رحلة نيكولا ساركوزي المكوكية اليوم بين موسكو للقاء ديميتري ميدفيديف صباحا، وتبليسي لمباحثات مع ميخائيل ساكاشفيلي مساء، هي لإقناع الزعيمين، خصوصا ميدفيديف، بتطبيق خطته، والانسحاب إلى خطوط ما قبل اندلاع النزاع في 7 آب الماضي، قبل أن تكون فرصة للدبلوماسية الأوروبية، كما يبدو من تصريحه، غداة قمة الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي في بروكسل. \r\n وكان ساركوزي قد استمهل المستعجلين إلى عقوبات ضد روسيا، وخاصةً بريطانيا وبولندا، وجمهوريات البلطيق، المنضوية حديثا في الاتحاد بعد نصف قرن تحت أعلام السوفيات، والخائفة من ألا تجد في انقسام الأوروبيين حاجزا يحول دونها وروسيا العائدة إلى القوس السوفياتي واستدعائها إياها إلى »حظيرة الطاعة« بعد تطويع جورجيا، وبالذرائع ذاتها. \r\n يصطحب الرئيس الفرنسي معه رئيسي المفوضية الأوروبية خوسيه مانويل باروسو، والدبلوماسية الأوروبية، خافيير سولانا. المرافقان الأوروبيان سيحاولان في الكرملين إسماع صوت أوروبا واستعادة المبادرة السياسية في القوقاز، التي لا يزال يطغى عليها ظل خطة ساركوزي، التي لا تزال إطار التهدئة الوحيد المطبق، رغم تراوح الموقف الأوروبي، بين مؤيد كألمانيا وإيطاليا، ومنتقد كبريطانيا وبولندا. \r\n ويؤخذ على خطة ساركوزي، في بندها الخامس، أنها تمنح الروس حق الإبقاء على قوات في جورجيا، بنصها على إجراءات أمنية لقوات السلام الروسية، وتجاهلها الإعلان عن وحدة الأراضي الجورجية. والأوروبيون الثلاثة سيسمعون صوتا واحدا في موسكو، لكن على درجات متفاوتة من التوتر، فباروسو يتبنى الدعوة إلى تجميد كل اللقاءات مع الروس، بانتظار انسحابهم الفعلي من جورجيا. وسولانا، الأمين العام الأسبق لحلف شمال الأطلسي، يدعو إلى خطوات أوروبية أقوى إزاء روسيا، وإرسال قوات مراقبة ميدانية للتحقق من انسحابها. أما ساركوزي فيذهب للحصول من ميدفيديف على إشارة للالتزام بالانسحاب، في »أقرب وقت ممكن«. \r\n وبحسب مصدر روسي في باريس، ينتظر ميدفيديف، لاستكمال الانسحاب، أن يحمل ساركوزي معه »خطوة أوروبية واضحة للانتشار في مناطق الانسحاب«. \r\n ويستبعد ساركوزي، حتى في حال الفشل، اللجوء إلى عقوبات »في هذه المرحلة«، وقد ردد على مسامع المطالبين بالتشدد مع روسيا، خلال قمة بروكسل »يجب ألا نطلق حربا باردة كيفما اتفق، ويجب ألا نستعرض عضلاتنا، ولا العقوبات والعقوبات المضادة، لأن ذلك غير مجد بتاتاً«. \r\n وسيعرض ساركوزي على الروسي والجورجي، عقد مؤتمر دولي للأمن والاستقرار في القوقاز، و»الفكرة جاهزة«، كما قال مصدر أوروبي، لكن ساركوزي سيطلب من ميدفيديف، المتردد، وساكاشفيلي، المؤيد، تحديد الموعد والمكان، لتحقيق الاقتراح و«تهدئة مخاوف الأوروبيين«. \r\n ويحمل باروسو وسولانا خطة أوروبية احتياطية، اتفق عليها بين وزراء الخارجية الأوروبيين في أفينيون، السبت الماضي، تتضمن عرضا بقوة دولية تنتشر تدريجيا في الأراضي الجورجية، التي انسحبت منها القوات الروسية، وصولا إلى »المناطق الأمنية«، المحاذية لأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية؛ وبلجنة تحقيق دولية لتحديد المسؤولية عن نشوب النزاع. \r\n والاقتراح قد يجد صدى مؤيدا لدى الروس والجورجيين لأن وزير الخارجية الإيطالي فرانكو فراتيني »تحدث بها لدى الطرفين، ولم تلق رفضا لديهما«، والألماني فرانك فالتر شتاينماير يود أن »نعهد بها إلى الأممالمتحدة، أو منظمة الأمن والتعاون الأوروبي«. \r\n وعلى زيارة ساركوزي إلى موسكو، بشكل خاص، يتوقف مصير الشراكة الروسية الأوروبية، رغم أن التجميد الأوروبي الحالي يطال اجتماعا واحدا، جرى تعليقه وكان مخصصا ليس لبحث اتفاق الشراكة، بل بعض الملحقات التقنية والتعديلات، لأن الاتفاق الأساسي وقع في العام ،1997 ولن يطاله التعليق، ما يعني أن الجزء الأكبر من الاتفاقات سيظل ساريا، ولو لجأت أوروبا إلى عقوبات ضد روسيا، إلا إذا قام الأوروبيون في قمة نيس المقبلة في 14 تشرين الثاني، باتخاذ موقف متشدد من الاتفاقية الأساسية. \r\n وتتمتع روسيا حتى الآن، بأفضليات استراتيجية مهمة، كي لا يذهب الاتحاد الأوروبي بعيدا في صد عودتها إلى القوس السوفياتي. ويصدر من موسكو 25 في المئة من الغاز والنفط، الذي يجري في عروق الاقتصاد الأوروبي، وهي نسبة مرشحة لأن تتضاعف في العقدين المقبلين. \r\n لكن هذه الميزة ليست العقدة الأخطر، بنظر بعض الخبراء. إذ تقوم روسيا بدور أساسي في معالجة البرنامج النووي الإيراني، ومن دون علاقات جيدة معها لا يمكن التقدم نحو أي عقوبات جديدة لإبطاء هذا البرنامج، تاركة ساركوزي أمام خياره الكارثي »القنبلة النووية، أو ضرب إيران«. \r\n وكان رئيس الوزراء الايطالي برلوسكوني قد لخّص القراءة الأوروبية لروسيا الجديدة، فهي »دولة تنمو اقتصاديا، بنسبة 7 إلى 8 في المئة سنويا، وتملك احتياطيا هائلا من النفط والغاز، وقوة نووية قادرة على تدمير العالم وسكانه عشر مرات«.. باختصار لا شيء يخيف الروس! \r\n