لكن يا له من حدث! لقد جاء الظهور المفاجئ للسيناتور المخضرم ادوارد كيندي في اليوم الاول ليثير العواصف ويخيم بظلاله على بقية أيام الاسبوع، فهذا «المحارب القديم«، الذي يتعالج من سرطان خبيث في الدماغ، أبى الا ان يقوم برحلة صعبة ومحفوفة بالخطر الى دنفر، ليس لإلقاء مجرد خطبة شكلية، بل لتذكير حزبه بالتحديات التي تنتظره ويحثه على توحيد صفوفه. بعده أخذت ميشيل أوباما الكلمة فألقت خطابا ضمنته ملاحظات مهمة في ظل حملة التشنيع المغرضة التي استهدفتها خلال هذه الحملة الانتخابية.. \r\n \r\n فهي سيدة أمريكية من أصل افريقي، تجمع ما بين الذكاء وقوة الشخصية، غير ان بعضهم سعى الى تصويرها على انها راديكالية، منفصلة عن التيار الغالب والرسمي في الولاياتالمتحدةالامريكية. لا شك ان المسألة العرقية قد لعبت دورا كبيرا في هذا الشأن، غير ان قصة ميشيل اوباما (الابنة والأم والزوجة والمرأة العاملة) قد ذكرتنا بالطابع الامريكي الذي يغلب على قصتها. أما المسألة الثانية المدرجة على الاجندة فهي تتمثل في تسوية وطي حملة شرسة على مدى 18 شهرا بين السيناتورين: باراك أوباما وهيلاري كلينتون. كانت البداية مع السيناتور هيلاري كلينتون التي منحت دعمها الكامل لباراك أوباما ليلة الثلاثاء ليأخذ الكلمة بعدها زوجها بيل كلينتون ويشيد بأوباما، خليفته المنتظر في البيت الابيض.. مع نهاية خطاب بيل كلينتون، كان واضحا ان الحزب الديمقراطي قد أصبح الآن بقيادة السيناتور باراك أوباما، مع اعتراف كلينتون بأن جلباب القيادة قد انتقل اليه. يوم الاربعاء كان يوم جو بايدن، فقد ألقى خطابا قويا أكد فيه جدارته بترشيحه نائبا للرئيس وخصاله كمقاتل صعب المراس كما عدد الفوارق والاختلافات بين الديمقراطيين والجمهوريين، سواء تعلق الامر بالسياسات الداخلية أم الخارجية. أما ليلة الخميس فكانت مشهودة وكان المقصود منها ارسال رسالة قوية أمام 84 الف شخص وهو ما يجعل منها اكبر مؤتمر للحزب الديمقراطي في التاريخ. أما المتحدثون الذين تعاقبوا على إلقاء الخطب ليلتها فقد كان من ضمنهم نائب الرئيس السابق آل جور ونائب الرئيس المرشح جو بايدن ولفيف من الجنرالات المتقاعدين وكبار الشخصيات القيادية في الحزب الديمقراطي والامريكيين العاديين. اتضحت القضايا والمضامين الرئيسية الخاصة بالمؤتمر: { لقد فشلت ادارة بوش في سياساتها الاقتصادية والسياسية. { لقد تم تصوير جون ماكين على انه يبحث عن الفوز «بفترة ثالثة لادارة جورج بوش الحالية«. لقد تعاقب المتحدثون، الواحد بعد الآخر، وراحوا يذكرون بالمصاعب الكبيرة والاحتياجات التي لم تجد من يلبيها للناس: اعصار كاترينا، اغلاق المصانع، غياب الخدمات الصحية، تآكل البنى التحتية والنظام التعليمي، مع دعوة ملحة اطلقها جميع هؤلاء إلى التغيير، بدل الاكتفاء بأربع سنوات أخرى تكرس السياسات القاتلة نفسها. .. وأخيرا أطل باراك أوباما وألقى خطابا قبل فيه رسميا بترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الامريكية. لقد تزامن ذلك الخطاب مع الذكرى الخامسة والاربعين للخطاب الشهير الذي ألقاه الزعيم مارتن لوثر كنج وقال فيه: «يراودني حلم«، وهو ما ذكر الامة بالتطور الذي حققته الولاياتالمتحدةالامريكية منذ ذلك الوقت. لم يخيب باراك أوباما الاماني المعقودة عليه، وهو الذي كان في اكثر من مرة في حياته يرفع التحدي ويلقي «خطاب العمر«، فقد فعل ما كان متوقعا منه ونقل المعركة مباشرة الى جون ماكين وأوضح انه لا يقل عنه خبرة، وحكما صائبا متى ما تعلق الامر بالسياسة الخارجية مبرزا في الوقت نفسه فشل جون ماكين في اتخاذ الموقف السليم أكثر من مرة.. لقد طرح باراك أوباما أيضا برنامجه السياسي بالتفصيل حول العديد من القضايا السياسية الداخلية والخارجية. لقد نسج على منوال جون كيندي عندما خاطب الشعب الامريكي وطمأنه بأنه يمكن رفع التحديات القادمة وتجاوزها. لم يكن مؤتمر الحزب الديمقراطي يقتصر على هذا الجانب فقط، ففي الاسبوع الماضي كان هناك العشرات من الاجتماعات الجانبية الرسمية وغير الرسمية واللقاءات التي عقدتها المنظمات المنبثقة عن الحزب الديمقراطي.. خلال تلك الجلسات ناقش آلاف المشاركين القضايا المطروحة كما شاركوا في بلورة الاستراتيجيات قبل شهرين من السباق الانتخابي.. في شهر نوفمبر 2008م. الآن، وفي آخر يوم غادر الديمقراطيون مدينة دنفر ليعودوا الى الولايات الخمسين محملين بأجندة حافلة كي يخططوا للمعركة الانتخابية الرئاسية في نوفمبر القادم. لعل ما يدل على التحديات القادمة وشراسة المعركة الانتخابية المنتظرة انه لم تكد تمر أربعة أيام على نهاية مؤتمر الحزب الديمقراطي حتى اختار المرشح الجمهوري جون ماكين حاكمة ولاية آلاسكا سارة بالين كي تكون نائبته وقد أعلن اختياره هذه السيدة المغمورة وهي شابة، عديمة الخبرة بالسياسة التي تمرس بها جون ماكين في واشنطون. لقد أتاح اختيار سارة بالين الفرصة للجمهوريين كي يسيطروا على وسائل الاعلام والمحطات التلفزيونية وحولوا بالتالي الانظار عن اجتماع الديمقراطيين فحقق جون ماكين بذلك ضربة صحفية. \r\n \r\n * رئيس المعهد العربي الأمريكي \r\n