أي متابع لأسلوب مشعل القيادي في الفترة الأخيرة، أو حتى في السنوات الأخيرة، يلحظ أن لديه ميلا إلى المبالغة في الإطراء والمديح في لقاءاته مع المسؤولين العرب. ويبدو أن الرجل في حَمَأَة "أزمة المقر" لقيادة حركة حماس قد اختلط عليه الأمر ما بين ضرورات المجاملات السياسية وما بين محظور أن تكون هذه المجاملات على حساب المواقف والاستراتيجيا. أن يجامل مشعل القيادة القطرية لمصالح حركية ووطنية (جزئية)، فهذا شيء وأن يضع فلسطين أمانة بين يدي عباس-عريقات-فياض شيء آخر. ولا أعلم إن كان خالد مشعل مؤمنا فعلا بأن عباس لن يعيد إنتاج سلام فياض كرئيس للوزراء، سواء بحكم الواقع (خصوصا عبر وزارة المالية) أم عبر تخويله صلاحيات تصريف الأمور على أساس أن الرجل (عباس) "مشغول" جدا بمناصبه الأخرى التي تنوء بحملها الجبال ويحملها هو على كاهليه المرهقين العجوزين!. واضح جدا أن اتفاق الدوحة لم يكن محل إجماع في حركة حماس، حتى وإن أيد هنية مشعلا في ذلك. فكثير من قادة حماس في قطاع غزة ومن نوابها في المجلس التشريعي فوجئوا بالاتفاق وشككوا بحكمته السياسية وشرعيته القانونية. خالد مشعل، يُفْرِطُ، فيما يبدوا، في النوايا الطيبة والثقة في رجل وحركة أثبتت الأحداث والتجارب والسنون أنهما ليسا أهلا للثقة. وفي حين أن عباس وفتح منسجمين مع ذاتيهما، فإن مشعل لا يبدو أبدا منسجما مع قناعاته الفكرية والسياسية. ويبدو أنه بحاجة إلى أن يؤخذ خطوة إلى الوراء ليعيد النظر في حساباته وتحركاته. فالإنسان المحاط بكل البلايا والتحديات، قد يحتاج أحيانا إلى أن يَسْتَخْلِصَ نفسه من أزماته ومحنه، ولو لسويعات، ليفكر ويخطط ويتحرك، دون الخضوع والارتهان لوطأة الظروف الراهنة. فإن عجز عن ذلك فالأولى أن يسلم الأمانة لمن هو أقدر على حملها في هذه المرحلة. أقول ذلك ليس غيرة على حماس فحسب، وإنما على فلسطين وقضيتها. فالتكتيك لا ينبغ أن يحل محل الاستراتيجيا. ومتى ما تماهى التكتيك مع الاستراتيجيا في عقل زعيم سياسي فإن ذلك يعني أنه يقود مهمته إلى فشل ذريع. وعباس وفتح، كما أسلفت قبلا، متماهون مع نفسيهما، فاستراتيجيتهم هي ما يعلنونه صباح مساء من أن لا حل إلا حلا تفاوضيا مع إسرائيل ضمن السقوف المتاحة، وليس ضمن السقوف الحقوقية والتاريخية، ولا حتى المسماة قانونية وشرعية دولية للشعب الفلسطيني. وهم عندما يناورون مع مشعل وحماس فإنهما لا يخادعونهما في ذلك، فهم يعلمون أن الأخلاق الفردية لا تنسحب على الأخلاق السياسية والعمل السياسي. من يخدع نفسه هو مشعل ومعه بعض قيادات حماس ممن يريدون أن يجعلوا من عباس "قديسا" رغما عن أنفه، بل وعن حقيقته.. يخدعون أنفسهم عندما يظنون أن لحسن النوايا موطئ قدم في عالم السياسية، وتحديدا في العلاقة مع الخصوم والأنداد السياسيين، دع عنك طبعا الأعداء.