاعب بمشاعر الغاضبين على حساب مصلحة الوطن وأمنه واستقراره. وخصصت بعض الفضائيات برامجها لكشف أسرار النظام السابق لجذب المشاهدين، وتنافست أخرى على مجاملة الثوار بتلميع صورة الحكم الجدد. وبدورها شكلت بعض الفضائيات جبهة لقيادة الرأي العام ونشر تقارير مفتعلة لحقن المشاهد وتصعيد التوتر فاستمرت الاحتجاجات والاشتباكات بسبب هذا الشحن الإعلامي. وأدى انقسام هذه الفضائيات الى نشوب صراع فيما بينها على نقل الأحداث وتحليل التطورات وفق توجهاتها ومصالحها وشحن الغاضبين لركوب موجة الثورة والانتقام من كل خصومها. ومثالاً على ذلك، انطلقت بعد الثورة في ليبيا موجة كبيرة من القنوات الفضائية حملت بعضها اسم ليبيا أو الحرة أو اسم إحدى المدن التي دارت فيها معارك طاحنة بين الثوار وقوات القذافي. كما وبدأت قنوات جديدة بثها التجريبي ويجري حاليا الاستعداد لإطلاقها لمواكبة حملة الانتخابات القادمة في ليبيا. وفي مصر انضاف عدد كبير من القنوات الى الفضائيات المستقلة التي كانت موجودة قبل الثورة. وكذلك في تونس، واليمن وسوريا.