التنظيم والإدارة: 59901 متقدم بمسابقة شغل وظائف معلم مساعد مادة    محافظ القاهرة يؤدي صلاة الجمعة بمسجد السيدة زينب    إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات اليوم الجمعة 17 مايو    تيسير إجراءات استيراد المكونات الإلكترونية للشركات الناشئة بمجال التصميم الإلكتروني    اتحاد الغرف العربية: 36% نسبة الفقر في المنطقة.. والسلام مفتاح تحقيق التنمية    من بوابة «طلاب الجامعات».. بايدن يسعى لأصوات الأمريكيين الأفارقة بانتخابات 2024    تفاصيل الاجتماع الفني لمباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي دوري أبطال إفريقيا    سقوط المتهمة بالنصب على المواطنين ب «شهادات تمريض مزورة» في الغربية    جمارك الطرود البريدية بقرية البضائع تضبط 3995 قرص ترامادول داخل كمبروسر    متحف تل بسطا بالزقازيق يفتح أبوابه مجاناً للجمهور غدا    منهم يسرا وعدوية.. مواقف إنسانية لا تنسى للزعيم عادل إمام يكشفها النجوم    «الصحة» توجه نصائح لحماية المواطنين من مضاعفات موجة الطقس الحارة    لأطفالك.. طريقة عمل ميني الكرواسون بالشوكولاتة    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    قتلى وجرحى.. كتائب القسام تعلن استهداف ناقلة جند إسرائيلية في جباليا    أنشطة وفعاليات متنوعة.. معهد إعداد القادة يرسم ملامح جيل واعٍ ومبدع    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    الأمن العام: ضبط 13460 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24 ساعة    لعدم تركيب الملصق الإلكتروني .. سحب 1438 رخصة قيادة في 24 ساعة    البيئة: بعثة البنك الدولي تواصل مناقشة نتائج تقييم ممارسات إدارة مخلفات الرعاية الصحية بالمستشفيات الجامعية    "بعد 4 أشهر من وفاة والدته".. حفيظ دراجي ينعى أحمد نوير مراسل بي إن سبورتس    خمسة معارض ضمن فعاليات الدورة الثانية لمهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة    بشهادة عمه.. طارق الشناوي يدافع عن "وطنية" أم كلثوم    في يوم الجمعة.. 4 معلومات مهمة عن قراءة سورة الكهف يجب أن تعرفها    "الإفتاء" توضح كيفية تحديد ساعة الإجابة في يوم الجمعة    تجديد تكليف مى فريد مديرًا تنفيذيًا للتأمين الصحى الشامل    سموتريتش: السيطرة على غزة ستضمن أمن إسرائيل    محافظ أسيوط ومساعد وزير الصحة يتفقدان موقع إنشاء مستشفى القوصية المركزي الجديد    روسيا: مستعدون لتوسيع تقديم المساعدات الإنسانية لسكان غزة    كوريا الجنوبية: بيونج يانج أطلقت صاروخًا باليستيًا تجاه البحر الشرقي    بحوزته 166 قطعة.. ضبط عاطل يدير ورشة تصنيع أسلحة بيضاء في بنها    ليفربول يُعلن رحيل جويل ماتيب    الحبس والغرامة.. تعرف على عقوبات تسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها    مصر تفوز بحق تنظيم الاجتماعات السنوية للبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية في 2027    برنامج للأنشطة الصيفية في متحف الطفل    رئيس جهاز أكتوبر الجديدة يتابع مشروعات الإسكان والمرافق    توريد 192 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة حتى الآن    هل يمكن أن يؤدي الحسد إلى الوفاة؟.. الأزهر للفتوى يجيب    مواعيد مباريات الجمعة 17 مايو.. القمة في كرة اليد ودربي الرياض    تأهل هانيا الحمامي لنصف نهائي بطولة العالم للإسكواش    بعد 3 أسابيع من إعلان استمراره.. برشلونة يرغب في إقالة تشافي    انطلاق قافلة جامعة المنصورة المتكاملة "جسور الخير-21" المتجهة لحلايب وشلاتين وأبو رماد    تقنية غريبة قد تساعدك على العيش للأبد..كيف نجح الصينيون في تجميد المخ؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17-5-2024 في المنيا    جيش الاحتلال: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان وانفجار أخرى في الجليل الغربي    انطلاق امتحانات الفصل الدراسي الثاني لطلاب الشهادة الإعدادية بالجيزة.. غدا    حدث ليلا.. أمريكا تتخلى عن إسرائيل وتل أبيب في رعب بسبب مصر وولايات أمريكية مٌعرضة للغرق.. عاجل    يوسف زيدان: «تكوين» امتداد لمسيرة الطهطاوي ومحفوظ في مواجهة «حراس التناحة»    بسبب عدم انتظام الدوري| «خناقة» الأندية المصرية على البطولات الإفريقية !    هانئ مباشر يكتب: تصنيف الجامعات!    أستاذ تمويل يكشف توقعاته بشأن ارتفاع سعري الذهب والفائدة    مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 17 مايو 2024    " بكري ": كل ما يتردد حول إبراهيم العرجاني شائعات ليس لها أساس من الصحة    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 17 مايو: "جوائز بانتظارك"    أحمد السقا يكشف عن مفاجأة لأول مرة: "عندي أخت بالتبني اسمها ندى"    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    طارق مصطفى: استغللنا المساحات للاستفادة من غيابات المصري في الدفاع    ترقب المسلمين لإجازة عيد الأضحى وموسم الحج لعام 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استمرار الكيان الصهيوني مرتبط بخصائصه الاستيطانية
نشر في التغيير يوم 28 - 12 - 2011

كان تأسيس حزب كاديما منذ سنوات مؤشراً على انتقال قلب المؤسسة الصهيونية نحو يمين الوسط على حساب يسار الوسط الذي كان يمثله في الماضي حزب العمل وحلفاؤه. ولا حاجة للتذكير بأن مركز ثقل السياسة الصهيونية، أو مركزها الحيوي بلغة علم الاجتماع السياسي، يتحرك باضطراد نحو اليمين كلما تصاعدت أزمة وجود هذا المجتمع الاستيطاني، خاصة بعد ما تدهورت قدرة الردع التقليدي للدولة الصهيونية بحرب صيف 2006 على لبنان. وحاولت إعادة بناءها في عدوانها الأخير على غزة، لتخرج منها بفشل استراتيجي في تحقيق هدف العدوان (العجز عن اجتثاث المقاومة وتفاقم أزمة الردع التقليدي)، ومجزرة ودمار همجي ضد السكان والممتلكات ومقومات الحياة أصاب الكيان الصهيوني في صورته و"شرعيته" المزعومة أبلغ إصابة، وجعل ضباطه وجنوده يترقبون قضايا جنائية تنتظرهم بأماكن عديدة بالعالم.
لكن لماذا يتجه الكيان الصيوني نحو مزيد من التشنج العنصري، والإفراط باستخدام القوة الفائقة في صراع "منخفض الحدة" بطبيعته، وإيقاع تدمير بالغ بالمدنيين ومقومات حياتهم تصل حد الإبادة، وتعطيل كافة جهود "تسوية" غير سويّة رغم أنها تؤمن له الشرعية الإقليمية والدولية وتقطع الطريق بوجه الثوابت التاريخية للجماعة الوطنية الفلسطينية والعربية، ويرفض عملياً مبادرة عربية (تدل على وهن النظام العربي) لم يكن يحلم بها آباء المشروع الصهيوني؟!
تفسير هذه المفارقة يعود لطبيعة المشروع الصهيوني وسياقاته التاريخية وخصائصه البنيوية. فهو مشروع استيطاني إحلالي كولونيالي بالدرجة الأولى، وبتعريف ديڤيد فيلدهاوس، يقوم على إعادة إنتاج "ناجحة" للمجتمع الأوروبي في سياق استعماري/استيطاني، وعبر سردية (قصة ذات دلالة ورمزية) تقدمية تبرر اقتلاع السكان الأصليين بعد صهر متعدد التقاقات لمستوطنين من هويات مختلفة. ورد هذا المفهوم مراراً ومبكراً في الكتابات الإسرائيلية مثل كتاب باروخ كمبرلنغ "الصهيونية والأرض"، وكتاب غرشون شافير "الأرض والعمال وأصول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني". وهذا الأخير يعتبر الصهيونية صورة للتوسع الأوروبي عبر البحار في إقليم من التخوم.
هذا المشروع الكولونيالي الاستيطاني، كغيره من المشروعات الاستيطانية، لا بد أن يزعم لنفسه فرادة عنيدة أو استثناء تاريخياً تمنحه "حصانة" ضد سنن الحركة التاريخية التي تلفظ الكيانات الدخيلة على محيطها الحضاري والإقليمي، وتربط استمرارها باستمرار المصالح والأفكار والقناعات التي أسستها وهذه بدورها حالة متغيرة وخاضعة للتفاعلات التاريخية، وتستبطن قدرة الأمم على إعادة إنتاج توازن قوى يغير مسارات الصراع جذرياً.
كانت 1948 سنة حاسمة بالنسبة للتاريخ الكولونيالي في كل من فلسطين وجنوب أفريقيا. وبينما أظهر المشروع الكولونيالي الذي تأسس بعد الانتصار الإسرائيلي في حرب "الاستقلال" أو النكبة الفلسطينية فروقاً هامة مقارنة بالأوضاع الكولونيالية التي تأسست بجنوب أفريقيا بعد الانتصار الانتخابي لحزب جنوب أفريقيا القومي (العنصري) في نفس السنة، فإن الأوضاع الكولونيالية في كلا التجربتين قامت على أساس فكرة اقتلاع السكان الأصليين والقيام بطردهم وإقصائهم وعزلهم بالفعل. وهناك أوجه تشابه أخرى دالة؛ فقد أصبح كل من الكيانين حائزاً وحيداً للقوة النووية في سياقه الإقليمي الذي يحيطه بالعداء الصريح والعزلة المتواصلة، كما تمتع كلاهما بالدعم الغربي في سياق الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، ودخل كلاهما في إعادة تقييم عميقة لموقفيهما -دولياً وإقليمياً- بعد نهاية الحرب الباردة.
وكان كل من نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا وتحولات أوضاع إسرائيل باتجاه السيطرة الاستيطانية على فلسطين قد أبرز ذخيرة مشتركة من الموضوعات والمجازات واللازمات كأساس للمشروعين الاستيطانيين، وكذلك تصوير السكان الأصليين كحالة رومانتيكية عجائبية (نمطية غير عقلانية)، وعنفية بشكل خاص وغير مبرر. وكغيرهما من المجتمعات الاستيطانية، انشغلت جنوب أفريقيا وإسرائيل بشكل خاص بالقضية السكانية. فرغم الأساطير المتوازية والمتواترة في كلا التجربتين حول استيطان أرض خالية من السكان (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، فقد أثيرت مسألة السكان الأصليين باستمرار، وتم تمثلها بتعبيرات سكانية قلقة، كالحديث عن القنبلة الديمغرافية بإسرائيل والخوف من تصاعد معدلات المواليد الأفارقة أو الفلسطينيين، مما يتناقض جذرياً مع مقولة الفضاء الاستيطاني غير المأهول. وبينما يعتبر ذلك توجهاً مشتركاً لدى معظم المجتمعات الاستيطانية، أدت حدة وكثافة التجمعات السكانية المحيطة بتخوم جنوب أفريقيا وإسرائيل نسبياً إلى تشكيل وجدان استيطاني مهووس بالحاجة إلى التلاعب بالأوضاع السكانية لأجل ضمان توازن سكاني مواتٍ لاستمرار واستقرار الاستيطان.
للكاتب الإسرائيلي ألبرت ممي مؤلف كتاب "المستعمِر والمستعمَر"، 1957، مقولة حول كيفية طمس المستعمِرين لإنسانية المستعمَرين: "إنسانية المستعمَر، التي يرفضها المستعمِر، تصبح مطموسة. فمن العبث، كما يصر المستعمِر، أن تحاول التنبؤ بأفعال المستعمَرين ('إذ لا يمكن التنبؤ بشيء عنهم!' ومعهم لا يمكن التأكد من شيء أو معرفة شيء!) وهذا نوع آخر من الفرادة السلبية. ويخيل للمستعمِر أن هناك نوازع غريبة ودوافع مقلقة تسيطر على المستعمَر. ولا بد أن الأخير هو بالفعل غريب جداً، خصوصاً إذا ما استمر غامضاً جداً بعد سنوات من العيش مع المستعمِر." فالمستعمِر غالباً لا يعترف بإنسانية الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية؛ وبالتالي يعتبر المستعمِرون هذه الشعوب حالة شاذة، ولا يمكن التنبؤ بسلوكها.
لذلك معظم تصورات الاستيطان الصهيوني فيما يتعلق بمستقبل الفلسطينيين -من حكم ذاتي أو شبه دولة منزوعة السيادة ومفتقرة إلى التماسك الجغرافي والقدرة على الحياة أو جدار الفصل العنصري- ترمي لعزل التجمعات السكانية الفلسطينية في إطار ما كان يعرف بجنوب أفريقيا بالمعازل أو "البانتوستان"، جزر منعزلة من السكان الأفارقة، تكرس فكرة الفصل العنصري.
على هذه الخلفية ينبغي فهم مسارات وتغيرات الحركة السياسية في إسرائيل، فهذا الكيان يعيش أزمة استنفاد وسائل العنف التي فرض بها وجوده، وانحطاط قدرته على الردع، وإخفاق سياسات الحصار والإبادة في إخضاع الشعب الفلسطيني ومساومته على لقمة العيش مقابل حقوقه وحريته وأرضه. بالنسبة لمجتمع استيطاني بكافة خصائصه الاستيطانية، تمثل هذه الإخفاقات والأوضاع مأزقاً وجودياً، لا يجدي نفعاً معه الدعم الأميركي المطلق، والتأييد الأوروبي الكامل، وترسانة الأسلحة التقليدية والنووية الهائلة، واللوبي الإسرائيلي النافذ بأميركا وأوروبا، والتعاطف الغربي الوجداني والديني اللامحدود.
يرتبط استمرار الكيان الصهيوني جذرياً بخصائصه الاستيطانية، وإذا ما تخلى عنها فقد انتهى وجوده عاجلاً أو آجلاً. وفي ضوء هشاشة الجغرافيا الفلسطينية (بتعبير زئيف هرتزوغ أستاذ الأركيولوجيا بجامعة تل أبيب)، وحاجة الكيان الصهيوني لمزيد من موارد طبيعية غير متاحة بفلسطين، لاستيعاب المهاجرين وتوسيع قاعدة الإنتاج الزراعي والصناعي، فلا مناص من التوسع المستمر، استيطاناً بالضفة الغربية يبتلع الأرض والمياه والطرق ومناطق الغور، وتهويداً للقدس التي تمثل أهم الديباجات الرمزية المطلوبة لتوكيد فرادة وخصوصية المشروع الصهيوني.
لذلك، مجرد ادعاء الائتلاف الصهيوني السابق بقيادة كاديما قبول "فكرة" حل الدولتين كلفه خسارة الانتخابات النيابية الأخيرة، رغم عبثية المفاوضات التي أجراها مع السلطة الفلسطينية. لذلك، تأتي المبادرة العربية وقبلها اتفاقات أوسلو وبعدها أنابوليس كمغالطات في سياق عبثي لا يأخذ بالاعتبار خصائص الكيان الصهيوني الاستيطانية. فليس هناك كيان استيطاني واحد في التاريخ تغيّر وأصبح صالحاً للتعايش مع شعب الأرض الأصلي، أو كيان استيطاني واحد استمر بدون إبادة وتدمير الشعب الأصلي. وهذا هو مأزق الاستيطان الصهيوني الآن.
وعد بنيامين نتانياهو—أكثر من مرة—بإقامة السلام مع العرب والمسلمين، والسلام الاقتصادي مع الفلسطينيين، لكنه رفض الدولة الفلسطينية وقال أن الفلسطينيين غير مؤهلين لإقامة دولة. يذكّرنا هذا التصريح مرة أخرى بأحد ركائز الاستيطان الأساسية: إنكار وجود الضحية (أهل البلاد) وإن اتخذ الإنكار صوراً مختلفة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.