وحتى لا يظن البعض ان هذا النهج ضعيف أو ساذج، علينا ان نتذكر ان وزير الدفاع روبرت جيتس استغل خطابا رئيسيا يوم 26 نوفمبر ليؤيد حجته لتعزيز قدرتنا على استخدام القوة اللينة، وإدماجها مع القوة الصلبة. ولقد كرسنا نحن كاتبا هذا المقال احدنا جمهوري والاخر ديمقراطي حياتنا لدعم البروز الأميركي كقوة للخير في هذا العالم. على ان الولاياتالمتحدة لا تستطيع ان تبقى على القمة بدون حلفاء وشركاء راغبين. فخلال السنوات الست الماضية خلط كثير من الناس اقتسام حمل العبء بالتخلي عن القوة. وفي الواقع، عندما نسمح للآخرين بمساعدتنا، نمدد بذلك نطاق النفوذ الأميركي، ولسنا نقزمه. \r\n ما برحت الحرب على الإرهاب، منذ أحداث 11/9، تصوغ تلك النظرة الانعزالية، حتى غدت محور التركيز الأساسي للارتباط الأميركي مع العالم، ويبدو ان خطر الإرهابيين أصحاب الامتداد العالمي سيظل يلازمنا لعقود قادمة؛ ولكن ما لم يمتلك هؤلاء أسلحة الدمار الشامل، نستطيع القول أن جماعات مثل تنظيم القاعدة لا يشكلون خطرا وجوديا على الولاياتالمتحدة على عكس أعدائنا القدامى في ألمانيا النازية والاتحاد السوفيتي. \r\n في واقع الحال، يتمنى تنظيم القاعدة ومن لف لفه أن يهزمنا باستغلال قوتنا الخاصة ضدنا، ويأملون أن نتعثر، ونرد ردا مفرطا، فنقلب الرأي العالمي ضدنا. تلك مصيدة موضوعة عن عمد، مصيدة يتجاوز نطاق عواقبها الاستراتيجية الخطيرة التكاليف التي قد تتكبدها الولاياتالمتحدة جراء أي هجوم إرهابي على نطاق ضيق، مهما كان مأساويا على المستوى الفردي ومؤلما على المستوى الجماعي. وليس بوسعنا الارتداد على أعقابنا إلى عقلية ما قبل 11/9 قصيرة النظر التي قللت من خطر القاعدة، ولا نحن نستطيع البقاء أسرى عقلية ما بعد 11/9 ضيقة الأفق التي سببت جفاء معظم دول العالم تجاهنا. \r\n مجمل القول، عندما نقول ما لا نفعل، نحط من قدرنا وموقفنا الأخلاقي؛ إذ لا نستطيع أن نعظ الآخرين حول الديمقراطية بينما نساند الطغاة. لا نستطيع إدانة التعذيب والغمس في الماء في دول أخرى ونتغاضى عن هذه الأساليب في بلدنا. لا نستطيع أن نجعل من خليج جوانتانامو بكوبا أو سجن أبو غريب بالعراق رمزين من رموز القوة الأميركية. \r\n لقد كانت الولاياتالمتحدة هي أكبر قوة على المسرح العالمي، وستظل كذلك على الأرجح لسنوات قادمة، ولكن بقاء قوتها يتعلق إلى حد كبير بما إذا كان ينظر إليها كقوة مستأسدة أو صديقة. فالأقطار واللاعبون غير القطريين يمكن أن يواجهوا تحديات اليوم بشكل أفضل عندما يتمكنون من جذب حلفاء؛ أما أولئك الذين يجافون الأصدقاء المحتملين فيقفون على خطر عظيم. \r\n لقد دللت السنوات الست الماضية على ان القوة الصلبة وحدها لا تستطيع تأمين الأهداف الأميركية طويلة المدى، ولا يزال الجيش الأميركي هو الأفضل في العالم، حتى بعدما انهك من سنوات الحرب، ولسوف نضطر للاعتماد على الجنود والمواد للحفاظ على المستويات الحالية من الاستعداد؛ خاصة وأن النسبة المئوية للانفاق الدفاعي الأميركي من إجمالي الناتج المحلي هي في الواقع أقل من مستوياتها إبان الحرب الباردة. لكن ليس بالضرورة ان كل دولار ننفقه على القوة الصلبة يجلب قيمته أمنا. \r\n في نهاية المطاف، لم تعد الأخطار الأمنية أخطارا عسكرية. فالصين تبني مصنعين يعملان بالفحم كل أسبوع، والقوة الصلبة الأميركية لا تستطيع كبح هذه الاتجاه، ولكن التقنية الأميركية يمكن ان تجعل الفحم الصيني اكثر نظافة، مما يساعد البيئة ويفتح اسواقا جديدة للصناعة الأميركية. \r\n اننا نعيش في عالم متغير، وعلى الولاياتالمتحدة ان تغدو قوة أذكى مرة أخرى باستغلال الخير العالمي بتوفير أشياء تريدها شعوب وحكومات لكن لا يستطيعون الحصول عليها بدون قيادة أميركية. وعندما تستكمل القوة العسكرية والاقتصادية الأميركية باستثمارات اكبر في القوة اللينة، تستطيع واشنطن بناء إطار عمل يعالج التحديات العالمية. وهذا ما نسميه القوة الذكية. \r\n القوة الذكية لا تعني أن نجعل العالم يحبنا، ولكنها تعنى بتطوير استراتيجية توازن بين قوتنا الصلبة (القسرية) وقوتنا اللينة (الجذابة). خلال الحرب الباردة، استطاعت الولاياتالمتحدة ردع العدوان السوفيتي عن طريق الاستثمار في القوة الصلبة، لكن كما أشار جيتس، ادرك القادة الاميركيون أيضا ان طبيعة الصراع تتطلب منا ان نطور قدرات رئيسية ومؤسسات كثير منها غير عسكري ومن ثم استغلت الولاياتالمتحدة قوتها اللينة لإعادة بناء أوروبا واليابان ووضعت معايير ومؤسسات باتت هي لب النظام الدولي طوال نصف القرن الماضي. وقد انتهت الحرب الباردة تحت وقع المطارق على جدار برلين وليس على وقع المدفعية بفضل ذلك النهج المتكامل. \r\n على وجه التحديد، يتعين على الولاياتالمتحدة ان تجدد تركيزها على مجالات خمسة حاسمة: \r\n - علينا ان نجدد شباب التحالفات والشراكات والمؤسسات التي تتيح لنا مواجهة اخطار عديدة مرة واحدة بدون الاضطرار لبناء إجماع من لا شيء كي نرد على كل تحد جديد. \r\n - علينا ان نوجد صوتا على المستوى الحكومي للتنمية العالمية لمساعدة واشنطن على وضع برنامج مساعدات اكثر توحدا واندماجا يجمع المصالح الأميركية مع طموحات شعوب العالم بداية بالصحة العالمية. \r\n - علينا ان نعيد استثمار الدبلوماسية الشعبية داخل الحكومة وإنشاء مؤسسات لا ربحية خارجها لبناء روابط شعبية تشمل مضاعفة المخصصات السنوية لبرنامج فولبرايت. \r\n - علينا ان ندعم ارتباطنا بالاقتصاد العالمي عن طريق التفاوض حول مركز تجارة حرة من دول في منظمة التجارة العالمية الراغبة في الانتقال مباشرة إلى التجارة الحرة على أساس عالمي، ولتوسيع منافع التجارة الحرة لتشمل اولئك المنسيين في الداخل والخارج. \r\n - علينا ان نمسك بزمام القيادة في معالجة التغير المناخي وغياب امن الطاقة عن طريق الاستثمار اكثر في التقنية والابداع. \r\n ان القيادة تتطلب ما هو اكثر من مجرد رؤية. إنها تتطلب تنفيذا ومحاسبة، وهما سمتان غائبتان في الحكومة اليوم. \r\n خلال الحرب الباردة ابرزت الولاياتالمتحدة صورة الكفاءة التقنية الهائلة: كنا نرسل بشرا إلى القمر، ونساعد على التخلص من الجمرة الخبيثة. لاحقا، دللت الانتصارات الأميركية العسكرية في الكويت 1991 وكوسوفو 1999 على براعتها التقنية العالية. اليوم تبرز الولاياتالمتحدة صورة مغايرة تماما. ان الاستجابة غير الملائمة على نحو مأساوي لإعصار كاترينا، والصعوبة في استعادة الخدمات الأساسية في العراق، والعجز عن مخاطبة قضايا محلية ماثلة كالرعاية الصحية والهجرة وتكلفة المخصصات جعلت أميركا تبدو بلدا لا يستطيع حل المشاكل الصعبة. وكان البعض في الخارج يشككون دائما في السياسة الأميركية؛ أما اليوم فإن كثيرين يشككون في كفاءتنا الأساسية. \r\n ربما تفتح القوة اللينة الباب للتغيير، ولكنها لن تحل كل مشاكل الولاياتالمتحدة. ان قيمتها الدائمة تتمثل في أنها يمكن ان تقنع الآخرين بالانضمام إلى القضية الأميركية، فلا تقللوا أهمية جعل إيران تصغي في النهاية إلى صوت عال بأن عليها ان تكف عن محاولات الحصول على برنامج تسليح نووي؛ وبالنظر إلى احدث تقارير الاستخبارات الأميركية ربما تكون هذه السياسة ناجحة. ولا تقللوا أيضا من قدر النية الطيبة في ان الجهد المسنود لإزالة المرض يمكن ان يحدث فرقا. \r\n وإذا نظرنا إلى الأزمة الحالية في باكستان، لوجدنا ان الولاياتالمتحدة ربما كانت في وضع افضل لو أنها لم تبتعد عن باكستان في تسعينات القرن الماضي ووسعت ارتباطها ابعد من التعاون العسكري ودعم الجنرال برويز مشرف خلال السنوات الست الماضية، كما اقترحت لجنة 11/9. الآن تقل درجة قبول الولاياتالمتحدة عن 20% في باكستان، ويرى الباكستانيون الحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة على الإرهاب حربا على الإسلام، واصبح الدعم الأميركي يلطخ سمعة الزعماء الباكستانيين الذين يتقاسمون الأهداف الأميركية. \r\n وكانت معدلات قبول الولاياتالمتحدة في اواخر 2005 ومطلع 2006 تقارب 50% باكستان. لماذا؟ بسبب استجابة الجيش الأميركي الفعالة والمبدئية لزلزال اكتوبر 2005 هناك، وكان اكبر واطول دعم اغاثي للجيش الأميركي في التاريخ إذ بين للباكستانيين مدى التزام وصداقة الولاياتالمتحدة ووفر مصدرا مهما للقوة اللينة. كما دلل لفترة وجيزة على امكانية استعادة الولاياتالمتحدة مركزها في العالم. \r\n الآن وقبل عام على الانتخابات الرئاسية، يستطيع المرشحون في الحزبين تقديم رؤية اكثر تفاؤلا توازن بين الرغبة الأميركية لحماية الداخل مع سياسات اكثر حصافة في الخارج. انه شيء ذكي مطلوب عمله. \r\n \r\n ريتشارد أرميتاج \r\n جوزيف ناي \r\n نائب وزير الخارجية الأميركي من 2001 إلى 2005 \r\n مساعد وزير الدفاع الأميركي سابقا \r\n خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست - خاص ب(الوطن)