تصاعدت هذه الأيام المواجهات والاشتباكات بين المعتصمين والجيش، وفي غمار هذه الأحداث الدامية، وقفت جميع القوى السياسية عاجزة عن الوصول إلى نهاية تضمن السلامة للمواطنين الأبرياء والخروج الآمن للجيش. ولكن ما هي الصفقة التي يربح فيها الجميع? بالطبع لا يوجد صفقة ناجحة إلى هذا الحد لأنها ستأتي على حساب أطراف كثيرة؛ فإذا ما تحدثنا عن صفقة بين البرلمان الذي ستحكمه التيارات الإسلامية والجيش، بحيث تضمن للطرف الأول إتمام العملية الانتخابية وتشكيل برلمان يقوم فيما بعد بإعطاء بعض الصلاحيات المشروطة للطرف الثاني وعدم ملاحقته قضائيا، فسيظهر تيار آخر من الليبراليين وعدد كبير من القوى السياسية ليعلن رفضه لهذه الصفقة كونها حققت مصالح ذاتية للطرفين على حساب الشهداء الذين سقطوا برصاص الجيش خلال المواجهات الأخيرة، ومن ثم سنجد ميليونيات جديدة ومطالبات بحل مجلس الشعب، وهو أمر سيعيد الوضع إلى المربع الأول. والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف نتوصل إلى صفقة ناجحة تحقق الاستقرار والتهدئة بين جميع الأطراف؟ لابد أن ندرك جيدا أن هناك عوامل كثيرة يجب أن تؤخذ في الاعتبار، أهمها: عامل الوقت الذي يحسم أي صفقة بحيث يتم اختيار التوقيت المناسب لعقد الصفقة كون اختيار الموعد الخاطئ سيضيع الأمر برمته وربما يخلف آثارا كارثية على طرفي الصفقة. ولعلنا هنا نعود بذاكرتنا قليلا إلى الوراء عندما خرج الثوار في 25 يناير وكانوا يطالبون فقط بحل مجلس الشعب وإقالة وزير الداخلية، وهو أمر رفضه مبارك، ثم تصاعدت المطالب لتنادي بإقالة الحكومة، فقوبلت أيضا بالرفض، إلى أن رفع الثوار من سقف تطلعاتهم وطالبوا برحيل مبارك ثم بمحاكمته، وهي غاية وصل إليها الثوار بالفعل، لكنها كلفتهم ثمنا باهظا من الشهداء والجرحى، وأوصلت مبارك في المقابل إلى مصيره المشئوم. وبعيدا عن النتيجة الإيجابية التي أدركها الشعب المصري بتأخر مبارك في الاستجابة للمطلب الأول من "الصفقة" وعدم اكتراثه لعامل الوقت، فقد خسر الرئيس المخلوع في النهاية كل ما يملك من سلطات قبل أن يتم محاكمته لاحقا. وبالعودة إلى الوضع الحالي، فإن الأمور لم تختلف كثيرا بين الشعب والجيش عما كان الحال مع مبارك، لكن المجلس العسكري أراد أن يبرم صفقة من جانب واحد عندما طرح وثيقة السلمي، لكن القوى الإسلامية رفضت تمرير المبادئ الحاكمة للدستور في مقابل تيارات أخرى ليبرالية قبلت هذه الوثيقة. وهنا كانت الحلقة المفقودة : "الصفقة" التي لم يبرمها المجلس العسكري مع أي من الطرفين الآخرين سواء المؤيد أو المعارض له، وبالتالي آلت الأمور إلى ما نحن عليه الآن، فضلاً عن أن قادة "العسكري" لم يختاروا الوقت المناسب ولم يجيدوا تمرير ما يريدون دون التطرق للأمور الخلافية مثل مدنية الدولة وغيرها من الأمور التي استفزت الإسلاميين. ولكن هذه الأيام، تفرض الظروف الراهنة على الجميع قبول بعض التعديلات الدستورية في صفقة طرفاها الشعب والجيش على أن تمر عبر البرلمان الجديد ثم تخضع لاستفتاء شعبي نزيه، غير أن هذه الصفقة التي تبدو انكسارا وانهزاما أمام الجيش ليست خوفا من المؤسسة العسكرية كما تبدو في ظاهرها، خاصة بعد الوحشية التي تعامل بها أفراد الجيش تجاه المعتصمين، ولكن لأن هناك قوى خفية يحركها بقايا النظام البائد الموجودون حاليا في السلطة والقادرون على حرق مصر كاملة والترويج لذلك في وسائل الإعلام، في مقابل شعب قادر على التضحية بكل ما يملك من أجل حريته، والجميع سيخسر حتما في هذه المعركة. ولكن في كل الأحوال، وسواء تمت هذه "الصفقة" أم لم تتم فستنتصر إرادة الله في ملاحقة الظالمين وستكون السلطة في يد من يستحقها مهما روج المغرضون وطغى المفسدون.