يقول الشيخ راشد الغنوشى زعيم حركة النهضة التونسية " يشتغل المترفون في بلادنا، سكان القصور، بنقد "التطرف الديني" لإشغال المستضعفين في أحزمة الفقر حول المدن، ومناطق الحرمان، عن حمل الإسلام سلاحا لاسترداد حقوقهم المغتصبة، وكرامتهم المهدورة، وتأديب الطغاة الغاصبين، وتوفير مناخات الأمن والتضامن الوطني والحرية والعفة والكرامة، حتى تنطلق الطاقات المعطلة". هذا الكلام للشيخ الفاضل الغنوشى يلخص معان عدة حول المشروع الاسلامى وما يواجهه من تحديات ولكن اهم ما فيه انه يلخص اولويات المشروع الاسلامى فى الحكم ومنطلقاته واهدافه العليا والتى اسعى الى احداث نقاش حولها من خلال ما اكتب من اجل الوصول الى خارطة طريق محددة لهذا المشروع تفرق بين ما هو تكتيكى وما هو استراتيجى وتزيل الغبار عن مقاصد الشريعة الاسلامية ولعلنا فى مصر فى امس الحاجة لمثل هذا الحديث. يحتاج المشروع الاسلامى المتمثل فى الاحزاب الاسلامية التى حصلت على اغلب المقاعد البرلمانية فى مصر الى نقاش جديد بين اطرافه واخرين حول اولويات هذا المشروع الذى سيحكم مصر فى الخمس سنوات المقبله لان هذه الاولويات هى التى سيكون لها الدور الاساسى فى نجاح هذه المشروع بوصفه حاكما ولانه فى حال نجاحه ان شاء الله سيكون مثالا ملهما للمشاريع الاسلامية ليس فى المنطقة بل والعالم ايضا . ولعلى لا احتاج الى ان اؤكد على ان تجربة المشروع الاسلامى فى مصر ستكون التجربة الوحيدة فى العصر الحديث التى سيتم التعامل معها اذا ما نجحت ان شاء الله او فشلت لا قدر الله باعتبارها المحك الاول للمشروع الاسلامى بصيغته الديموقراطية - المنضبطة بالقيم الاسلامية – وهذا لان التجربة التركية الناجحة بها تداخلات تاريخية واقليمية واستراتيجية ويتم التعامل معها داخليا وخارجيا ليس على انها تجربة اسلامية خالصة وهذا الامر له ظروفه نظرا لتداخلات الاتاتوركيه ومشروعها العلمانى التغريبى مع موقع الدولة التركية بالقرب من القارة العجوز وتداخلات ذلك مع الواقع العسكرى الداخلى والخارجى الذى يتمثل فى الناتو وايران واسرائيل وغيرها من الاعتبارات والتى تحتاج الى سياق اخر للنقاش حولها . ولذا فأن مشروع الحكم الاسلامى فى مصر بصيغته الديموقراطية الحديثة - المنضبطة بالقيم الاسلامية – سيتحمل مسؤليتان الاولى داخلية والاخرى عالمية وذلك قدر مصر منذ الاف الاعوام فما يجرى بها ليس شانا داخليا بل له تداعياته الاقليمية والدولية وذلك ايضا قدر مصر الاسلامية والتى هى مركز الامة الاسلامية والعربية منذ مئات الاعوام . كل ما سبق يجعل المشروع الاسلامى امام تحد صعب فهو ليس لديه رفاهية الاختيار وليس امامه سوى ان ينجح اقتصاديا واجتماعيا وينقل مصر من دولة متخلفة – كما هى حاليا – الى دولة متقدمة حديثة. وانا مقتنع بان المعضلة الاقتصادية هى التحدى الاكبر لاى فصيل سياسى يمكن ان يصل لحكم مصر وكما انه هو المعضلة فهو فى ذات الوقت طريق النصر وبقدر ما سيكون الفصيل السياسى قادرا على النهوض فى المجال الاقتصادى فانه سيكون حتما قادرا على النهوض فى بقية المجالات الاساسية فى المجتمع ويكفى ان نشير الى ان نجاح حزب العدالة والتنمية فى الملف الاقتصادى جعل الشعب التركى متمسكا به فى السلطة لفترة تزيد على عشرة اعوام. ونحن نعلم ان اى حزب او تحالف سياسى فائز فى اى دولة فى العالم يجعل له مشروعا اقتصاديا اساسيا يغرى به شعبه وتكون قدرته على انجازه هى المحك الاساسى لاعتباره ناجحا فى ادارة الدولة وبالتالى اعادة انتخابه مرة اخرى وهذا جرى فى قبل اعوام فى انتخابات الرئاسة الامريكية عندما جعل مرشح الحزب الديموقراطى الفائز فى الانتخابات مشروع الرعاية الصحية فى صدر اولوياته وبالتالى انجازاته بعد ذلك. ولذا فانى اقترح ان يكون المشروع الأساسى أو عنوان المشروع الاسلامى فى مصر هو تطوير العشوائيات فى مصر التى يسكنها ما يزيد على 14 مليون مصرى بحيث يكون انجاز هذا المشروع الضخم الذى فشلت فيه حكومات متعاقبة دافعا لانجاز مشروعات وطنية اخرى تالية . ولدى لتبرير اختيار هذا المشروع اعتبارات عدة اهمها ان هذه المناطق العشوائية التى يبلغ عددها 1172 يسكن بها افقر المواطنين المصريين واكثرهم اصابة بالامراض المزمنة وبها اعلى نسب الامية والجريمة المنظمة وهذا طبقا لاحصائيات رسمية حكومية ودولية. كما ان هذه المناطق ينتشر بها طبقا لشهادات وصلتنى وبعضها عرفته بنفسى امراض اجتماعية وجرائم اخلاقية لا نملك خيارا فى وقفها فزنا المحارم وانتشار المخدرات والجرائم الجنسية وغيرها امور تنتشر كالهشيم فى تلك المجتمعات المغلقة. ففى الدويقة ومنشية ناصر وغيرها توجد عشرات الاسر التى تشترك فى مرحاض واحد فهذا رب اسرة وزوجته واولاده وبجواره عمال محارة ونجارة وفى غرفة مجاورة يسكن طلاب وشباب متسول بنات ورجال بتناوبون على دول مرحاض واحد ولك ما تتخيل ما يجرى فى ظلال هذا المشهد الدرامى عندما ياتى الليل او حتى فى النهار حيث الوعى الدينى الضحل والثقافة المنعدمة وحيث لا يوجد اصلا تعليم من الاساس. لكل هذا وغيره انحاز لمشروع تطوير العشوائيات فى مصر ليس فقط انقاذ الناس من حياة الحيوانات بل من اجل انقاذنا نحن من عقاب الله لاننا نرى محارم الله تنتهك امام اعيينا ونحن صامتين وسوف اعرض لهذا المشروع فى مساهماتى القادمة.