جون ماكين الذي صرح أكثر من مرة بنيته إبقاء القوات الأميركية في العراق بلا نهاية يعطي انطباعا بأن اليمين المحافظ الأميركي مازال في جعبته الكثير الذي لم تنفذه إدارتي الرئيس بوش الابن، وأن هناك ملفات معلقة يجب حسمها وغير مضمون حسمها في ظل إدارة الديمقراطيين في البيت الأبيض، ومنها ملف إيران النووي الذي ثبت خلال الأعوام القليلة الماضية أن إدارة الرئيس بوش كانت قد أخذت قرارا قاطعا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران لكن الظروف الدولية لم تواتيها لتنفيذ هذا القرار. \r\n \r\n \r\n وهناك أيضا ملف الدرع الأميركية المضادة للصواريخ الذي يلقى معارضة شديدة من روسيا ودول أخرى، وملف الشرق الأوسط الذي اعتادت الإدارات الأميركية أن تتركه معلقا بدون حسم، ولكن إدارة بوش كانت قد قررت محاصرة سوريا ولم يسعفها الوقت لإكمال هذا الحصار وفرض العقوبات عليها وربما التخطيط لتوجيه ضربة عسكرية لها أيضا بالتعاون مع إسرائيل، وهناك ملفات إفريقية هامة، على رأسها ملف دارفور في السودان الذي ستتركه إدارة بوش وهو مشتعل وعلى وشك الانفجار ويحتاج لمن يحصد ثمار هذا الانفجار. \r\n \r\n \r\n هذه الملفات وغيرها لا يمكن الاعتماد على إدارة الديمقراطيين في تنفيذها وحسمها، فقد اعتاد الأميركيون على انشغال الديمقراطيين في البيت الأبيض بالمسائل الاقتصادية والشأن الداخلي أكثر من اهتمامهم بالشأن الخارجي والتحركات العسكرية وإشعال الحروب. \r\n \r\n \r\n ومن المتوقع بل ربما من المؤكد في ظل الحالة المتردية للاقتصاد الأميركي نتاج سياسات إدارة بوش الابن فإن أي رئيس ديمقراطي سيضع على رأس أولوياته الإصلاح الاقتصادي، مما سيعني توجيه الميزانية والإنفاق داخليا وإهمال الميزانية العسكرية، الأمر الذي يهدد مصالح إمبراطوريات السلاح والنفط الأميركية التي تتحكم إلى حد كبير في سير العملية الانتخابية الرئاسية. \r\n \r\n \r\n كل هذه الأمور ربما لا تدعو للتفاؤل لدى الكثيرين، لكنها لدى آخرين تدعو للتفاؤل لأسباب أخرى، وربما يكون أكثر المتفائلين من بقاء اليمين المحافظ في البيت الأبيض الدول الكبيرة مثل روسيا والصين والهند ودول أوروبية مثل ألمانيا وأسبانيا وإيطاليا وربما أيضا فرنسا. \r\n \r\n \r\n وكذلك يتفاءل بها دول أخرى صغيرة مثل دول أميركا اللاتينية فنزويلا وبوليفيا وكوبا وغيرها، ودول أخرى مثل إيران وبعض دول الشرق الأوسط، وما يجمع كل هذه الدول معا ويحملها على التفاؤل هو أن سياسة المحافظين الجمهوريين في البيت الأبيض هي الكفيلة في النهاية بتقهقر الهيمنة الأميركية على الساحة الدولية وأن استمرارها أربعة سنوات أخرى قد يضع حدا لسياسة هيمنة القطب الواحد على الساحة الدولية والسائدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسكر الاشتراكي. \r\n \r\n \r\n لقد استطاعت سياسة اليمين المحافظ في البيت الأبيض خلال الأعوام الثمانية من حكم الرئيس بوش الابن أن تحشد العديد من شعوب وأنظمة الحكم في العالم على كراهية الولاياتالمتحدة الأميركية، هذه السياسة التي تأسست على الأكاذيب والخدع المتكررة والتي نتج عنها أكثر من مليون قتيل وملايين الجرحى والمشردين واللاجئين في العراق وأفغانستان، وهي السياسة التي أغرقت القوات العسكرية الأميركية في حروب ومستنقعات لم تحصد منها حتى الآن أية انتصارات تذكر، وجعلتها في وضع هو الأسوأ لها في تاريخ الولاياتالمتحدة، مما أصاب هيبة القوة العظمى في الصميم وأفقد الشعب الأميركي الإحساس بالانتماء للدولة العظمى. \r\n \r\n \r\n سياسة اليمين المحافظ في البيت الأبيض خلال الأعوام الماضية لعبت أيضا دورا فعالا في فقدان الولاياتالمتحدة للكثير من حلفائها وأصدقائها الأوروبيين القدامى الذين وصفتهم إدارة بوش ب «أوروبا العجوز» بحيث بات حلف شمال الأطلسي الذي كان يجمع هذه الدول تحت قيادة واشنطن يعاني من مشاكل معقدة يصعب حلها وبات على وشك الانهيار بسبب تخلي الأوروبيين عن دعمه في جنوبأفغانستان. \r\n \r\n \r\n أيضا هذه السياسة لعبت دورا كبيرا في التقريب بين دول من خصوم واشنطن لم تكن أي ظروف لتقرب بينها لولا السياسة الفاشلة لليمين المحافظ الأميركي، فمن كان يتصور أن تنهض روسيا بهذه السرعة وتستعيد مكانتها على الساحة الدولية تحقق نجاحات هائلة على المستوى الإقليمي والأسيوي في تكوين تحالفات وتجمعات بين دول في شكل منظمات كلها معادية للسياسة الأميركية. \r\n \r\n \r\n ومن كان يتصور أن الهند والصين تصبحان أصدقاء بعد سنوات العداء الطويلة بينهما، بل حتى من كان يصدق أن يحدث هذا المستوى من التقارب بين روسيا والصين، والذي وصل في إطار منظمة شنغهاي للتعاون إلى مستوى إجراء مناورات عسكرية مشتركة واسعة النطاق بينهما طلبت واشنطن حضورها كمراقبة ورفض طلبها، ومن كان يصدق بظهور أنظمة ثورية جديدة في أميركا اللاتينية التي كانت حديقة الأمن للولايات المتحدة وأهملتها إدارة بوش لدرجة أنها أصبحت في معظمها تقودها أنظمة حكم مناهضة للسياسة الأميركية ورافضة لهيمنتها عليها. \r\n \r\n \r\n لقد انغمس اليمين المحافظ خلال فترتي حكم بوش الابن في الاهتمام بمصالحه الخاصة في مناطق محددة حيث النفط والنزاعات العسكرية، وأعطى ظهره تماما لما يدور على الساحة الدولية وما يتشكل عليها من قوى جديدة اقتصادية وعسكرية، وحتى المشاريع التي قام بها اليمين المحافظ على الساحة الدولية من دعوات الإصلاح والديمقراطية ذهبت معظمها أدراج الرياح لأن إدارة بوش لم تكن صادقة فيها بل استخدمتها لتحقيق أغراضها الخاصة، ولم تتحقق الديمقراطية ولا الإصلاح، وانهارت الثورات الملونة في البلدان التي صدقت الوعود الأميركية بسبب إهمال إدارة بوش لها. \r\n \r\n \r\n استمرار سياسات اليمين المحافظ في البيت الأبيض يعني استمرار العد التنازلي لمكانة وهيبة وقوة الولاياتالمتحدة الأميركية، ولهذا لا نندهش أن نجد الكثيرين يرحبون بقدوم اليميني المتشدد جون ماكين للبيت الأبيض حتى يتحقق على يديه ما يتمناه الكثيرون من انهيار سياسة القطب الواحد وعودة الميزان الدولي للانضباط. \r\n \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أوكراني \r\n \r\n \r\n