أما على الصعيد الخارجي، فإن الولاياتالمتحدة تواجه أخطاراً كانت هي السبب فيها جزئياً خصوصا في ذلك المربع الواسع الذي يحيط بحدود كردستان، وقطاع غزة، والصومال، وباكستان، إضافة إلى التحديات التي تمثلها القوى الصاعدة التي تسعى في الوقت الراهن إلى ترسيخ مكانتها، ونيل اعتراف الآخرين بقدراتها. \r\n \r\n على الرغم من ذلك، هناك من الأسباب ما يدعو للتفاؤل، وعلى رأسها أن رئاسة أوباما، يمكن أن تدشن عهداً جديداً للقيادة الأميركية العالمية. \r\n \r\n وفي الوقت الذي تبدو فيه أميركا وكأنها تحفر قبرها بأيديها، بسبب مغامرتها الرعناء في غزو العراق، وإرتكابها لأخطاء جسيمة في إدارة اقتصادها، نجد أن هناك مجموعة قليلة من الدول تحاول استغلال الفرصة السانحة من أجل تحقيق مزيد من الإضعاف لمكانة أميركا في العالم. وهنا نجد بعض المفارقات اللافتة للنظر: فحلفاء أميركا الذين قاموا في بعض الحالات بمعارضة صاخبة لحرب العراق، أو رفضوا مد يد المساعدة لها في أفغانستان، لم يجرؤ أي منهم على فك تحالفه معها، بل وتبين على سبيل المثال أن استخبارات ألمانيا كانت تساعد الأميركيين في ضرب الأهداف العراقية في الوقت الذي كان مستشارها جيرهارد شرويدر ينتقد إدارة بوش انتقاداً لاذعاً. بالنسبة للدول الأخرى سنجد ما يلي: أن الصين لم تلجأ إلى استغلال مشاغل واشنطن في الشرق الأوسط في تحدي النظام الذي تقوده أميركا في آسيا. وأن الهند واصلت السعي من أجل إقامة علاقات وثيقة مع أميركا، وأن روسيا التي عمدت في الفترة الأخيرة إلى إتباع نهج عدواني قد تجنبت المواجهة المباشرة مع واشنطن. \r\n \r\n بناء قاعدة ثابتة وراسخة للقيادة الأميركية العالمية يتطلب تغييراً في الاستراتيجية بهدف استرداد التوازن الدقيق بين الدبلوماسية والقوة، وهو توازن تخلت عنه واشنطن طوال فترة بوش. \r\n \r\n \r\n وهذه الدول، من كان منها حليفاً، أو منافساً استراتيجياً، أو عدواً محتملاً، ربما تكون قد تصرفت بالطريقة التي تصرفت بها، لأنها رأت الجانب السلبي من العالم عندما يصبح محروماً من القوة الأميركية. فبالنسبة لدولة مثل الهند، نجد أن الولاياتالمتحدة تعمل كواقٍ لها من القوة الصينية. أما الصين فإنها تدرك أن أميركا إذا خرجت من معادلة الأمن في آسيا، فإن ذلك سيتيح الفرصة لبروز العدائيات الكامنة والمدمرة بين اليابان، وكوريا الشمالية، وكوريا الجنوبية، وتايوان، والصين وهي العدائيات التي يمكن أن تزج بالقارة بأسرها في أتون الحرب. وعندما ننظر إلى روسيا، فسوف نجد أن موت أميركا سوف يتركها وجها لوجه أمام أمة صينية تتكون من 1.3 مليار إنسان، قد تتطلع يوما إلى احتلال الأراضي الشاسعة الخالية من السكان التي كانت تابعة لها في السابق، والواقعة في أقصى شرق روسيا. هناك عوامل أخرى يجب أخذها في الحسبان منها أن أميركا تحظى بمكانة فريدة كسوق، وكمصدر للتقنية، وكمكان لتعليم النخب. علاوة على ذلك، فإن الركود العالمي الذي سيكون مؤلماً لأميركا داخلياً لا محالة، سيضر في النهاية بالأمم الأخرى ربما بدرجة أكبر. يُضاف إلى ذلك أن الأزمات الاقتصادية في كل من الصين وروسيا، وجنوب شرق آسيا، والدول الأفقر المنتجة للنفط، تهدد بحدوث اضرابات اجتماعية وسياسية خطيرة. \r\n \r\n وفي العالم المتقدم ليس هناك ما يدل على أن الاتحاد الأوروبي أو اليابان يؤديان بشكل أفضل بكثير من الولاياتالمتحدة، وهو ما يؤدي بنا في النهاية إلى استخلاص أن القوة الأميركية - وبالمقارنة بغيرها من القوى العالمية- لن تتقلص نتيجة للتدهور الاقتصادي. \r\n \r\n وفي الوقت الذي يمكن للعوامل السابقة كلها أن تخفف من تداعيات الأزمتين المالية والاقتصادية، فإنها يمكن أن تؤشر أيضاً على أن الولايات يمكن أن تخرج منهما أقوى مما كانت عليه من قبل - نسبياً على الأقل. \r\n \r\n فالولاياتالمتحدة تتميز بإمكانيات فريدة تمكنها من مواجهة التحديات الشاقة التي تعترض طريقها: فهي توفر نافذة للفرص والصعود الاجتماعي تتيح لشخص يحمل اسما وخلفية مثل باراك أوباما أن يتبوأ أعلى منصب في البلاد. وبالإضافة إلى الدينامية السياسية، فإن المجتمع الأميركي لا يزال يظهر مرونة وانفتاحاً فريداً يتيح له ليس فقط تجديد قدراته وإنما- وعلى الرغم من أخطائه - تحقيق درجة عالية من التنافسية. وليس من قبيل الصدفة والحال هكذا أن يكون عدد كبير من الاكتشافات، والابتكارات، والمشروعات الجديدة، والصناعات التي حددت معالم القرن العشرين، وتحدد راهناً معالم السنوات المبكرة من القرن الحادي والعشرين، قد نبعت من أميركا. \r\n \r\n الديموغرافيا تمثل هي الأخرى ميزة واضحة للولايات المتحدة: ففي الوقت الذي تعاني فيه قارات ودول مثل أوروبا، وروسيا، والصين، واليابان، من معدلات منخفضة من الخصوبة، ومن شيخوخة المجتمع، فإن الولاياتالمتحدة، وإن لم تكن محصنة من شيخوخة المجتمع، إلا أن معدل الخصوبة المرتفع بها مضافاً إليها الهجرة الخارجية يمنحانها مزايا إضافية هائلة. \r\n \r\n ولكن بناء قاعدة ثابتة وراسخة للقيادة الأميركية العالمية سوف يتطلب -إلى جانب أشياء أخرى عديدة - تغييراً في السياسة والاستراتيجية، من أجل استرداد ذلك التوازن الدقيق بين الدبلوماسية والقوة، وبين الإجماع والقهر، ذلك التوازن الذي تخلت عنه واشنطن برعونة خلال سنوات إدارة بوش. وإذا تمكنت الولاياتالمتحدة من التغلب على التحديات الاقتصادية التي يتوقع مواجهتها خلال السنوات المقبلة - وهو شيء لا يمكن أخذه على أنه أمر مسلم به - فإنه يجب الانتباه إلى أن هناك عوامل بنيوية وثقافية يمكن أن تجعلها تبرز أكثر قوة ونفوذا على المسرح العالمي. \r\n \r\n \r\n \r\n روبرت ديوجاريك \r\n \r\n مدير معهد الدراسات اليابانية المعاصرة بجامعة تمبل بطوكيو \r\n \r\n \r\n آندي زيليك \r\n \r\n محاضر السياسات العامة بكلية كنيدي- جامعة هارفارد \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n